حول عبارة: صححه الألباني ومنهجه في الحكم على الحديث‎

نص الاستشارة :

 

 

أحب أن أسأل عن عبارة أسمعها كثيراً يقولون ( صححه الألباني ) وغالباً من يستشهد بهذا لا أسمع منه ورد في صحيح مسلم أو البخاري ، فما العمل الذي عمله الشيخ الألباني على الأحاديث ؟ وهل يغني صحيحه عن الكتب الخمسة ؟ 
وهل يتضارب هذا مع ما قد تعلمته بالضرورة من أنه لا يجوز تصحيح المتأخرين !!

الاجابة

الشيخ الألباني لم يكن مجرد مشتغل بالحديث ، بل كان من رؤوس مدرسة لها مناهج خاصة ، ازداد انتشارها في العقود والسنوات الأخيرة ، تلك المناهج أثرت على العقلية الحديثية بخاصة وعلى التفكير العلمي بعامة في العصر الحديث .
والذي يهم في الجواب عن السؤال تحديداً أمران :

1- تلك المناهج لا ترى تقليد المذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة ( مع تباين واضح بين أهل تلك المناهج فمنهم من يجيز التقليد للعامة أو المبتدئين ، ومنهم من يسميه اتباعاً ، ...... ويوجد من الغلاة في النهاية من يعتبر الأئمة من الطواغيت - والعياذ بالله - ) ليس القصد الدخول في هذا ، لكن للتنبيه على أن التمذهب إجمالاً عند تلك المناهج ليس بصواب ، وأنه لا بد من اتباع الدليل ، فكيف يتوصل إلى الدليل ؟
كان على أهل تلك المناهج البحث عن الأدلة (من الحديث خاصة ، علماً أن الحديث هو أحد الأدلة وليس كلها) وصحتها وضعفها ودلالتها بأنفسهم طالما أن التمذهب غير سائغ وهذا الأمر مما يعجز العامة عنه لأنه يتطلب علماً واسعاً ودراية لا قبل لهم بها .
لذا كتب الشيخ الألباني كتباً كثيرة أورد فيها تلك الأدلة لكن بمنظاره هو ، وبنى عليها آراءه الفقهية وتلقف أتباعه ذلك عنه فكانوا فيه معه كالمقلدين مع المذاهب بلا فرق أبداً . 
أتباع المذاهب ليس لهم إشكال مع الأحاديث تزول به طمأنينة قلوبهم في دينهم لأنهم يعتقدون أن مدرستهم الفقهية قد بنت الحكم الذي ذهبت إليه على ما صح عندها من الحديث ، وأن علماءها قد أجابوا عن الأحاديث التي يخالفها مذهبهم وأن ماذهبوا إليه حق ويحتمل الخطأ وأن ماذهبت إليه المدرسة الفقهية الأخرى خطأ ويحتمل أن يكون حقاً ، ومهما بلغ التعصب بأتباع المذاهب فهم معترفون بالمذهب الآخر ..
أما المناهج الحديثة فأصحابها في قلق ديني لأن الواحد منهم يعتقد أنه يجب أن يعمل بحق مطلق لا يحتمل دخول الخطأ عليه ! لذلك يتعصب لما يراه تعصباً يجعل من خالفه في ضلال أو ابتداع لا في مجرد خطأ .
من ثمار القلق : السؤال عن كل مسألة ما دليلها ؟ وكأن أهل العلم (أقصد الأئمة الأربعة من السلف لا المشايخ الذين يراهم الناس) غير مؤتمنين على تعليم الأمة دينها ! فإذا عَلِم الدليل ، بقي قلقاً فسأل ما صحة هذا الحديث ؟! وهو لا يدري شروط الصحة ما هي ولا كيف يحكم بها ، لكن يجزئ عنده أن تقول : (صححه الألباني) !

2- الشيخ الألباني يرى أنه لا بد من البدء أولاً في العمل الإسلامي من (التصفية) و(التربية) يقول الشيخ الألباني : 
" وأعني بالتصفية : تقديم الإسلام على الشباب المسلم مصفىًّ من كل ما دخل فيه على مِّر هذه القرون والسنين الطوال ؛ من العقائد ومن الخرافات ومن البدع والضلالات ، ومن ذلك ما دخل فيه من أحاديث غير صحيحة قد تكون موضوعة ، فلا بد من تحقيق هذه التصفية ؛ لأنه بغيرها لا مجال أبداً لتحقيق أمنية هؤلاء المسلمين ، الذين نعتبرهم من المصطفين المختارين في العالم الإسلامي الواسع .
فالتصفية هذه إنما يراد بها تقديم العلاج الذي هو الإسلام ، الذي عالج ما يشبه هذه المشكلة ، حينما كان العرب أذلاء وكانوا من فارس والروم والحبشة من جهة ، وكانوا يعبدون غير الله تبارك وتعالى من جهة أخرى " إذن : دخل في قوله (أحاديث غير صحيحة) الأحاديث الضعيفة التي لا يمكن عدها موضوعة مكذوبة بل هي أحاديث رواتها لم تنطبق عليهم الشروط الصارمة للحديث الصحيح .. بل يدخل في مفهوم كلامه الحديث الحسن (ورغم أن هذه مؤاخذة لفظية ، ولا أظنه يريد ذلك ، فلا نقف عندها ) .
رأي الشيخ الألباني في المسألة مخالف لما درج عليه أئمة المسلمين سلفاً وخلفاً .... 
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله :
" أهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل فيروونها عن كل ، وإنما يتشددون في أحاديث الأحكام "...
وقال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله : " إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والأحكام تشددنا وانتقدنا الرجال ، واذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب والمباحات والدعوات تساهلنا في الأسانيد" . 
وقال الإمام أحمد بن حنبل : " إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد ; وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد " 
ورغم أن ابن تيمية رحمه الله قد ضيَّق المقصود من كلام هؤلاء الأئمة وأنه لا يبنى عليه استحباب إلا أنه جوَّز ذكر تلك الأحاديث في الترغيب والترهيب والترجية والتخويف .
بناءاً على نظرية التصفية قام الشيخ الألباني بتقسيم السنن الأربعة وغيرها مثل (صحيح أبي داود) و(ضعيف أبي داود) .... وهكذا ، وفي هذا تحكّم فتصحيحه وتضعيفه اجتهاد منه لا يجوز أن تُلزم الأمة بتقليده وقد كان الشيخ رحمه الله طول عمره ينهى عن (التقليد) !
وبسبب هذه النظرية دخل على أتباعها قلق ديني في التعامل مع كتب الإسلام في الحديث والتفسير والفقه والأصول والتصوف واللغة ! وساء ظن كثير من عوامهم بأجلاء الأمة من الأئمة ! 
لذلك لم يكن لأولئك بد من الاقتصار على تراث الشيخ الألباني الذي كان يسعى لغربلة التراث الإسلامي كله ... لكن بغرباله الخاص الذي لا يوافقه على مواصفاته إلا أتباعه ....

والله تعالى أعلم

 

للاطلاع على كلام الدكتور صلاح الدين الإدلبي بعنوان : عمل الشيخ الألباني في الدراية الحديثية الرجاء اضغط هنا


التعليقات