خير الزاد

قال الله تعالى: [الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ] {البقرة:197}

لما كان الحج عبادة من أجلِّ العبادات التي تتجلى فيها العبودية الحقة لله تعالى، ظن بعض الناس أنه بإمكانهم أن يحجوا بغير زاد، فكانوا يخرجون مع القوافل ويعتمدون على ما يحمله أفردها من زاد. فأمرهم الله تعالى بالتزود للسفر، فالتوكل على الله في السفر لا يعني ترك التزود بكل ما يحتاجه المسافر من طعام وشراب، وقد كان سيد المتوكلين رسول الله صلى الله عليه وسلم  يتزود لسفره، وقد فسر المفسرون الاستطاعة في قوله تعالى: ]وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً[ بأنها الزاد والراحلة، فمن لا يملك زاداً لا يجب عليه الحج.

وهذا التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين، والكف عن أموالهم، سؤالا واستشرافا، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين والمحتاجين، وزيادة قربة لله وتقوية للجسم على الطاعة لله رب العالمين

وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه، في دنياه، وأخراه، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار، وهو الموصل لأكمل لذة، وأجل نعيم دائم أبدا، ومن ترك هذا الزاد فلن يصل إلى دار المتقين.

وحتى لا ينصرف اهتمام الحاج إلى الزاد المادي نبه القرآن إلى أهمية الزاد المعنوي الذي يحتاجه الحاج ليتحمل صعوبة السفر ومشقة المناسك، ذلك الزاد هو التقوى، وهي كما فسرها طلق بن حبيب: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله.

فالحج طاعة لله، تحتاج نوراً من الله: وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم  المتمثل بقوله: خذوا عني مناسككم، يحتاج فيها العبد أن يرجو ثواب الله: بالإخلاص له وحده والبعد عن الرياء، وأن يتجنب فيها المعاصي الظاهرة والباطنة ليأمن عقاب الله تعالى.

والله سبحانه بتذكيره للحجاج بالتزود بالتقوى فإنه يذكرهم بسفر الآخرة والزاد الذي يحتاجه العبد في هذا السفر كما قال الشاعر:

إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على ألا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

وزاد الآخرة خير من زاد الدنيا لأن زاد الدنيا يخلصك من عذاب غير مؤكد وزاد الآخرة يخلصك من عذاب متيقن وثانيها : أن زاد الدنيا يخلصك من عذاب مؤقت ، وزاد الآخرة يخلصك من عذاب دائم وثالثها : أن زاد الدنيا يوصلك إلى لذة ممزوجة بالآلام والأسقام والبليات ، وزاد الآخرة يوصلك إلى لذات باقية خالصة عن شوائب المضرة ، آمنة من الانتهاء والزوال ورابعها : أن زاد الدنيا وهي كل ساعة في الإدبار والانقضاء ، وزاد الآخرة يوصلك إلى الآخرة ، وهي كل ساعة في الإقبال والقرب والوصول وخامسها : أن زاد الدنيا يوصلك إلى منصة الشهوة والنفس ، وزاد الآخرة يوصلك إلى عتبة الجلال والقدس ، فثبت بذلك كله أن خير الزاد التقوى.

فالتقوى زاد القلوب والأرواح. منه تقتات. وبه تتقوى وترف وتشرق. وعليه تستند في الوصول والنجاة، ولا يعقل هذه الحقيقة إلا أولو الألباب.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين