خواطر على هامش الربيع العربي : السياسة والأخلاق
د.أحمد محمد كنعان
.. والعلاقة بين الأخلاق والسياسة علاقة ملتبسة ، فالأخلاقي يرى أن السياسي ينبغي أن يتحلى بالأخلاق الفاضلة البريئة من المصالح الشخصية ، ويرفض الأخلاقي بشدة أن تكون الأخلاق مادة مطّاطة تتمدد وتنكمش حسب الطلب ، أما السياسي فهو يمارس سياسته بمنطق المصلحة لا بمنطق الأخلاق ، ولذلك فهو لايتورع عن استخدام أحطّ الوسائل في سبيل تحقيق مصالحه ، حتى بات مصطلح "السياسي" يطلق على الشخص الانتهازي البارع في الوصول إلى غاياته بالمكر والحيلة واللف والدروان ، ومن أجل أن يغطي السياسي على أفعاله غير الأخلاقية نراه يتفنن في تحسين صورته أمام الآخرين ، كما كان يفعل مثلاً الزعيم النازي "أدولف هتلر" الذي أشاع بين أتباعه أنه ينام وتحت وسادته كتاب (الأخلاق) لأرسطو ، في محاولة خبيثة من هتلر ليوهم أتباعه أن كل ما يرتكبه من جرائم هي أفعال أخلاقية مبررة !
ويعرف كل من له علاقة بالسياسة والسياسيين أن معظم هؤلاء ـ إن لم نقل كلهم ـ ينامون وتحت وسائدهم ليس كتاب "الأخلاق" لأرسطو بل كتاب "الأمير" للفيلسوف السياسي الانتهازي "مكيافيلي" الذي تلخصه عبارته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" وهي تعني تنكر السياسي لجميع الفضائل والأعراف الأخلاقية ، وتبرير أحطّ الوسائل لتحقيق الغايات السياسية !
ولعل من أطرف تناقضات السياسة ـ وما أكثرها ـ أن كل السياسيين بلا استثناء يشتمون هذا المبدأ المكيافيللي ظاهراً لكنهم يمارسونه عملياً ليلاً ونهاراً دون أن يرفّ لهم جفن ، وربما لهذا السبب ينجح السياسيون بتحقيق مطامعهم السياسية نجاحاً باهراً ، بينما يفشل الأخلاقيون فشلاً ذريعاً ، وقد لخص مكيافيلي نفسه هذه الحقيقة تلخيصاً بليغاً حين قال : "إن جميع الأنبياء المزودين بالسلاح ينجحون ، والأنبياء العزل يخفقون" وهو بطبيعة الحال يعني السياسيين المسلحين بسلاح المكر والحيلة والخديعة ، الذين من أول يوم يجلسون فيه على "الكرسي" يعطون ضميرهم إجازة مفتوحة !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين