حول رجم الزاني المحصن والفيديو الأخير

 

منذ عرض فيديو الرجم الذي بث على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الآن وأنا أتصفح التعليقات عليه وأرى ردود الأفعال حوله ، وعرفت مدى المصيبة التي نعيش فيها، إذ نحن بين مطرقة جهل المسلمين بدينهم وتأثرهم بالقيم الغربية الزائفة للإنسانية ، وسندان جهل الذين يريدون تطبيق حدود الله تعالى، ولذلك -وكالعادة - فإني سأتكلم حول هذا الموضوع بنقاط للاختصار:

1- حد الرجم ثابت بالنصوص القطعية، فأحاديثه متواترة تواترا معنويا، والإجماع قائم عليه، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فدعوى النسخ والتضارب والتعارض والتضعيف ولوي النصوص عن محلها مردودة بعمل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماعهم على ذلك.

2- اختلف العلماء في إقامة الحد في الحروب :

أحدهما: أنه يجب إقامة الحد ولو في الحرب ولكن يحبس المحكوم حتى تنتهي الحرب ثم يحاكم ليقام عليه الحد وهو قول الحنايلة كما في المغني: (وَتُقَامُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى النَّاسِ لاَ يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ جَيْشٍ وَلاَ سَرِيَّةٍ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا وَهُوَ غَازٍ حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلاً لِئَلاَّ يَلْحَقَهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ، فَيَلْحَقَ، بِالْكُفَّارِ.

والثاني: يقام عليه الحد فَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، لأَِنَّ إِقَامَةَ الْحُدُودِ فَرْضٌ كَالصَّلاَةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَلاَ تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

والثالث: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلَوْ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لاَ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، والحديث غريب.

كما أن الحنفية قالوا بعدم جواز إقامة الحدود في دار البغي.

ولكن ما ينبغي لفت النظر إليه في هذه الأقوال الثلاثة أنها قيلت وللمسلمين دولة وخلافة وجيش وقضاة علماء ثقات معروفون وإمكانية التثبت من الفعل ممكنة والقدر على إدارك الجاني حاصلة وولاية الحاكم مبسوطة لا كما هو الحال في بلاد الشام اليوم ولا كما هو حاصل بهذا الفيديو الغريب، فلا ندري من هو القاضي وكيف أخذت البينات ولا من هي الجهة التنفيذية، ثم ما هذا التبسيط والإسراع في إقامة حد وإزهاق نفس دون موجباته الشرعية.

3- إن الإسلام يتشوف لتوبة العاصي والتستر عليه أكثر من إقامة الحد عليه، وفي الأحاديث التي وردت عن الغامدية وماعز وغيرهما نجد نبي الرحمة يلقن المعترف والمقر بالزنى ما يوحي تعليمه الرجوع عن الإقرار رحمة به ولأن حالة الإقرار والندم الذي هو فيه دليل صدق توبته وصلاح حاله، ومن المعلوم أن ماعزا لما وجد مس الحجارة عليه - كما في رواية جابر في السنن - طلب أن يردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الناس بقوا يضربوه حتى مات رضي الله عنه، فلما علم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فهلا تركتموه وجئتموني به)، وذلك ليتثبت منه لعله رجع عن إقراره لا ليترك إقامة الحد عليه.

4 - إن لإقامة الحد آدابا وأحكاما وهذا الفيدو المعروض خالف هذه الأحكام والآداب:

منها: أن يحضره جماعة من الناس ولكنهم بعرض هذا الفيديو رآه العالم كله برهم وفاجرهم وفضحوا المرأة وأهلها .

ومنها أن يتجنب في الرجم ضرب الوجه لشرفه ويكون في مقاتل من الجسم ولكننا رأينا في الفيديو تشفيا في ضرب وجه المرأة وبحجارة كبيرة وحماس انتقامي.

ثم إن كان إقامة الحد عن بينة فتربط المرأة أما إن كان إقامة الحد عن إقرار فلا تربط ولا يحاط بها لعلها ترجع عن إقرارها، فكيف أثبت هؤلاء الزنى عليها، هل بالشهود الأربع - وهذا أقرب للمستحيل - أم بالإقرار، ولماذا ربطت؟

5- الذي يقوم بالرجم جماعة من المؤمنين فلم تم اقتصار الرجم على أهل المرأة وذويها؟ ، ولعل الجواب هو العادات القبلية والعشائرية المتعارف عليها في الريف عموما من أن المرأة غذا زنت فينبغي على أهلها غسيل العار فيقوم أبوها أو أحد أخوتها بقتلها بأنفسهم كي لا تنزل مكانتهم بين العشائر والقبائل وهذه عادات جاهلية وإن هذا التصرف الحاصل يشكك في مصداقية البينة التي قام عليها الحكم ومخالفة للشريعة ولأحكام الحدود ويمكنني القول بأنه عمل وافق هوى أناس لا يخافون الله في دماء المسلمين.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: أين الجاني الرجل الذي قام بجريمة الزنا لماذا لم يعرض على الناس إقامة الحد عليه كما عرضت هذه المرأة، أم هي الأعراف الجاهلية التي تقيم الحد على الضعيف وتترك القوي؟!

6- إن إقامة الحد مغفرة للذنب ومنقبة للعبد خاصة إن كان إقامته عن إقرار من الزاني فعندما رجمت المرأة الغامدية أراد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليها فَقَالَ لَهُ عمر: تصلي عَلَيْهَا يَا نَبِي الله وَقد زنت؟ ! فَقَالَ (لي) : يَا عمر، لقد تابت تَوْبَة لَو قسمت بَين سبعين من أهل الْمَدِينَة لوسعتهم، وَهل وجدت تَوْبَة أفضل من أَن جَادَتْ بِنَفسِهَا إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ؟)

فنسأل الله أن يتغمدها برحمته ويرفع درجتها .

وأخيرا أقول لمن تكلم في الحدود وكتبوا الشبهات في ثبوته:

 

إن إلقاء الشبهة حول قضية ما أمر سهل ولا يحتاج إلى عناء كبير، يكفي أن أكتب ثلاثة أسطر وفيها من الاقتطاع والتشويه من النصوص وتحكيم العقل المجرد في النصوص لأجعل المئات من الناس والمستندين للعقل في تحليل القضايا أن يضيعوا أوقاتهم لأشهر في الرد والتجاذب وضياع الوقت والانشغال عن الأهم والألزم، كما أن الرد على ثلاثة أسطر قد يحتاج مني إلى ثلاثين صفحة لأفندها وهيهات لهؤلاء الذين وقعوا فريسة الشبهة أن يقرأوها

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين