إنّ طريق نهضة أمّتنا شاقّ وطويل، ودونه موانع وحواجز وعوائق جسام..
وأمّتنا اليوم تمرّ ومنذ عقود طويلة بل ربّما قرون عديدة في نفق مظلم، اشتدّت ظلمته مع الزّمن، عبر تراكمات من الجهل المركّب وطول الأمد في البعد عن جوهر الدّين ومقاصده، وانسلاخ الأخلاق عن مرتكزاتها، وهيمنة بعض التّقاليد والعادات البالية على ما تبقّى من خيريّة مجتمعات القرون الأولى في فهم الإسلام عقيدةً ومنهج حياة، كلّ ذلك فضلاً عن أنظمة جائرة ظالمة تعسّفيّة حالت بين المصلحين ودعاة الحرّيّة والتّنوير من علمائنا ومفكّرينا وذوي الإختصاصات المتميّزة، وبين شعوبها، لكي تبقى تحت نير التّبعيّة والجهل والفقر المفتن واللّهث وراء لقمة العيش المضني...
كلّ ذلك حفّزه وأجّجه بل دبّر له إلى حدّ بعيد، ولا أقول حصراً، أعداءٌ كثر من الدّاخل ومن الخارج، مكروا مكر اللّيل والنّهار، ليفرغوا هذه الرّسالة الرّبّانيّة من مضمونها ويحوّلوها تراثاً يتغنّى به بعض المنهزمون ابتداءً والمتباكون الحيارى على ذاكرة التّاريخ، بانتظار انتخاب رئيس أميركي "رحيم" أو قرار مجلس أمن "عقيم"...
وحول الموضوع أُلّفت وتُؤلّف الكتب والأبحاث، فتشخيص المرض سهل لشدّة ظهوره وبيانه ووضوح معالمه، وكثرت الأقلام والمحاضرات حوله، فأصاب معظمها ولو بطريقة خبط عشواء تفتقر إلى الموضوعيّة والبحثيّة العلميّة، ولكنّ المعضلة الكأداء تكمن غالباً في الطّرق والوسائل الواقعيّة التّطبيقيّة المراعية لخصوصيّات العصر ومكوّناته للخروج من هذا النّفق الشّديد الظّلمة...
الطّريق شاقٌّ إذاً وطويل؟
نعم، ولكنّه ليس مستحيل!
بناءً على ما تقدّم، وعلى قاعدة أنّه لا يمكن تصوّر أيّ إمكانيّة لنهضة أمّة تستورد غذاءها ودواءها وسلاحها ومناهج تربية أبنائها والخبرة في استخراج وإنتاج مصادر الطّاقة لديها، أمّةٌ تحت المجهر المرئي والمسموع لطرق إتصالاتها وتحرّكات وحوارات أفرادها، ...وغيرها ما لا يتّسع المجال لذكره...
أطرح فيما يلي رؤية ذاتيّة لإصلاحات أساس أرى أن لا غنىً عنها لتدارك المزيد من السّقوط العمودي لأمّتنا، وبالتّوازي البدء في مسيرة نهضة متأنّية وفق مخطّطات علميّة ومراكز بحوثيّة للوصول إلى:
1)وضع برامج تربويّة لإنشاء أجيال حرّة مستقلّة بانتماءاتها، راسخة هويّتها، نفضت عن كاهلها رواسب الغزو الفكري ومخلّفات الحضارات المستوردة والغريبة عن ديننا وقيَمِنا وحضارتنا...
2)الاكتفاء الغذائي عبر برنامج زراعي شامل يستغلّ الموارد المائيّة والتربة الخصبة لمنتج وافر وصحّي..
3)تأمين الموادّ الأوليّة لإنتاج الصّناعات الإستراتيجيّة الضّروريّة وفق حاجيّات تحدّد ذاتيّاً، وكذا بالنّسبة للدّواء..
4)العمل على تصنيع السّلاح الدّفاعي النوعي و"الذكي"، وليس الكميّ أو ما يُسمّى بسلاح الدّمار الشّامل، وحتّى لا ندخل في فخّ سباق التسلّح العبثي...
5)امتلاك الخبرة في استخراج وإنتاج مصادر الطّاقة وتنويعها..
6)العمل على الخروج من دائرة عولمة الاتصالات والاقتصاد، والاستقلاليّة في وسائل الاتّصال وأنظمة إقتصاد المال الّتي ترتبط وتعتمد عضويّاً على النّظام الرّبويّ المدمّر للبلاد والعباد..
وللوصول إلى البدء فيما ذكرناه آنفاً كلّ على حدة، لا بدّ من مخطّط شموليّ منهجيّ لا بدّ من عرضه على فرقاء من الباحثين ذوي الكفاءات والصّلة..
قد يقول قائل "هذه مثاليّة مستحيلة الّتحقيق في عصر تكالبت علينا فيه أعتى الأمم وأشرسها، والّتي أصبحت الهوة بيننا وبينها هائلة ومخيفة"،
فعلى ذلك أردّ قائلاً:
ليكن حسبنا الله قلباً وقالباً، عليه نتوكّل وبه نستعين، ثمّ نُعمِل عقولنا بما أوتينا وحسب طاقاتنا ووُسع أنفسنا، ثمّ نباشر بالأخذ بالأسباب...
عندها لا شكّ لديّ أنّ الله جلّ جلاله وتباركت أسماؤه وتعالت صفاته، سيغيّر حالنا إلى أحسن، ليس وفق ما خطّطنا له، بل إلى الأحسن والأفضل، فهو يتولّى عباده المؤمنين ويخلق ما يشاء، إنّه وليّ الأمر والتّدبير، عليه نتوكّل وإليه المصير..
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول