حول معنى النصر والفتح والحسنيين في القرآن الكريم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده

وبعد:

يقع لبس أحيانا بين الناس في التفريق بين بعض المصطلحات القرآنية فينقلون معنى كلمة استعملها القرآن الكريم لغيرها مخالفين أصل الوضع اللغوي لكل واحدة منهما وغير آبهين لمقتضى السياق والعطف في استخدامهما ولذلك رأينا وجوب التنبيه لذلك في هذه العجالة المختصرة

***

أولا: ما الفرق بين النصر والفتح؟

قال تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح)

 يقول الفخر الرازي

"ما الفرق بين النصر والفتح حتى عطف الفتح على النصر ؟

الجواب من وجوه :

أحدها : النصر هو الإعانة على تحصيل المطلوب، والفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان متعلقا، وظاهر أن النصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر وعطف الفتح عليه .

وثانيها : يحتمل أن يقال : النصر كمال الدين، والفتح الإقبال الدنيوي الذي هو تمام النعمة، ونظير هذه الآية قوله : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) [ المائدة : 3 ]

وثالثها : النصر هو الظفر في الدنيا على المنى، والفتح بالجنة، كما قال : (وفتحت أبوابها) [ الزمر : 73 ] وأظهر الأقوال في النصر أنه الغلبة على قريش أو على جميع العرب" .

والرأي الأول أرجح وأقوى من غيره فقد انتصر المسلمون في بدر مثلا ولكن لم يكن هنالك فتح لمكة في تلك الوقعة، وأما في يوم فتح مكة فقد اجتمع النصر والفتح وهذا هو المقصود الأعظم والفرحة الكبرى للمسلمين.

 

ثانيا: صور النصر ومقتضياته

للنصر صور ومقتضيات كثيرة منها ما جاء في قوله  تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)

الصياصي : الحصون كما في الطبري.

من صور النصر كما حددته الآيات السابقة:

1 فشل العدو في تحقيق أهدافه الاستراتيجية

2 انسحابه من المعركة

3 خسارة حلفائه لمواقعهم وحصونهم

4 فقدان الأرض والديار والأموال

5 هلاك نفوس الأعداء بين قتيل وأسير

 

ثالثا: معنى الحسنيين بين النصر والشهادة

قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52).

 جاء في الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل)، يا محمد، لهؤلاء المنافقين الذين وصفتُ لك صفتهم وبينت لك أمرهم: هل تنتظرون بنا إلا إحدى الخَلَّتين اللتين هما أحسن من غيرهما إما ظفرًا بالعدو وفتحًا لنا بِغَلَبَتِناهم, ففيها الأجر والغنيمة والسلامة = وإما قتلا من عدوِّنا لنا, ففيه الشهادة، والفوز بالجنة، والنجاة من النار. وكلتاهما مما نُحبُّ ولا نكره".

فالشهادة إحدى الحسنيين ولكنها ليست نصرا بالمعنى الحقيقي لأن النصر هو النيل من العدو .. ومن اعتبرها نصرا فهو من باب المجاز والتوسع في الكلام إلحاقا لها بالنصر الحقيقي طالما جمع الله بينهما في لفظ الحسنيين..

 

(تنبيه)

القائد الناجح هو من يحقق الله النصر على يديه بأقل تكلفة، وأما من أورد المسلمين المهالك مدعيا أن كثرة الشهداء والدمار الذي يصيب المسلمين هو نصر الله الذي وعدهم فهذا مخادع يلبس على الناس دينهم ويجب أن يعزل ويحاسب لسوء خطته وتفريطه بأموال المسلمين ودمائهم.

والله الهادي إلى صراط مستقيم


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين