دعاوى التجديد

التجديد أمر تكفل الله به لحفظ دينه لهذه الأمة، ولم يكله إلى أحد يدعيه لنفسه أو يزعم أنه يقوم به، بل يختارسبحانه له من يشاء من خيرة هذه الأمة من علمائها وأئمتها العدول، وليس بمحض الدعوى.

 

 قال فيما صح عنه: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».

 

بمعنى أن الكل لا ينشغل بأمرالتجديد؛ إذ ليس ذلك له، بل يعمل المسلم بمقتضى الأمر والنهي وإعمال قواعد الشرع، ويتعلم فريق منهم ويتفقهون في الدين جيداً ويُعلون من همتهم في إعلاء كلمة الله وتطبيق شرعه، فإذا فعل العلماء ذلك كان منهم مجددون، يزيد الله من النفع بهم ويجعلهم أسباب نصرة دينه وإعادة نضارته على رأس كل مائة سنة هجرية، والله يختص برحمته من يشاء. 

 

ثم إن التجديد شيء، والتغيير والتحريف شيء آخر.

 

ومعنى التجديد كما قال شراح الحديث: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، والمراد بـ(يجدد لها دينها): أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم ويعز أهله ويقمع البدعة ويكسر أهلها.

فالمراد: أنه يعيد للدين نضارته وقوته ويزيل الشبه عنه، ويعمل على إعلاء كلمته، سواء كان ذلك باللسان والبنان أو بالسنان.

 

وليس فيه اختراع أو حذف أو إضافة.

 

وربط التجديد بالاجتهاد ونبذ التقليد.. مغالطة مكشوفة؛ إذ لا يلزم من التجديد الاجتهادُ، فقد وصف كثير من العلماء بالتجديد من غير أن يكونوا مجتهدين أو أن يدعوا لأنفسهم الاجتهاد.

 فالدين كله اتباع لا ابتداع.

 

أما أن يراد إضفاء الصبغة الدينية على واقع مخالف لشرع الله بتمحلات باردة، فهي الزندقة بعينها، وهي تبديد لا تجديد..

 

والزندقة أشد من محاربة الدين علناً، لأن المحاربة يعرف فيها العدو، أما هؤلاء فيتسربلون بلباس أهل الإسلام، ويضفون على تحريفاتهم صبغة الدين، فيلبسون على الناس الحق بالباطل، فيضلون ويضلون، ويفتنونهم عن دينهم. (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).

 و(الواقع) هذا الذي يستندون له ويتزرعون به، ما هو؟ هل هو الضرورات الملجئة؟ كلا، بل مجموع أهواء وشهوات وعادات وإملاءات وضغوط من جهات مسيطرة على المسلمين تريد لهم أن يكونوا تبعاً، وواقعهم هذا هو الذي جاء الوحي والشرع الإلهي (الدين) ليغيره على وفق شرعه المكتمل الذي أراده الله لنا، لا أن يتغير الشرع من أجله.

 

ثم إن هؤلاء في وسط القرن لا على رأسه، حتى يدعوا التجديد، كما جاء في الحديث.

 

واجتهادات الفقهاء ليست غير الشرع، بل هي من شرع الله؛ إذ من أوليات البحث الفقهي أن الفقيه المجتهد كاشف عن حكم الله في المسألة لا منشئ للحكم كما يفعل أصحاب القوانين الوضعية... والغفلة عن هذا دليل عدم التحصيل والمجازفة.

 

ثم إن دائرة الإجماع أي المجمع عليه- لا اجتهاد فيها، بخلاف ما يرنو له بعض المعاصرين، وإلا صار الدين كإحدى المنتجات الاجتماعية والمقترحات والقوانين التي يضعونها ويغيرونها...

 

وكثير من المجمع عليه، غير موجود في حياة المسلمين الآن، فهل يقدر دعاة التجديد ودهاقنته أن يجعلوا ضمن تجديدهم المزعوم إعادته لحياة المسلمين وتطبيقه، أم هي شنشنة نعرفها من أخزم؟!

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين