خواطر في زمن الثورة (19)

خواطر في زمن الثورة19

الاسلام في الغرب اليوم في زمن الثورة

معركة فكرية ثقافية، دائبة.. لا راحة، ولا هدنة.

 

ما فتئنا وخلال عقود قضيناها في الغرب، في كفاح دؤوب، لا يفتر، من أجل تصحيح ولو قسم ضيق من الرأي العام الغربي من حولِنا، فيما يتعلق بالإسلام، والقضية الفلسطينية، باِعتبارِهما أسّ معركتنا الإعلامية في الغرب.

معركتنا، معركة الجاليات العربية والمسلمة في الغرب، بالفكر، بالثقافة، بالبحث، بالدراسات الأكاديمية، بالفن، بالأدب، في الإعلام –كلما اِستطعنا-، في المحافل الثقافية الخاصة والعامة، في المدارس، في الجامعات، كلّنا .. صغيرنا وكبيرنا، المُتدين وغير المُتدين، المُلتزم وغير المُلتزم، العربي وغير العربي، والمسلم وغير المسلم، وأكثر من ذلك .. حَتَّى بعض السّياسيّين والديبلوماسيين العرب، من رجال الطبقة الحاكمة، لهم دورهم في معركة صناعة الرأي هذه في الغرب فيما يتعلق بالإسلام والمسلمين.

معركة ثقافية فكرية دائبة لا تكل ولا تمل، بدءاً .. بجولات كبرى قادها رجال من طراز إدوارد سعيد(1) ، ومحمد أركون(2) ، وطارق رمضان(3) ، واِنتهاءاً ..بأي شاب صغير يُحاور أصحابه وهو يلعب كرة القدم معهم.

معركة تدور على كلّ الأصعدة والجبهات والمستويات...

ولم أجد أحداً آذى الإسلام في هذه البلاد، وشوَّه صورته، واِنتقص من قيمته .. كأبنائه من المسلميين أنفسهم!

كما هو الحال في ثورتنا، إذ لم نؤت في شيء في هذه الثّورة ، كما أوتينا من أنفسنا...

المشكلة في إنساننا ومجتمعاتنا، ومن هناك يجب أن تبدأ الثّورة، وهناك يجب أن تخاض كلّ المعارك.

 لم يُؤتَ الإسلام في بلاد الغرب، كما أوتي من أصناف المسلمين أنفسهم:

-مُسلم خرج من دينه وبدأ ينفث أحقاده في كلّ مكان حَلّ فيه، حَتَّى أن بعضهم لَيُحَدِّث أصحابه الغربيين، وربما بعض وسائل الإعلام عن أخصّ خصوصيات ناسه وأهله - ممّا لاعلاقة له بالدين أصلاً- في محاولاته اليائسة، كسب رضا القوم عنه ..ولن يرضوا عنه حَتَّى لو اِنسلخ من جلده(4)  فعلاً لا قولاً!

-ومُسلم لا يفهم الإسلام إلا على  أنه جملة من العادات والتقاليد، التي لا تَمُتّ بِصِلَة للإسلام، فينشرها بين الناس بمنظور ال"الظاهرية" العمياء، لا بمنظور الحضارة الغرّاء.

-ومُسلم فَهِمَ الجهاد على أنه ضربٌ وتفجيرٌ وتدميرٌ وثأرٌ واِنتقامٌ وقتلٌ ودماءٌ، اِستطاعت أجهزة الاِستخبارات العربية والإيرانية والغربية اِستدراجه واِستخدامه لخدمة أهدافها، فآذى القوم، وآذى الجهاد، وآذى الإسلام والمسلمين.

-ومسلمٌ لم يستطع الاِرتقاء إلى مستوى أخلاق الإسلام، فَهَبَط إلى مَهاوي السلوكيات غير الأخلاقية، التي تُقَدِّم للآخرين أسوأ الأمثلة عن إسلام مُشَوَّه .. سرقة وغش وكذب وخيانة واٍنخلاع من كثير من أسس الأخلاق.

-ومسلم.."مسؤول"، من نفايات بلادنا الديبلوماسية والثقافية.. يُشَوِّه الإسلام عامداً، لِيَكْسَب تحالُف الغرب، مع أسياده وأولياء أمرِه من المُستبدين المُتَسَلِّطين على العباد والبلاد في منطقتنا المنكوبة بنا.

-ومُسلمٌ بَوَأه الله مكاناً ورِفعة، فاِنْصاع لشهواته، واِرْتكب من المخالفات الأخلاقية، ما يجعل جريمته بحق الإسلام والمسلمين لا تُغتفر !

نحن بشر، و لَكِنَّنَا  لا نُعامَل في بلاد الغرب على أننا بشر ..

نحن هنا -في زمن الاِستعمار، و زمن الثّورة عليه- مخلوقاتٌ موضوعة تحت المجاهِر، مُقيدة، مُنْتَقَدة، مهانة، مستباحةالهُويّة والوجود والكرامة الشخصية والجماعية، يتحرش بها الجميع نفسياً وثقافياً، وعلى كلّ المستويات.

نحن بالنسبة للقوم، طلائع غزوٍ "بشري-ديني"، ترتبط في أذهانهم، بخوفهم العميق من الاِمبراطورية العثمانية العظيمة، وقبل ذلك من دولة الأندلس الرفيعة المكانة والإنجازات .. فكل ما نفعل ونقول، موضع محاسبة دقيقة، واِتّهامات مُتحامِلة عريضة.

واهاً لمن لم يفهم المعضلة على وجهها الصحيح، وبُعداً لمن فهمها ووقع في المحظور.

نحن بشر، ولكننا ننتمي إلى أمة تعيش -اليوم- ثورة كبرى، توازي المحنة الإنسانيّة الكبرى، التي تعانيها بعد سبعين عاماً من حكم المستبدين والمُستَعمِرين..الذين ثبت في هذه الثّورة أنهم لم يغادروها قط!!

7.3.2012

***

ملاحظة: هذه الخواطر، مثبتة بتواريخ كتابتها وتوثيقها، في كتاب "رتقٌ على جراح الذاكرة/خواطر في زمن الثورة" /الكتاب قيد الإعداد للطبع بجزئه الأول

 

 

هوامش:

(1) إدوارد سعيد (1935 - 2003) مفكر وباحث فلسطيني-أمريكي كبير، أستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، الكاتب والناقد والأكاديمي الفلسطيني الأمريكي، تتمحور اهتماماته السياسية والمعرفية حول القضية الفلسطينية والدفاع عن شرعية الثقافة والهوّية الفلسطينية، وعن عدالة هذه القضية وحقوق الشّعب الفلسطيني. كما تتركز اهتماماته والموضوعات التي يتناولها على العلاقة بين القوة والهيمنة الثقافية الغربية من ناحية، وتشكيل رؤية الناس للعالم وللقضايا من ناحية أخرى، من أهم مؤلفاته "الاستشراق" الذي يُعتبر بداية فرع العلم الذى يعرف بدراسات ما بعد الكولونيالية/ المصدر: موقع معرفة. 

 

(2) محمد أركون (1928 - 2010) مفكر وباحث أكاديمي ومؤرخ جزائري-فرنسي .[عمل أستاذا في العديد من الجامعات العالمية.

كان عضوَ مجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية في لندن، وعضوا بالمجلس العلمي للمعهد السويدي بالإسكندرية، وعضوا في العديد من لجان الجوائز الدولية العلمية الثقافية الكبرى. وعمل مديرا علميا لمجلة "أرابيكا" ، ومستشارا علميا لمكتبة الكونغرس بواشنطن].

المصدر: موسوعة الجزيرة.      

[يعتبر محمد أركون ناقدا للعقل الإسلامي، حداثيا جريئا في انتقاده للخطاب الديني من النصوص الدينية وأصول الفقه الإسلامي، يؤمن بالتجديد، اتهمه خصومه بالإلحاد وبالكفر. من المفارقات،  إنّه أمازيغي متخصص في الفكر العربي، درس قيم المسيحية، وتخصص في الفكر الإسلامي].

المصدر: محمد أركون.. أمازيغي كتب للعرب وانتقد العقل الإسلامي/عبد السلام بارودي/ أصوات مغاربية.

[اعتبر عدد من المتخصصين في الفكر الإسلامي والمفكرين الإسلاميين أن نظرية أركون "نقد العقل الإسلامي" تمت بمنهجية غربية، وسعت لنزع الثقة والقدسية عن النص الديني، كما ذهب بعض النقاد إلى أن مشروعه الفكري -في معظمه- لا يعدو أن يكون اجترارا لتجربة الفكر الفرنسي وموقفه من التراث اللاتيني المسيحي الأوروبي.

ورغم إيمانه بما بعد الحداثة وانصهاره في بوتقة الفكر الغربي، فقد شكا أركون بمرارة من نظرة الأوربيين إليه بوصفه مسلما تقليديا.

أهم مؤلفاته: "الفكر العربي" و" الإسلام بين الأمس والغد"].

المصدر: علماء ومفكرون/محمد أركون/ موسوعة الجزيرة.

 

(3) [طارق سعيد رمضان مولود 1962 في جنيف، سويسرا، مفكر -إسلامي- سويسري من أصل مصري].

[عمل كأستاذ متخصص في الفكر الإسلامي في جامعة أوكسفورد البريطانية وجامعة فرايبورغ بألمانيا، تركز اهتمامه في التجديد الإسلامي وبحث قضايا المسلمين في الغرب، و-كان- يعتبر أحد القيادات الإسلامية في أوروبا ومن أكثر الشخصيات المؤثرة فيها].

مستشار وخبير لدى عدة لجان في البرلمان الأوروبي. شارك أيضا في عدة غرف عمل عالمية لديها علاقة بالإلهيات والأخلاقيات، وبالحوار بين الأديان والثقافات و المواضيع الاجتماعية. وكان يشغل منصب مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، ومقره الدوحة/قطر . وهو عضو في الفريق الاستشاري لوزارة الخارجية البريطانية في حرية الدين والمعتقد.

عمل كأستاذ زائر لدى العديد من الجامعات العالمية. وهو عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين].

تُرجمت جُل كتبه إلى العديد من اللغات، ومن أبرزها كتاب "خطورة الأفكار"].

[تم اِختياره ستة مرات ضمن قائمة المفكرين المائة الأكثر  تأثيراً  في العالم، من قبل مجلة فورين بوليسي الأمريكية ومجلة بروسبكت البريطانية].

في أواخر 2017، قامت السلطات الفرنسية -والسويسرية- باِستدعائه للاستجواب على خلفية قضيتيّ اغتصاب تعودان إلى عامي 2009 و2012. وتمّ وضعه قيد التوقيف الاحتياطي، ووجهت له اِتهامات رسمية بذلك. 

*ملاحظات المؤلفة: وقد شنت وسائل الإعلام الغربية والعربية، حملة إعلامية كبرى على الرجل، ركزت على كونه حفيد مؤسس الإخوان المسلمين! قوامها تأكيد "التُّهَم" التي تهافتت عليه من كلّ حدب وصوب منذ 2018، والتي اِعترف ببعضها على أنها "علاقات بالتوافقوليست اِغتصاباً، وما زالت القضية رهن التحقيق وبين يَديّ القضاء.

من الجدير بالذِكر أن التُّهم بالاِغتصاب والتحرش الجنسي، سارية في جميع أنحاء الغرب، وتُستَخدم ضدّ كثير من الرموز الفكرية والأخلاقية والسياسية والاِجتماعية والفنيّة، التي تَسبَح عكس التيار ، مِثل التُّهم التي وُجِهت لمؤسس ويكيليكس جوليان أسانج Julian Assange: "بالتعاون مع العدو، وبمعاداة السامية، وبالتحرش والاغتصاب"، والتي اِضطر بسببها إلى الاِلتجاء إلى السفارة الإيكوادورية في لندن، وبقي فيها سبعة أعوام، أقام خلالها علاقات مع العديد من النساء ومع محاميته وأنجبا طفلتين، وارتكب أ عمّالاً قبيحة جدا داخل مبنى السفارة، اضطرت معها السفارة نفسها في نهاية المطاف إلى السماح لقوى الأمن البريطانية بدخولها واِعتقاله.

لا تتعلق المشكلة الخاصة بطارق رمضان من وجهة نظري الشخصية، فيما قام به -وأغلب الظن عندي أنه قد عقد على بعض هؤلاء النسوة عُرفياً، ولا يستطيع الاِعتراف بذلك لأن تعدد الزوجات أو الأزواج وفق القوانيين الأوربية، مخالفة قانونية قد تصل عقوبتها إلى 15 سنة سجن-، لا نملك إلا الظن بأن الرجل لم يرتكب مُحَرَّماً، وإنما "خرق أخلاقي كبير" بحق نفسه وعائلته وبحق الإسلام والمسلمين، وهو عميد  ومؤسس لكليات ومعاهد تعمل على علم الأخلاق!

ومن جهة ثانية، اِستهتاره  بحرمة حياتة الشخصية، وهو يعيش في الغرب ويعلم -كما يعلم الجميع- قدرة المخابرات الغربية والإعلام الغربي، بالتعاون مع المخابرات العربية، على هدم الرموز ، وتدمير كلّ شيء.

وبانتظار ان نسمع دفاعه عن نفسه، نقول أن ما يمكن لآحاد الناس فعله سراً أو علناً، حراماً أم حلالاً، لا يمكن لرموزهم والمتكلمين باِسمهم، ولا حَتَّى مجرد الاِقتراب منه، حَتَّى لو كان حلالاً خالصاً.

ملاحظة هامة:. نظراً للأهمية البالغة للقضية على المستوى العالمي، ولما ألحقته من أضرار كبرى بالإسلام والمسلمين في أوربا، أسهبت في التبيان والشرح.

المصادر: *فرانس 24+ دوتشيه بيلله+ قناة العربية السعودية+ سكاي نيوز الإماراتية+ ويكيييديا بمراجعها التي تمّ التأكد منها "بي بي سي الإنكليزية وموقع سويسرا إنفو باللغة الإنكليزية"+ موقع أخبار إورونيوز +euronews.

*مصادر المعلومات عن أسانج : كافة وسائل الإعلام الإسبانية ، ومنها للتوثيق ، ما أوردته صحيفتا البانغوارديا و البوبليكو الإسبانيتين :

Julian Assange, detenido en Londres/AFRONTARÁ CARGOS

Ecuador retira el asilo político al periodista/ La Vanguardia/11.4.2019.

El detalle oculto tras la detención de Assange en la embajada de Ecuador en Londres/Público/11.4.2019.

*فيدو بعنوان: طارق رمضان يخرج عن صمته بعد إطلاق سراحه في حوار تلفزيوني حاد حول التهم التي وجهت إليه.

منشور في قناة وسيم رشاد للترجمة /يوتوب/بتاريخ 14.5.2020/ وهذا رابط الفيديو:

https://www.youtube.com/watch?v=bqnLaz6ljZ4&ab_channel=%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%A7%D8%AF%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9

 

(4)  راجع الهامش 677 الخاص بتعريف "محمد أركون" أعلاه.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين