خواطر في زمن الثورة (17)

خواطر في زمن الثورة (17)

نوال السباعي

 

أمنيات لدى هذا الفجر..

أتمنى أن تعود الثّورة إلى مسارها الأول، نَقيّة طاهِرة أخلاقية .. وأن تستعيد عافيتها، بعد أهوال المَجازر والفَظائع... فتُوَحِدنا وتَجمَعنا وتَلُمُّ شتاتنا من جديد.

أتمنى أن نقوم من عثرة ألم الشعور بالعجز .. وأن نقف على أقدامنا من جديد، نُصلِح ما أخطأنا فيه وما فرّطْنا، ونتابع الطريق على هدى وبصيرة.

أتمنى أن نوقف حملات الهَمز واللَّمز والتنابذ بالألقاب، و تبادل الاِتهامات والتخوين والاِستهتار بأعمال الآخرين.. و أن نكفُّ عن نصب "المحاكم الشّعبية الإنترنيتية" لبعضنا البعض..

 أتمنى أن ينتهي تسَلُّط وتنَمُر بعضنا على بعضنا، و هذا التفتيش القبيح في نيّات رفاق الدرب .. وأن نتخلص من شهوة قمع الآخرين الذين هُم "مِنّا"، والرغبة في كسرهِم ورؤيتهم أشلاء ممزقة.

أتمنى أن نتخلص من الاِستبداد الفكري والديني والسّياسيّ و..النفسي، الذي نمارسه على بعضنا البعض .. من كلّ الأطراف والاِنتماءات والتوجهات.

أتمنى أن نَبْذُل أقصى الجُهد كي لا نكون مثل جلادينا .. حَتَّى لا نكتشف كلّما نظرنا في مرآة ضمائرنا، أننا كُنّا وما زلنا .. نُشبِههم، في قسوتهم وتوحشهم وسقوط أخلاقهم وإنسانيتهم!

أتمنى أن لا يضطرنا الأذى إلى الأذى، ولا البطش إلى البطش، ولا الاِنحراف إلى الاِنحراف.

 

***

 

أتمنى أن نستطيع الاِرتقاء إلى مستوى ما تتطلبه مِنّا المِحنة، من اِلتزامٍ وصِدقٍ وعَدلٍ ..حتى نتمكن من الاِضطلاع بمُلابساتِها وتحويلها إلى مِنحةٍ في حاضر بلادنا ومستقبلها.

أتمنى أن نفهم أن الظلم الاجتماعي المُستشري فيما بيننا، في حضن الأسرة والنادي والمدرسة والسوق والمسجد ..لهو أعظم من الظلم السّياسيّ الذي لم يتمكن  مِنّا إلا بسببٍ من هذا الاِنهدام الأخلاقي في الأنفس. 

 أتمنى أن نتعلم أدب الحوار، وأخلاق الثّوار الكبار، ومباديء وأمهات الأخلاق، التي نكتشف ساعة فساعة، أننا وفي ظلّ عهد الاِستبداد والاِستلاب، أصبحنا نفتقر إليها أكثر من اِفتقارنا إلى الحرية نفسها.

أتمنى أن نفهم ماذا يعني اِستلاب "الإسلام" واِختطافه وتغريبه في حياتنا وبلادنا .. لأن سلخ هُويّة الشّعوب، هي عملية خطيرة موجِعة مُهلِكة .. أخطر على الشّعوب والأمم من الاِستعمار والاِستبداد مُجتَمِعَيْن.

لم تقم لهما قائمة في بلادنا إلا باِستلاب هذه الهوية.

 

***

 

أتمنى أن نتعلم كيف نقرأ لنفهم ونتعلم ونرتقي .. لا أن نبقى سجناء قراءاتنا بِنِيّاتنا وأمراضِنا!

أتمنى أن نَتَمَكّن من خِدمَة الثّورة بِصِمْتٍ .. فلا نقول إلا خيراً...

أتمنى أن نتمكن من رؤية نصف الكأس الفارغة ونبذل جهداً لِمَلْئِها .. ونعرف ونشكر "نِعمة" أن يكون نصفها الآخر ملآناً!

 

***

 

أتمنى أن نفهم ..أن الأحزان الرنانة، ليست آلاماً حقيقية، تترك في النفس طاقة للبناء والقيامة واِستئناف المسير.

 أتمنى أن نترك عنّا أخلاق الجاهليات التي توارثناها وعشناها ونعاني منها .. وأن نُدرِك أن الثّورة تعني أول ما تعني، الثّورة على النفس ..التي لم نؤت إلا منها.

 أتمنى أن نستطيع الثَّبات على الحَقّ ولو كان كلّمة .. وأن يرزقنا الله القدرة على رؤية الحَقّ حقاً، فلا يلتبس في أهوائنا بالباطل، ولا تحملنا المحنة على العودة للاِستكانة للباطل ..فنَخسر ونُؤذي ونَهدِم ونَردِم بأيدينا الطريق التي عبَّدْناها بالدّم والألم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين