حول تعدّد الزوجات في الإسلام (12)

السؤال:

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: لماذا يُسمح بتعدّد الزوجات في الإسلام؟ أليس في ذلك إهانةٌ وظلمٌ للمرأةِ وبيتِها وأطفالِها؟

الجواب:

يبني المسلمُ حياتَه على حقيقة كونية كبرى وهي: أنّ الإنسان مخلوق لله في هذا الكون، وقد خلقه فأتقن خلقه {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[ التين:4]، وهو سبحانه أعلم بما يصلح له في نفسه وحياته، وقد شرع له من الأنظمة والشرائع ما يناسب هذه الخلقة ويصلحها.

ومن هذا المنطلق الإيماني: فإنّ المسلم يسلّم أمره لخالقه ويُذعن له، فيتقبّل أحكامه على أنّها كلّها خير له وتصبُّ في مصلحته، وغالبًا ما يُدرك المسلمون الحكمة من التشريع؛ فيهديهم الخالق إليها أو إلى شيء منها.

تعدّد الزوجات قبل الإسلام:

تعدّد الزوجات ليس تشريعًا خاصًّا بالمسلمين، بل هو تشريع قديم قِدَم مؤسسة الزواج، وقد عَرَفته كلّ الأقوام والحضارات والشرائع. والكتبُ الموجودة الآن لدى أتباع الديانات السماوية والوضعية مليئةٌ بالنصوص الدالّة على ذلك، وقد بقي العمل به حتى قام بعض رجال الدين بحظره على أتباعهم في عصور متفاوتة.

أمّا العرب الذين بُعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد كان التعدّد معروفًا عندهم، بل ربما تزوّج الواحد منهم عشرًا من النساء، فجاء الإسلام وقيّد التعدّد بأربع زوجات فقط كحدّ أقصى، واشترط للتعدّد شروطًا كما سيأتي.

تعدّد الزوجات في الإسلام:

الآية التي تدلّ على مشروعية التعدّد هي قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:3].

وهي تتضمّن عددًا من الأحكام:

1- أنّ الزواج بأكثر من امرأة مباح أو مستحبّ وليس واجبًا.

2- أنّ التعدّد مقيّد بعدد، فيجوز الجمع بين زوجتين، أو ثلاث زوجات، أو أربع، وهذا معنى قوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}.

3- أنّ التعدّد مشروط بالعدل، فمن لم يكن قادرًا على العدل بين زوجتيه فإنّه لا يعدّد، وهذا معنى قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.

فالقرآن هو الكتاب المقدّس الوحيد على وجه الأرض الذي يحدّد عدد الزوجات، ويأمر بالاقتصار على زوجة واحدة فقط إذا خِيْفَ عدم العدل.

4- إضافةً إلى تحريم الجمع بين الأختين الوارد في آية أخرى: {وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء: 23]، وتحريم الجمع بين المرأة وعمّتها، أو المرأة وخالتها، الوارد في السنّة: (نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ علَى عَمَّتِهَا، والمَرْأَةُ وخَالَتُهَا) أخرجه البخاري حديث رقم (5110)؛ وهذا النَّهيُ بسبب ما يُفضي إليه الجَمعُ من قَطعِ الأرحامِ القريبةِ نتيجةً لما يقَعُ بين الضرائِرِ من البغضاء والشُّرورِ بسَبَبِ الغَيرةِ.

الحكمة من إباحة تعدد الزوجات:

ذكرنا سابقًا أنّ الله عليم بعباده وبما يصلح أحوالهم، حكيم في شرعه، فما شرعه الله تعالى فيه خير كبير، وحكمة بالغة، ومن الحِكم التي ذكرها العلماء لإباحة التعدد ما يلي:

1- التعدّد خير من الزنا:

حرّم الله الزنا في كلّ الأديان، وشدَّد في تحريمه؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر.

وشرع الزواج؛ لما فيه من فوائد عظيمة، فمن خلاله يحصل تكوين الأسرة السعيدة المترابطة، وإنجاب الأولاد وتربيتهم، وإرواء الغريزة الجنسية، والراحة النفسية والمودّة والرحمة بين الزوجين.

ولا شك أنّ التعدّد مخرج من الوقوع في الزنا بالنسبة للنساء اللاتي لا يجدن رجالاً غير متزوجين، أو للرجال الذين لا يكتفون بزوجة واحدة.

2- أنّ العادة جرت أنّ حال الرجال أقل دائمًا من النّساء:

فالمواليد الذكور أقلّ مناعة من المواليد الإناث؛ ولهذا السبب نجد أنّ عدد الوفيات بين الأطفال الذكور يكون أكثر من عدد الوفيات بين الإناث في فترة الطفولة.

كما أنّ الرجال أكثر تعرّضًا للهلاك من النساء، سواء في الحروب، أو حوادث السيارات أو العمل.

ومتوسط أعمار الرجال أقل من متوسط أعمار النساء.

هذا كلّه يؤدّي إلى نقص عدد الرجال عن عدد النساء، مما يعني بقاء العدد الفائض من النساء من غير زواج، ولذلك أضرار كبيرة على هؤلاء النساء، وعلى المجتمع ككل، كما سيأتي، فكان تشريع التعدّد في الإسلام حلّاً لهذه المشكلة التي تواجه معظم المجتمعات في العالم.

وبنظرة سريعة على دول العالم: سنجد أنّ عدد الإناث يزيد عن عدد الذكور في معظم دول العالم، وربّما بلغ العدد الملايين في بعض الدول، ووفق مسح أجرته شركة (Gallup) الأمريكية نُشر عام 2020، فإنّه يوجد حوالي 29% من النساء غير المتزوجات في العالم، وعند تطبيق هذه النسبة على أحدث البيانات الديمغرافية للأمم المتحدة، فإنّ عدد النساء العزباوات يقدّر بحوالي 1.1 مليار امرأة! وهي نسبة مرتفعة جدًّا( ).

3- اقتران المرأة برجل متزوج أفضل من أن تصبح معرّضة للفتنة:

في حال كان جميع الرجال متزوّجين في البلد التي يفوق فيه عددُ النساء عددَ الرجال؛ فإنّ الخيار الوحيد المتاح للمرأة غير المتزوجة هو: أن تتزوج رجلاً متزوّجًا، وإلّا فإنّها ستبقى دون زوج، وتفقد الـمُعيل والأنيس، وتكون معرّضة للفتنة. والخيار الأوّل هو ما سترضى به العفيفات من أي ملّة أو دين.

بالطبع، فإنّ معظم النساء لن ترضى أن تشاركها امرأة أخرى في زوجها، لكن في الإسلام: عندما تحتّم الضرورة على النساء المسلمات -بحقّ الإيمان- أن يتنازلن ويتحمّلن خسارةً شخصية، في سبيل درء خسارة أكبر وهي ترك بقيّة المسلمات معرّضات للفتنة؛ فإنّهن سيفعلن، ويوافقن على التعدّد.

تناقض المجتمعات غير المسلمة بخصوص هذه المسألة:

من الشائع في المجتمعات الغربية أن يتّخذ الرجل عشيقة أو خليلة، أو يكون له عدد من العلاقات الجنسية غير المشروعة، وفي هذه الحالة تعيش المرأة التي تقبل بأن تكون عشيقة حياةً مشينة غير محترمة وغير مصونة، وليس لها ما للزوجات من حقوق.

وفي الوقت نفسه فإنّ هذا المجتمع نفسه لا يمكن أن يقبل بأن يكون للرجل زوجة ثانية؛ تحظى معه بحياة شريفة تتمتّع فيها بالكرامة في المجتمع، وتعيش حياة آمنة مصونة العرض، مثلها مثل الزوجة الأولى!!

إذن: الحلّ في اتّباع تشريعات الإسلام التي أوجدت المخرج العملي لهذه المشكلة، وهي تشريعات تراعي المصلحة العامّة، وتوازن بين مصلحة الفرد والمجتمع، وتضع سياجًا يحمي من الوقوع في الانحراف وما يترتّب عليه من مصائب وآلام.

والإسلام يختار للمرأة الوضع الشريف، وذلك باللجوء إلى الخيار الأول، ولا يسمح بحال من الأحوال بالخيار الثاني.

في مقابلة لأحد مشاهير الغناء بعد أن أسلم، سأله أحد الصحفيين قائلاً: ما رأيك في الإسلام الذي قَبِلْتَه الآن والذي يسمح للرجل بالزواج من أربع نساء؟ كيف يمكنك تبرير ذلك منطقيًّا؟ كيف تقبل شيئًا كهذا كموسيقيّ غربي مستنير؟

فأجابه بالقول: إنّ سؤالك موجّه لحالتي قبل اعتناقي الإسلام، وكأنك تخاطبني قبله لا بعده، فأنا قبل الإسلام كنت مع العديد من النساء لدرجة أنّني لا أعرف عددهنّ! ولا أعرف إن كان لي أطفال منهنّ! أمّا الآن فقد أصبحت مسلمًا، ومتزوّج من امرأة واحدة، ولا نيّة لي للزواج بامرأة ثانية. وإذا كان الإسلام يسمح للرجل أن يتزوّج حتى أربع نساء، فإنّه يفرض عليه جملة من الواجبات تجاه هؤلاء الزوجات وأولاده منهنّ. أمّا في الغرب فلا توجد مثل هذه المسؤوليّة، وكثيرًا ما يولد الطفل ويعيش دون أن يعرف أباه، أو يعيش الآباء ويموتون دون أن يعرفوا أولادهم!

4- في التعدّد تلبيةُ حاجات الرجل الفطرية:

فمن الرجال مَن تزداد رغبته الجنسية، ولا يكتفي بامرأة واحدة، ولا يصبر على ترك الجماع في فترة حملِ زوجته إن كان سيضرّ بها لاسيما في آخره، أو في فترتي الحيض والنفاس؛ والمعاشرة في هاتين الفترتين محرّمة شرعًا؛ لما فيها من الأضرار التي لا تخفى.

كذلك من الرجال مَن يرغب في الإنجاب حتّى في سن متأخّرة، ومعلوم أنّ قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة: فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستّين من عمره، بل ربّما تعدّى المئة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب، بخلاف المرأة التي تتوقّف في الغالب في سنّ الأربعين أو الخمسين من عمرها.

5- في التعدّد مراعاة لحال بعض النسوة وعلاج لمشكلاتهن:

قد تفقد المرأة معيلها، سواء كانت عانسًا أو مطلّقة أو أرملة، وقد يكون لديها أطفال بحاجة إلى وجود رجل يقوم على تربيتهم والإنفاق عليهم، فخيرٌ لهذه المرأة أن تتزوج من رجل متزوّج يجمع لها بين الإعفاف، والإنفاق عليها، وتربية أولادها إن كان لها أولاد؛ من أن تبقى وحيدة لا معيل لها، أو تجد من يتكفل لها بالنفقة فحسب.

إنّ تشريعات الإسلام عادلة متوازنة: فهي تراعي العدل، وتراعي المصلحة العامة، وتُوازن بينها.

والعدل يقتضي أن تحظى كلّ امرأة تريد الزواج برجل، ومن هنا جاءت تشريعات الإسلام تُبيح للمرأة أن تتزوّج برجل وإن كان متزوجًّا، تنعم معه بالطمأنينة والرعاية، وتُرزق بسببه الأولاد.

وفي ذلك تحقيق مصلحة عامة، وهي أن يسلم المجتمع من مشكلة وجود نساء دون أزواج، وما يترتّب عليه من تبعات أخلاقية واجتماعية واقتصادية.

6- التعدّد يحقق الدرجة الأعلى في كفالة الأيتام:

كفالة الأيتام من أعظم القربات إلى الله تعالى، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى) أخرجه مسلم (2983) والترمذي برقم (1918) وهذا لفظه.

والكفالة نوعان: كفالة اليتيم بالإنفاق عليه وهو في بيت أمّه أو أقاربه، دون أن يكون للكافل دور في تربيته وتعليمه، والنوع الثاني: كفالته بضمّه إلى أسرة كافله بحيث ينفق عليه ويقوم على تربيته وتأديبه حتى يبلغ ويستقلّ، وهذه الكفالة أعلى درجة من سابقتها.

ومن طرق تحقيقها: زواج الرجل بالأرملة وكفالة أولادها كفالة كاملة تجمع بين الإنفاق والتربية والتعليم.

7- التعدّد سبب لتكثير الأمّة:

ومعلوم أنّه لا تحصل الكثرة إلا بالزواج، وتعدّد الزوجات سيؤدّي بلا شكّ إلى كثرة النسل، والذي سيؤدّي إلى تقوية الأمّة ونهضتها، وزيادة قوّتها البشرية، ومن ثَمَّ الاقتصادية والعسكرية وغيرها.

اعتراضان وردّهما:

الاعتراض الأول: قد يعترض البعض ويقول: إنّ في تعدّد الزوجات وجود ضرر على الزوجة الأولى، وربما ينشأ عنه خلافات وعداوات، ولا سبيل إلى منع ذلك إلا بمنع تعدّد الزوجات.

والجواب عن هذا الاعتراض بأمور، من أهمّها:

1- أنّ تعدّد الزوجات مشروع بشروط كما تقدم، وتحقيق هذه الشروط يحدّ من المشاكل الناتجة عنه، فالرجل القادر على التعدّد جسميًّا ونفسيًّا ومادّيًا، وقادر على العدل بين الزوجات؛ لن تحصل في بيته هذه المشكلات، وإن حصلت ففي حدّها الأدنى، ويمكن علاجها وإنهاؤها.

فضلاً عن أنّ المشاكل في الأسرة قد تقع مع وجود زوجة واحدة فقط، وقد لا تقع رغم وجود أكثر من زوجة، وهذا معروف في المجتمعات التي يكثر فيها التعدّد.

2- أنّ ما يحصل للزوجة الأولى من ضرر -لو صح اعتباره ضررًا وشرًّا- مغمور في خير كثير مترتّب على هذا التعدّد، وليس في الحياة شرّ محض ولا خير محض، والمطلوب دائمًا تغليب ما كثر خيره وترجيحه على ما كثر شرّه.

والمرأة العاقلة تتغلب على عاطفتها، وتأخذ الأمور بالحكمة، وتستفيد من الحال الذي آلت إليه لما فيه مصلحتها ومصلحة أسرتها وأولادها.

الاعتراض الثاني: قد يقول البعض: إذا كنتم تبيحون التعدّد للرجل، فلماذا لا تبيحون التعدّد للمرأة؟!

والجواب عن هذا الاعتراض بأمور، من أهمها:

1- أنّ تعدّد الأزواج محرّم في جميع الأديان، وقبيح في كل المجتمعات التي لم تفقد فطرتها، وليس في الإسلام فقط؛ وذلك لأنّه يصادم طبيعتها الجسمية والعقلية والنفسية، ويحطّ من قدرها وكرامتها، ولا يحقّق لها الطمأنينة والاستقرار النفسي والعاطفي المنشود من الزواج وتكوين الأسرة.

إنّ مِنَ الـمُسلَّم به أنّ الرجل يختلف عن المرأة في التكوين الجسمي والنفسي والعاطفي والعقلي، قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، وبالتالي فقد جاءت تشريعات الإسلام لتراعي هذه الفوارق، وتخصّ الرجل ببعض التشريعات التي تتناسب مع شخصيته وخصائصه، وتخصّ المرأة ببعض التشريعات التي تتناسب مع شخصيتها وخصائصها، والتعدّي على ذلك بطلب ما يخصّ الرجال للنساء أو العكس يعني مصادمة الفطرة، والجناية على الرجل والمرأة، بل والمجتمع الذي يعيشون فيه، قال تعالى محذّرًا من هذا السلوك: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].

2- زواج المرأة بأكثر من رجل يعاكس طبيعتها ومكانتها في الأسرة، فالله تعالى قد أعطى الرجل القوامة على المرأة، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، فإذا كان للمرأة أكثر من رجل فمن تطيع منهم؟ وإذا أمرها هذا بأمر وأمرها الآخر بخلافه فماذا تصنع؟ وماذا لو طلب منها أحدهم أن تسافر أو تقيم معه في مكان، وطلب منها الآخر خلاف ذلك؟

3- أنّ وجود أكثر من زوج للمرأة يؤدّي إلى ضياع نسب الأولاد، وعدم معرفة والدهم على وجه التحديد، والجهل بنسبة الأولاد إلى والدهم سيؤدّي إلى ضعف روابط الأبوّة مع الأولاد، وإلى تشتت مسؤولية تربيته بين الرجال! ثم ضياعها، وبالتالي سيؤدّي إلى تفكّك الأسرة وتمزقها.

صحيح أنّ التطورات الحديثة في الحقل العلمي قد جعلت من الممكن تحديد هوية كلٍّ مِن الأمّ والأب عن طريق الفحوص الجينية؛ إلا أنّ الأب الذي لا يلتزم بأبوّته إلا عن طريق المخابر العلمية أبوتُه أبوّةٌ قسريةٌ ومُهينة، لا تنعكس على الابن إلا بجملة من الأمراض والعُقد النفسية.

4- زواج المرأة بأكثر من رجل يؤدّي إلى مشاكل نفسية كثيرة، للمرأة أولاً؛ لأنّ الله خلقها لتكون مع رجل واحد تسكن وتطمئن إليه، ومخالفة هذه الفطرة ستتسبب في شعورها بالخوف والقلق، والضياع والتشتّت.

ثم إنّ هذه المشكلات ستمتدّ إلى أولادها الذين ينشؤون في بيئة غير سليمة؛ بين عدد من الرجال لا يستطيع الواحد منهم تحديد والده من بينهم على وجه التحديد، ولو علم كلّ منهم والده فلن تستطيع عقولهم تفسير وجود أكثر من رجل مع والدتهم. يخبرنا علماء النفس أنّ الأطفال مجهولي الأبوين، أو الأطفال غير الشرعيين للمومسات لا يتمتّعون بحياة طفولية صحية وسعيدة، وتنتابهم صدمات واضطرابات عقلية حادّة، وعادة ما يُقاسون ألوانًا من الشقاء والمعاناة خلال سنوات طفولتهم المبكرة.

5- زواج المرأة بأكثر من رجل يؤدّي إلى مشاكل صحية كثيرة للمرأة ولأزواجها! في حين أنّ الرجل المتزوج من أربع نساء لا يصيبه ولا يصيبهن المرض الناتج عن المعاشرة الجنسية.

فقد أثبت الواقع انتشار الأمراض الجنسية وسرطان الرحم والثدي لدى النساء اللاتي يمارسن الجنس مع عدد كبير من الرجال.

وجاءت دراسة بحثية للجهاز المناعي للمرأة لتؤكد هذا الواقع، وتثبت وجود خلايا مناعية متخصّصة لها "ذاكرة وراثية" تتعرّف على الأجسام التي تدخل جسم المرأة وتحافظ على صفاتها الوراثية، وأنّ هذه الخلايا تعيش مدّة 120 يومًا في الجهاز التناسلي للمرأة، فإذا تغيرت الأجسام الداخلة إلى جسم المرأة كـ "السائل المنوي" قبل انقضاء هذه المدة فسيحدث خلل في جهازها المناعي، ويتسبّب في تعرّضها للأورام السرطانية.

كما أنّ تلك الخلايا المتخصّصة تحتفظ بالمادة الوراثية للسائل المنوي الأول مدة 120 يومًا، وبالتالي إذا حدثت علاقة جنسية قبل انقضاء هذه الفترة ونتج عنها حدوث حمل فإنّ الجنين يحمل جزءًا من الصفات الوراثية لسائل المنوي الأول أيضًا، وهذا يفسّر حكمة الشريعة في تحريم تعدّد الأزواج للمرأة، ويفسّر كذلك حكمة الشريعة في إيجاب العدّة على المرأة التي طلّقها زوجها أو توفي عنها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين