ديمستورا : إطار غير معياري لتكريس واقع مظلم

 

النقاط الاثنتي عشرة نماذج لما حضر ولما غاب

 

سارع ممثلو ما يسمى (المعارضة السورية ) إلى الترحيب بنقاط ديمستورا بنقاطه الاثنتي عشرة . إن السرعة التي استجاب بها هؤلاء اللمثلون لما سمي إطار ديمستورا ، ما خلا ملاحظتين ، تدلل على أن الموقف كان انفعاليا ، مرتجلا لم يأخذ حظه من الدراسة والتمحيص . في عالم السياسة والدبلوماسية ينبغي دائما التنقيب عما وراء الألفاظ والعناوين . بحق كان وفد بشار الأسد أكثر مهنية وريثا ، عندما أمسك عن الجواب ، وأخذ نفسا عميقا وقال : ندرس ونعود . لا عيب في عالم السياسة وفي غيره أن يتعلم المرء من أعدائه وخصومه على السواء .

إن الوقوف المباشر مع ( إطار ديمستورا ) في نقاطه الاثنتي عشرة ما حضر منها وما غاب ، يجعلنا ندرك أن ما يريده المجتمع الدولي للشعب السوري هو أن يبقى أسيرا في إطار الحكم الفاسد المستبد الذي حكمه خلال نصف قرن فهمشه ثم هشّمه .

إن أول ما نلحظه على إطار ديمستورا في نقاطه الاثنتي عشرة هو أنه إطار ضبابي غير معياري ، وغير قابل للقياس ، يكتنفه الغموض ، ويقبل كل تفسير يريده في وقته المفسرون . قد يقال إن ديمستورا رجل دبلوماسي يستخدم مهاراته لجعل فريقين متناقضين يقبلان الاستمرار في لعبة الحوار ؛ ولكن التاريخ الدبلوماسي يعلمنا أن كل النصوص من هذا النوع إنما تفسر في لحظة الحقيقية لخدمة الأقوياء ، أو لإقامة الحجة على الضعفاء ..

سنكتفي في هذا السياق بالتوقف عند ثلاث نقاط لم يكن لممثلي المعارضة أن يناموا عنها كأنموذج للكثير الذي يمكن ان يقال في إطار ديمستورا المغلف بغلالة من الضباب..

لقد جعل ديمستورا مدخل إطاره التوافقي ( تأكيد جميع الأطراف على أن التسوية السياسية هي الطريق الوحيدة لتحقيق السلام ..)

هل نحتاج إلى بيان الفرق بين الحل السياسي والتسوية السياسية ؟! هل نحتاج إلى بيان الفرق بين سعي الشعب السوري إلى نيل الحرية والعدل وبين سعي ديمستورا إلى ( تحقيق السلام ) ولو كان قائما على العسف والظلم والاستبداد والفساد ؟!

ثم من هم أو من هي هذه الأطراف التي أكدت لديمستورا إيمانها بالتسوية السياسية كطريق لتحقيق السلام ؟!

طرف ( أول ) مخادع مناور مستقل معترف به رسميا يتمتع بكل أشكال الاستقلالية والمركزية . وطرف (ثان) ما يزال وجوده وتشكيله موضع أخذ ورد . وما تزال القوى الدولية والإقليمية تنتقصه من أطرافه ، وتغمزه وتلمزه وتراوده على قراره عند كل منعطف. 

وفي حين يتضمن هذا المدخل الخطير اعتراف الطرف الثاني بالطرف الأول (الظالم المستبد القاتل المدمر) ، فإن الطرف الأول ما يزال ينظر إلى الطرف الثاني على أنه مجموعة من ( الإرهابيين ) و ( الخون ) و يصفهم ( بمعارضة الرياض ) على مرأى ومسمع من ديمستورا ومن جاء به ...

لقد فات ممثلو الشعب السوري أن يؤكدوا أن (الحل السياسي ) وليس التسوية السياسية هو الذي يؤمنون به ويسعون إليه . وأن يؤكدوا أن الحل السياسي الذي يؤمنون به ويدعون إليه هو (الحل السياسي المجتمعي ) ، الذي يتمثل في عقد اجتماعي جديد يعبر عن إرادة أبناء المجتمع المدني الموحد، هذا المجتمع الذي سحقه بشار الأسد ، وأنكر وجوده في تصريح له رسمي ، قبل هذه الثورة المباركة ببضعة أعوام .

إن الإيمان بالحل السياسي لا يعني أبدا الاعتراف بالمجرم الطاغية القاتل ، وزمرته ، وهذا ما فات من ملاحظة السادة الممثلين .

ثم عندما يقرر إطار ديمستورا أن جميع الأطراف أن الأطراف ( تتبنى مبدأ سيادة الدولة السورية واستقلالها وسلامة أراضيها ..) سيبدو من السذاجة بمكان اعتبار هذه النقطة نقطة اتفاق في إطار الأمر القائم في سورية هذه الأيام ...

فعلى مدى خمس سنوات من الصراع ، ما زال المجتمع الدولي يضع أمر سيادة سورية بيد ( بشار الأسد ) !!. وبشار الأسد باسم السيادة المغتصبة والمنتهكة استجلب الغزاة ، وتاجر بالوطن والإنسان ، وعقد الصفقات ، وقتل ودمر وأباد وهجر . ولذا فإن إقرارنا بسيادة سورية ، وكذا باستقلال سورية ، لا يجوز أن يغفل أو أن يتغافل عن هذا التوضيح وهذا البيان. فسورية منذ خمس سنوات دولة منتهكة السيادة ، فاقدة الاستقلال ترزح تحت نير مغتصب للشرعية ، يجثم على أرضها وعلى صدر شعبها ألوان من الاحتلال منه الروسي ومنه الإيراني ومنه الداعشي الذي استجلبه الطاغية ومنه الفصائل العنصرية التي دعمها المحتلون فكانت احتلالا مدعوما من احتلال . . إن الإشارة إلى كل هذا الحقائق لا يمكن أن يجعلنا نقر أن (سيادة سورية) في إطار ما هو قائم عنوان مشترك . سيادة سورية هي مطلبنا نحن أن تتجسد هذا السيادة تجسيدا شرعيا في أصحابها وليس في منتهكيها ..

و ثالثا لعله من المضحك المبكي أن يصف إطار ديمستورا سورية بكلام قابل لكل تفسير ( سورية ( دولة ديمقراطية غير طائفية ) ومتى كانت سورية دولة طائفية أو غير ديمقراطية سيقول الأسد ومشايعوه ؟! . وما هو المعيار العملي للحكم على الدولة بأنها ديمقراطية أو غيرطائفية وها هو بشار الأسد يحضر تحت سمع المجتمع الدولي ( لانتخابات ديموقراطية ) في مجتمع نصف سكانه من المهجرين ..

 ما هو المعيار العملي لوصف الدولة بأنها غير طائفية ، هل هي عراق بريمر أو عراق المالكي ؟ ! أو هي دولة الحشد الشعبي الذي ما زالت قوى الشر في العالم ترعاها ،أو لعلها دولة ( وحدات حماية الشعب ) المدعومة أمريكيا وروسيا وأسديا التي ما تزال تتمدد على عين...

هل الدولة التي تكون جميع مفاصل القوة الحقيقية فيها الأمن والجيش والسياسة والإعلام والاقتصاد بيد أبناء طائفة واحدة وإن كانت نسبتها العددية 7% من السكان هي دولة طائفية ..؟! وكيف سكت المجتمع الدولي على مثل هذه الدولة في سورية على مدى نصف القرن ؟!

سيرد ديمستورا وفريقه والمتجحفلون معه والممسكون بزناره على هذا الكلام بأنه طائفي . وأن المحاصصة الطائفية مرفوضة ، لأن من الطائفية أن تسأل الأكثرية عن حقوقها ، وليس من الطائفية أن تستفرغ الأقلية السلطة والثروة والفرصة في أي مجتمع من المجتمعات ...

كلام مدمر ومخيف ، يهلل له ممثلون أغرار لا يميزون بين ظاهره وباطنه، فيفرطون ويضيعون من حيث لا يعلمون .  

لا يمكننا أن نطيل أكثر في الإطار الرعيب الذي عرضه ديمستورا والذي قبله عديمو البدائل على كره منهم هذا مع حسن الظن . ولكن إن نفتح باب ما غاب عن بنود هذا الإطار المائع فسنفتقد في رأس ما نفتقد حديثا عن العدل الذي يحفظ حقوق ملايين المنتهكين والمنتهكات والشهداء والمعذبين والمعتقلين والمشردين على مدى نصف قرن من حكم القاتل المبير ,,

أن يقتل العدل وتبقى الجريمة بلا عقاب هذا الذي سيجعل الثورة مستمرة أو سيحضر لثورة جيل جديد لا أحد يدري متى ولا كيف ولا أين ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين