درس بليغ من لقمان الحكيم(1)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

عن عبد الله بن الزبير قلت لجابر بن عبد الله ما انتهى إليكم من شأن لقمان ؟ قال كان قصيرا أفطس الأنف من النوبة . وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال كان لقمان من سودان مصر ذا مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة .
وقال الأوزاعي حدثني عبد الرحمن بن حرملة قال جاء رجل أسود إلى سعيد بن المسيب يذكر ألمه من سواده فقال له سعيد بن المسيب لا تحزن من أجل أنك أسود فإنه كان من أخير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر بن الخطاب ولقمان الحكيم كان أسود نوبيا ذا مشافر
وكان لقمان عبدا حبشيا نجارا فقال له مولاه اذبح لنا هذه الشاة فذبحها قال أخرجْ أطيبَ مضغتين فيها فأخرج اللسان والقلب، ثم مكث ما شاء الله ، ثم قال اذبح لنا هذه الشاة . فذبحها قال أخرجْ أخبث مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب فقال له مولاه :أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما. فقال لقمان إنه ليس من شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا.
وكان لقمان قاضيا على بني إسرائيل في زمان داود عليه السلام،فأتاه رجل وهو في مجلس يحدث الناس، فقال له ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ؟ قال نعم قال فما بلغ بك ما أرى ؟ قال صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني. وفي رواية قال: قدر الله وأداء الأمانة وصدق الحديث وتركي ما لا يعنيني. ولأن كونه عبدا قد مسه الرق ينافي كونه نبيا لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها. ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا.
 ووقف رجل على لقمان الحكيم فقال:أنت لقمان أنت عبد بني الحسحاس ؟ قال نعم قال أنت راعي الغنم ؟ قال نعم . قال أنت الأسود ؟ قال أما سوادي فظاهر فما الذي يعجبك من أمري ؟ قال وطء الناس بساطك وغشيُهم بابك ورضاهم بقولك قال يا ابن أخي إن صغيت إلى ما أقول لك كنت كذلك . ثمّ قال لقمان إنّ غضي بصري وكفي لساني وعفة طعمتي وحفظي فرجي وقولي بصدقي ووفائي بعهدي وتكرمتي ضيفي وحفظي جاري وتركي ما لا يعنيني هو الذي صيرني إلى ما ترى . وروي عن أبي الدرداء أنه قال يوما: ُذكر لقمان الحكيم فقال ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال ولكنه كان رجلا صمصامة(حازماً) سِكّيتا طويل التفكر عميق النظر، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيدها إياه أحدٌ.
 وكان قد تزوج وولد له أولاد، وكان يغشى السلطان ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر، فبذلك أوتي ما أوتي . وعن قتادة قال : أتاه جبريل وهو نائم فذر عليه الحكمة أو رش عليه الحكمة قال فأصبح ينطق بها،
قال تعالى " ولقد آتينا لقمان الحكمة " وهو الفهم والعلم والتعبير ووضع الأمور في نصابها والإحاطة بمجريات الأمور على قدر كبير لا يقدر عليه إلا الذين وهبهم الله سبحانه الذكاء والحكمة والنظر الثاقب . ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وكان عليه أن يحمد الله ويشكره " أن اشكر لله " ومن شكر الله تعالى ارتقى رتبة الشاكرين وعاد نفع ذلك وثوابه على الشاكرين لقوله تعالى " ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ومن شكر فإنما يشكر لنفسه"فالله تعالى يهب دائم الشكر النعمة تترى لا تنقطع. " وقوله " ومن كفر فإن الله غني حميد" غني عن العباد لا يتضرر بذلك ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعا فإنه الغني عمن سواه .
ومن ضمّ هذه السمات بلغ من المجد غايته وشاع ذكره في العالمين ونال رضا المولى فكان من الخالدين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين