دفقةٌ من قلبها - مهنة الأمومة

دفقةٌ من قلبها

بقلم: أم حسان الحلو

«تجزّأ قلبها وسافرت أطرافه، لكن نبضه لم يتوقف ووهجه لم يخبُ، وأنّى له ذلك وقد ارتضى مهنة له لم تعرف البشرية أعلى منها مقاماً سوى مقام النبوة؛ ألا وهي مهنة الأمومة؟»*، تلك الوظيفة التي يجب أن تراعى متطلباتها منذ لحظات تكوين الجنين الأولى إلى آخر لحظة في حياة أمه، مهنة لا تعرف الاستقالة إلا إذا استطعنا أن نفصل بين وشائج الصغير وأمه، وهذه الوشائج العظيمة لا تنفصل إلا بيوم الفصل، فتلك الوشيجة مَنَحها سبحانه قدرها فسجّلها من أهوال ذلك اليوم العصيب، ومن رَوْع الزلزلة الرهيب؛ حيث قال سبحانه في بداية سورة الحج: (يوم ترَوْنها تَذْهلُ كلُّ مُرضِعةٍ عمّا أرضعتْ وتضعُ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملها وترى الناسَ سُكارى وما هم بسُكارى ولكنّ عذابَ الله شديد) (الحج: 2).
وعليه، فالأمومة حال لا يعرف التوقف كالتنفس تماماً، لذا نراها تجاهد نفسها لتغدو قدوة حية صالحة طوال حياتها في نظر صغارها، وتغرس الصلاح بذوراً في أرض التربية، لتقطف ثماره صلاحاً في شخصية أبنائها علّها تترك عملاً يُنتفع به بعد خروجها من دنياها، إنها ذرية صالحة تدعو لها.
ذاك قلبٌ يتقلّب في رياض الطاعات، وينفث للأجيال رَوْحاً وريحاناً علّها ترتقي قدُماً وتعود لقيادة الأمم، إنها ترتقي ارتقاء الحرائر وتنعم بالعفة والطاعة كما تنعم بها السيدة مريم رضي الله عنها.
قلبٌ يُغدق الحب خمائل تدفئ الأجيال، ويدرك أن للحرمان العاطفي نصيب الأسد في غابات الضياع، فإفساد الأجيال لم يكن ليتحقق لولا شباك الجفوة والغلظة التي يجدها بعض الصغار عند بعض الكبار.
قلب الأم هو الباني بصمتٍ لشامخ البناء بنبض الدماء، مدركاً أن شح العطاء يجفف منابع الحياة ويمهد للدمار والفناء، قلب لا يقف عند خدمة الجسم وتزويده بالمأكل اللذيذ واللباس الأنيق، بل يحرص على غرس القيم والفضائل والعلم النافع مرتحلاً من دنيا الابتلاء إلى عالم البقاء، فارّاً من نار الدنيا وعذاب الآخرة، مستقرّاً في رياض الجنان بإذن الله، آملاً بالفردوس الأعلى ولقاء المؤمنين وترديدهم: (قالوا إنا كنا قبلُ في أهلِنا مشفقين، فمَنَّ اللهُ علينا ووقانا عذاب السَّموم) (الطور: 26 – 27).
قلبٌ يبني أمام الغزاة أشدّ الحصون مَنَعة فيصدق عليه وصف نابليون: «إنّ أعتى الحصون التي واجهتني هو حصن المرأة الصالحة».
قلبٌ يرسُم خُططَه ليوم النجاة، وينقش على صفحة الأيام ومرأى الأنام: (يا أيها الذين آمنوا إنْ تنصُروا اللهَ ينصرْكم ويثبِّت أقدامكم) (محمد: 7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
? من كلمات د.إبراهيم الخليفي في «موسوعة الأسرة الفضائية».

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين