خطورة نشر الأخبار المكذوبة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع

 

مقدمة:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد القائل: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"[1]. ورضي الله تعالى عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ونسأل الله العصمة والسداد.

أعزائي القراء والباحثين:

كثر في الآونة الأخيرة نشرُ الأخبار غير الصحيحة والتي لها آثار سلبية -على الفرد والمجتمع- في شتى المجالات، وبناء على ذلك قدمت مشورة للإخوة في مركز إسلامنا للدراسات، فقام الاخوة -جزاهم الله خيراً- بتكليفي بهذا البحث، وأسأل الله التوفيق والقبول إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

المطلب الأول: الخبر الصحيح والخبر المكذوب

تعريف الخبر:

هناك قسم من العلماء لم يفرقوا بين الخبر والحديث[2]، وفي الحقيقة هناك فرق بينهما :

فالخبر أعم من الحديث حيث يصدق على ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء عن غيره. بخلاف الحديث فإنه يختص بالنبي، فكل حديث خبر وليس كل خبر حديثاً.

وسنمضي في تعريف الخبر على اصطلاح المحدثين فنقول:

1-الخبر الصحيح: (هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة).

القيد الأول: اتصال السند: وعلى هذا خرج الخبر المعلق الذي ليس مسنداً إلى صاحب الرواية، وكذلك الخبر المنقطع، أو المبهم أو الذي فيه مجاهيل كأبي فلان وفلان، دون ذكر الاسم الصحيح الصريح فعند ذلك يتوقف فيه ولا ينشر مطلقاً.

القيد الثاني: العدالة: أن يكون ناقل الخبر معروفاً بالعدالة والصلاح بين الناس، ولم يجرب عليه شيء من خوارم المروءة، وهي تختلف من زمان لآخر...فمثلاً: كاللعب بالحمام وارتياد أماكن اللهو واللعب كدور السينما والغناء، والتبول في قارعة الطريق، وحلق اللحية، أو أن يكون حلاقاً أو حجاماً...وغير ذلك من المهن غير الشريفة. وبناء على ذلك لا يقبل خبر الفاسق (المجاهر بالمعصية) ولا الصبي الصغير ولا المجنون.

القيد الثالث: الضبط: هو أن يروي الخبر كما سمعه، أي أن يكون ناقل الخبر متيقظاً غير منفعل، ومن صفات الضابط: أن يتمتع بذاكرة جيدة بحيث لا ينسى ولا يسهو ولا يحرف ولا يبدل أثناء نقل الخبر وهذا ما يسمى لدى العلماء بالضبط، ولذلك اشترطوا ورود الخبر من أكثر من شخص في المشهور واشترطوا الجمع الكبير في المتواتر.

فإذا توفر في الشخص هذا الركنان (العدالة والضبط) فخبره يقبل وهو حجة، ويطلق عليه في اصطلاح المحدثين (الثقة).

القيد الرابع: عدم الشذوذ: أي لا يخالف ناقل الخبر في روايته رواية غيره من الثقات الأثبات، فإن خالف من هو أوثق منه كانت روايته شاذة ولا تقبل.

القيد الأخير: عدم العلة: هناك أمور خفية تمنع من قبول الرواية والخبر تسمى في اصطلاح المحدثين (العلل). والعلة في اللغة المرض. ومن أنواع العلل: أن لا يعرف الخبر إلا من شخص واحد أو الاضطراب والتردد في نقل الخبر أو الانقطاع الباطن غير الظاهر... وغير ذلك[3].

2-الخبر المكذوب: ويسمى في اصطلاح المحدثين (الموضوع):

وهو الخبر المختلق المصنوع الذي ينسب إلى شخص كذباً وافتراءً على أنه من كلامه وليس من كلامه.

ويختص الموضوع في علم الحديث: بما نسب إلى النبي كذباً وافتراءً. وهذا النوع هو شر أنواع الحديث وأشدها خطراً على الدين وأهله.

 

المطلب الثاني: وسائل محاربة الأخبار الكاذبة:

 

1-البحث في أحوال نقلة الأخبار وسيرتهم وسلوكهم من حيث العدالة والضبط..

2-التحذير من الكذابين وفضحهم، والإعلان بكذبهم على رؤوس الخلائق.

3-عدم قبول أي خبر من غير إسناد ومعرفة رجال الاسناد وعدم جهالتهم

4-المقارنة والموازنة وعرض الخبر على الأخبار الأخرى قبل اعتماده.

5-وضع ضوابط ومعايير دقيقة وواضحة لقبول الخبر وتوثيقه.

6-وضع أبحاث ومصنفات في هذا الشأن وتثقيف الناس في هذا المجال[4].

7-اتباع قواعد التوثيق المعاصرة كتسجيل الصوت أو الصورة أو الفيديو وغيرها...

8-التحذير من تداول الإشاعات الكاذبة قبل التأكد منها وسأفرد لها فقرة مستقلة إن شاء الله لأهميتها وخطورتها.

 

المطلب الثالث: الآثار السلبية للأخبار المكذوبة على الفرد والمجتمع:

أولاً: الآثار السلبية للأخبار المكذوبة على الفرد: 

هناك العديد من الآثار السلبية للأخبار المكذوبة على الفرد منها:

1-الترويع: وهو القلق والاضطراب والرعب والخوف: الذي قد يؤدي إلى زيادة الاضطرابات النفسية والعصبية في المستقبل. وفي المصطلح الشرعي يسمى (الترويع) ولا يحل لمسلم أن يروع مسلماً[5].

2-اعتياد الناس على تناقل الأخبار غير الصحيحة يشكل خطراً كبيراً على ثقافة الأفراد حيث يتم تشويه بعض المفاهيم ونشر العقائد الباطلة، التي قد يظنها الشخص جزءاً من عقيدته ولكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك.

3-احجام كثير من الناس عن طلب العلم ومجالسة العلماء ظناً منهم أن لديهم ثقافة جيدة من خلال متابعة بعض الأخبار على الانترنت وغير من القنوات الفضائية، وهذا ستكون نتائجه كارثية في المستقبل.

4-دعوة الناس بعضهم بعضاً لنشر هذه الأخبار غير الصحيحة بعبارة : (أرسل هذا لعشرة أو عشرين وإلا فإنك ستصاب بمصيبة أو يحل بك البلاء) وغير ذلك من الخرافات التي لا أساس لها من الصحة. وربما يكون الحديث المدعو إلى نشره موضوعاً فيدخل في دائرة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يدري.

 

ثانياً: الآثار السلبية لنشر الأخبار المكذوبة على المجتمع:

1-نشر الإشاعات الكاذبة التي تفت من عزيمة المجاهدين: كالحصار، والاقتحام والإغارة من قبل العدو، وغير ذلك من الأخبار التي يبثها المنافقون هنا وهناك فهذه الأمور يجب الانتباه لها ومحاربتها ومحاربة من يدعو إليها وتعزيره.

2-تشويه صورة المجاهدين أمام الناس وإطلاق التعميمات غير الصحيحة كقولهم: (كل، وجميع) أفراد هذه المجموعات سارقين، وهذا يدخل اليأس في قلوب الناس ويدفعهم إلى الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة وتأييدها.

3-إثقال كاهل المجتمع بزرع أفكار وثقافات ومناهج غير صحيحة، وإشغال طلاب العلم -عن واجبهم الدعوي- بالرد عليها وتفنيدها.

4- جعل المجتمع رهينة بيد أعداء الإسلام يتلاعبون به كيفما أرادوا من خلال نشر ما يريدون من أخبار وترويجها بين عامة المسلمين. وهذا يعني أن يصبح المجتمع المسلم بلا مبادئ دينية قويمة ويصبح دينه هو ما تلقاه من الشرق أو الغرب.

إلى غير ذلك من المخاطر التي تؤدي في نهايتها إلى محو هوية هذه الأمة المسلمة وتشويه دينها ومنهجها الوسطي المعتدل. قال تعالى: [وكذلك جعلناكم أمة وسطاً][6].

 

المطلب الرابع: خطورة نشر الإشاعات في أوقات الأزمات:

تعريف الإشاعة:

 هي كل قضية أو عبارة نوعية أو موضوعية مقدمة للتصديق، تتناقل من شخص إلى شخص، عادةً بالكلمة المنطوقة، وذلك دون أنْ تتوفر فيها المعايير الصحيحة لنقل الخبر.

خطورتها:

إن خطر الإشاعة ظاهر وبين في كل زمان ومكان، إذ إنها قد تودي بأرواح العشرات في ساعة واحدة. فالشائعات لها خطورتها في زعزعة أمن الناس واستقرارهم، وهي تحدث الفوضى والبلبلة في أفكار الناس وتفقدهم توازنهم، ولها أضرار كبيرة، وفي أوقات الأزمات تكون أضرار الإشاعة أكبر، والمرجفون الذين يستغلون الظروف غير الاعتيادية غالباً ما يسوقونها ويروجونها بين الناس.

وبرأيي الشخصي من أشد أخطارها أنها تزيد في تفرق المسلمين وتوقد نار العداوة والبغضاء بينهم.

وسائل محاربة الإشاعة ودحضها:

1-تحذير الناقل للإشاعة من عاقبة القول بلا علم وأنه سوف يسأل عن ذلك في الآخرة، قال تعالى: [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا][7].

2-تذكير الناقل بالعاقبة المتحصلة إذا كانت الإشاعة كذباً.

3-عدم التعجل في قبول الإشاعة دون استفهام أو اعتراض.

4-عدم ترديد الإشاعة أمام الناس؛ لأن في ذلك انتشار لها.

5-اقتفاء سير الإشاعة وتتبع مسارها للوصول إلى مطلقيها ومحاسبتهم وتعزيرهم .

6-أفضل طريق لإماتتة الإشاعة الإعراض عنها: يقول الإمام مسلم رحمه الله: "الإعراض عن القول المطّرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله، وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيهاً للجُهّال عليه".

7-حفظ الألسن عن اتهام المسلم البريء بما ليس فيه[8].  

 

الخاتمة والتوصيات:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبتوفيقه تدرك الغايات....

نحمده تعالى أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله...

لا يسعني إلا في نهاية هذا البحث إلا أن  أدعو جميع الإخوة -وأخص بالذكر العاملين في المجال الإعلامي- إلى التثبت من الأخبار قبل نقلها وإشاعتها، وكذلك التثبت من المعلومات والمصادر من أهل الاختصاص، والبحث عن صحة المعلومة في شتى المجالات العلمية والدينية والثقافية والمعرفية. وإن التثبت في الدين هو الأهم؛ لأنه به يصلح حال الناس في الدنيا والآخرة. كما وأوصي إخوتي الباحثين في مركز الدراسات بمتابعة البحث في هذا الموضوع الهام وإشباعه بالبحث والدراسة فكل فقرة منه بحاجة إلى بحث مستقل، وجزاهم الله عنا خير وأجزل لهم الأجر والمثوبة .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


[1]أخرجه البخاري ومسلم

[2] الحديث النبوي

[3] ينظر: منهج النقد في علوم الحديث

[4] ينظر منهج النقد

[5] أخرجه أبو داود

[6] البقرة: 143

[7] الإسراء: 36

[8] ينظر: حرمة المسلم على المسلم، ماهر ياسين الفحل

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين