دعوى اختلاف معاني كلمات القرآن
نص الاستشارة :
هناك كلمات في القرآن لا نفهمها بلغتنا في هذا العصر، هل تغير لغة العرب من زمن الصحابة إلى زماننا؟ أم ماذا؟ مثال: كلمة (عدل) في الآية: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70] العدل ليس معناه القسط، بل معناه الفدية. وغيرها الكثير.
لماذا تغير معاني كلمات القرآن؟ ولماذا يكون معناه خلافَ المتوقع ومختلفًا عما نعرفه اليوم؟ أحسن الله إليكم.
مثال آخر حتى تتضح الصورة: كلمة: (الريش) في قول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26]، معنى الريش هنا ليس ريش الطيور، بل معناه المال، وقيل معناه لباس الزينة.
الاجابة
القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، وعندما استمع إليه العرب فهموا خطابه بحكم معرفتهم بهذا اللسان: قال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الزمر/ 27، 28 .
لكن في زماننا هذا قد ابتعد كثير من العرب عن الفصحى كثيراً حتى إذا قرأوا كلاما لقدامى العرب سيصعب عليهم فهمه واستيعابه، وبعض الكلمات لها استخدام في اللهجة العامية مختلف عن استخدامها بالفصحى، فلا تعتبر معرفتنا هي المقياس لأصل استخدام المفردات اللغوية وما تدل عليه، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى فإن المفردة في اللغة العربية قد تأخذ عدة معاني، وذلك حسب سياقها في الكلام، فإذا أردت أن تعرف معنى مفردة ما فلا بد من النظر إلى الجملة كاملة، وبغير سياقها الكامل لن يتضح معنى المفردة أو الكلمة.
وهذا الكلام يؤدي بنا إلى أهمية التضلع من علوم اللغة العربية والتشبع بكلام العرب الفصحاء في عصر صدر الإسلام، وقراءة دواوين العرب وأشعارهم، وذلك لفهم أفضل للقرآن الكريم، علما أن نهاية عصر الاحتجاج بكلام العرب: في الحاضرة: منتصف القرن الثاني أي (150هـ) وفي البادية منتصف القرن الرابع (350هـ) أو نهايته (400هـ). أما بعد هذه الأزمنة فقد اختلط العرب بغيرهم كثيرا من الأمم الأخرى، وضعفت القريحة العربية، ودخل في العربية ما ليس منها، واختلف مدلول بعض الكلمات.
فضلا عن أن تفسير القرآن الكريم بما تدل عليه أصل الاستخدامات في اللغة العربية لا يكفي وحده بل لا بد للرجوع لتفسير السلف وما ذكره أئمتهم في فهم كلام الله تعالى؛ لأن بعض الكلمات قد وردت في القرآن الكريم ولا يمكن أن نفسرها بأصل معناها اللغوي، لأنها استخدمت بمصطلح جديد جاء به الإسلام، كذلك بعض الآيات جاءت في سياقات خاصة، وهكذا.
وعلى هذا النحو فلو أخذنا اصطلاحات كثيرة مهمة وردت في كتاب الله في سياق التكليف: كالصلاة، والصيام، والزكاة، والحجّ. فالصلاة في اللغة الدعاء، ولكنها في الاصطلاح الشرعي تلك العبادة التي كلّفنا الله بها بأركانها وصفاتها وشروطها المعروفة. والصوم في اللغة هو الإمساك، ولكنه في اصطلاح الشرع عبادة معروفة هي إمساك مع نيّة عن الطعام والشراب وسائر المفطرات في أوقات مخصوصة. والزكاة في اللغة تأتي بمعنى الطهارة والنماء والبركة، ولكنها في اصطلاح الشرع ذلك الركن المعروف من أركان الإسلام بشروطه وأحكامه. وكذلك الحجّ، فهو في اللغة القصد، ولكنه في اصطلاح الشرع عبادة مخصوصة. تصوّروا الآن لو جاء أحدهم وقال: أريد تفسير هذه الألفاظ الدالة على تكاليف شرعية باللغة فقط، يمكنه حينئذ أن يذهب بالمعاني الشرعية كلّ مذهب، هذا إذا علمنا أنّ الكثير من الألفاظ تحتمل في اللغة أكثر من معنى!
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول