دافعاتُ البلاءِ

▪️ الأوّلُ: إكثارُ الاستغفَارِ:

قالَ اللهُ جلَّ جلالُهُ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33]، وعَن أَبِي مُوسَى الأشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (أَمَانَانِ كَانَا عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، رُفِعَ أَحَدُهُمَا، وَبَقِيَ الآخَرُ)، وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ [أحمد: 19506، وإسناده حسنٌ]، والعَذَابُ المَدفُوعُ يَعُمُّ العَذَابَ السَّمَاوِيَّ، ويَعُمُّ مَا يكونُ مِنَ العِبَادِ؛ ذلكَ أنَّ الجَمِيعَ قَد سَمَّاهُ اللهُ عَذَابًا، وَفِيهِ دَليلٌ علَى أنَّ الاستِغفَارَ مَانعٌ مِن العَذَابِ بعدَ وُقُوعِ أسبَابِهِ [فتاوى ابن تيمية: 15/41].

وَفِي الحَدِيثِ عَن فَضَالةَ بنِ عُبَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قالَ: (العَبدُ آمِنٌ مِن عَذَابِ اللهِ مَا استَغفَرَ اللهَ) [أحمد: 23953، وهو حسنٌ لغيرِهِ]. وَهذَا الأمَانُ شامِلٌ لعذَابِ الدُّنيَا وعذَابِ الآخِرَةِ.

▪️ الثّانِي: الصَّلاةُ الخاشعَةُ:

عَن أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنهَا قالَتْ: خسَفتِ الشَّمسُ فِي عَهدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم فصَلَّى بِالنَّاسِ... ثُمَّ قامَ فخَطَبَ النَّاسَ، فأثنَى علَى اللهِ بِمَا هُوَ أهلُه، ثُمَّ قالَ: (إِنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافزَعُوا للصَّلَاةِ) [متفقٌ عليه: البخاري: 1047، مسلم: 902]، وَالمَعنَى: "بَادِرُوا بِالصَّلَاةِ، وأسرِعُوا إِلَيْهَا؛ حَتَّى يَزُولَ عَنكُم هذَا العَارِضُ الَّذِي يُخَافُ كَونُه مُقدِّمةَ عَذَابٍ" (شرح النووي على مسلم: 6/202).

▪️ الثّالثُ: الدُّعَاءُ الضَّارِعُ:

قالَ تعَالَى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 4]، فالضَّراعَةُ للهِ فِي الدُّعَاءِ رَافِعَةٌ للبَلاءِ، وفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: (لَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) [ابن ماجه: 4022، وإسناده حسنٌ]، ولذَلِكَ قَالُوا: "الْبَلَاءُ كَالسَّهْمِ، والدُّعَاءُ كَالتُّرْسِ، وَالْقَضَاءُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْأَزَلِ" [تحفة الأحوذي: 5/427]، وعَنْ مُعَاذٍ رضيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قالَ: (لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ) [أحمد: 22044، وفي إسناده ضعف].

▪️ الرّابعُ: الصَّدقَةُ والنَّفقَةُ:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ) [الترمذي: 664، وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ]، وَعنهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: (بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّ الْبَلَاءَ لَا يَتَخَطَّى الصَّدَقَةَ) [السنن الكبرى، للبيهقي: 7907]، وَلِذَلِكَ قالَ ابنُ القَيِّمِ رحمَهُ اللهُ: "وَفِى الصَّدَقَةِ فَوَائِدُ ومنَافِعُ لَا يُحصِيهَا إلَّا اللهُ تعالَى، فَمِنْهَا أنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وتَدفَعُ البَلَاءَ؛ حتَّى إنَّهَا لتَدفَعُ عَن الظَّالِمِ" [عدة الصابرين، لابن القيم: 254].

▪️ الخامسُ: إكثَارُ الصَّلاةِ علَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم:

فعَن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضيَ اللهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي [أي دُعَائِي]؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ)، قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ) [الترمذي: 2457، وقالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ]، والأدواءُ والأمرَاضُ مِن هُمُومِ الدُّنيَا، وَقَد ذَكَرَ ابنُ القيم أربعين فائدة للصلاة على النبي منها واندفاع أَنْوَاع الْبلَاء وَالشَّر [جلاء الأفهام، لابن القيم: 1/313].

▪️ السّادسُ: مكارِمُ الأخلاقِ:

فعَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنهَا قَالَت: (كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ.. حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ.. فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَالَ: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَة: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي) فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ) (متفق عليه: البخاري: 3، مسلم: 160]، وَفِيه دَلِيلٌ علَى أنَّ مكارِمَ الأخلَاقِ، وخِصَالِ الخَيرِ، سبَبٌ للسَّلامَةِ مِن مصَارِعِ السُّوءِ والمَكَارِهِ، فَمَنْ كَثُرَ خَيرُهُ حَسُنَتْ عَاقِبَتُهُ، وَرُجِيَ لَهُ سَلَامَةُ الدِّينِ والدُّنيَا [التوضيح، لابن الملقن: 2/280].

واللهُ خيرٌ حافظاً، وهوَ أرحمُ الرَّاحمينَ.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين