حول الانخراط في الحلف الأمريكي للحرب على الذات قليلا من الاستشراف يا أمة العرب

 

حزب الله قتل من السوريين أكثر من مائة ضعف من الصهيونيين

 

 

كان الاستشراف في زمن خلا بيد الكهنة والمنجمين وضاربي الودع . وفي العصر الحديث يروي العجائبيون أن الكثير من القادة والساسة ونخب المجتمع لا زالوا يؤمنون بطبقات مختلفة من هؤلاء ، وما زال الكثير من مثقفي المجتمعات يقرؤون أبراجهم وما تزال وسائل الإعلام الأكثر حداثة تعطي مساحات واسعة لمستشرفي هذه الأبراج ..

ومع علم كل ذي علم أن الإسلام جاء ليغلق الباب على الكهانة بكل أنواعها ، وليحصر علم الغيب بالحي القيوم القائم على كل نفس بما كسبت ، إلا أن مجتمع المسلمين شأن كل المجتمعات البشرية ظل يتشوف إلى علم الغد وما يمكن أن يكون فيه ..

قال المنجمون للمعتصم وقد عزم على غزوة عمورية في قلب الشتاء إنك لن تفتحها قبل نضج التين والعنب . وخالفهم المعتصم وخرج بغزوته المجيدة وانتصر ، ورد عليهم أبو تمام بقصيدته ..

السيف أصدق أنباء من الكتب ، أي من كتب المنجمين وتخرصاتهم وأكمل :

ستون آلفا كأساد الشرى نضجت ...جلودهمُ قبل نضج التين والعنب

يدرك رمزية التين والعنب من عرف الحكاية . وستون ألف عدد جنود العدو الذين دحرهم المعتصم في تلك الغزوة العظيمة .

وإذا كان ( الاستشراف ) القائم على الكهانة أو على مواقع الأفلاك ، أو النظر في الماء أو تقليب الرمال .. مما يرثي له أولو الأحلام والنهى ؛ فإن الاستشراف في العصر الحديث قد تحول إلى علم وفن يقوم على قواعد علمية ومنطقية استدلالية وحدسية تجعل الإنسان قادرا على توقع المآلات منبنية على المعطيات الواقعة ...

في الموضوع الذي نتحدث فيه لا نظن أن العقلاء المخلصين من أبناء الأمة يختلفون كثيرا في تشخيص خطورة الحركات ( المتطرفة ) التي يؤثر البعض أن يسميها ( إرهابية ) . إنه مما لا يجوز بأي حال الخلط بين الموقف من هذه الجماعات ومن منهجها العقائدي في تكفير المخالف ، ورفض المغاير . ومن رؤيتها الحضارية للدولة والمجتمع بالطريقة الماضوية المنغلقة ، ومن سلوكها وأسلوبها في الجرأة على الأنفس والدماء ؛ وبين ما يدعو إليه الداعي الأمريكي في ظرفه وإطاره ومرافقاته وصيرورته ومآلاته ..

إن الموقف الواضح في رفض هذه المجموعات بكل أبعاد الرفض شيء والانخراط في مشروع أمريكي في حرب ظاهرها الحرب على الإرهاب متمثلا في هؤلاء ، وباطنها الحرب على الإسلام وأهله مبتدئا من هؤلاء شيء آخر . وبوسع المرء دون أن يخل بموقفه المبدئي وبرؤيته السياسية وبانتمائه لعالم الحق والخير والعدل أن يجمع بين الرفضين وأن يصر عليهما ..

بقليل من الاستشراف العلمي الموضوعي السياسي والاجتماعي كان بإمكان قادة الأمة ونخبها الباحثة عن الحق أن تدرك أن الحرب على العراق ، والإطاحة بصدام حسين كان سيؤدي ، أراد ذلك أصحابه أو لم يريدوه ،إلى تسليم العراق ومن ثم المشرق العربي إلى إيران على الطبق الذهبي الذي لم يره أصحاب الرؤية إلا بعد أن سبق السيف العذل !!

 واليوم يستنكر علينا البعض موقفنا هذا بمزدوجتيه الرافضتين للإرهاب : عوده وظله ، برؤيتنا المستشرفة لعواقب الانخراط في هذه الحرب المدمرة للذات ، والتي ستجعل مسلمي المشرق العربي خولا وعبيدا تحت الهيمنة الإيرانية القومية السياسية والدينية المذهبية . 

وقبل تجربة إسقاط دولة العراق وغياب الرؤية الاستراتيجية لمآلاتها كانت هناك تجربة نشوء حزب ما يسمى حزب الله . التجربة البائسة الخطيرة التي غابت عنها الرؤية الاستشرافية ، أو استسهل أصحاب القرار السكوت على شر الشرر حتى أصبح نارا..

ولنذكر هؤلاء المستنكرين لرؤيتنا والمنخرطين في مشروع دمارهم ودمار أمتهم ومحو وجودهم التمرين السياسي حول تجربة ما سمي حزب الله المقاوم والممانع لندرك المخرجات من مدخلاتها ..

فلو تحدث أي مستشرف سياسي ،عن الدور الطائفي المريب الذي يمكن أن يلعبه هذا الحزب الطائفي البغيض وقادته وكوادره ، التي لا تفتأ تتحدث ليلا نهارا وسرا وجهرا عن حصر دورها في حرب المحتل الإسرائيلي وفي بعده المقاوم كيف كان سيستقبل كلام هذا المحذر والمخوف والمتشكك ومنطقه ولاسيما بعد حرب التلميع في 2006 ؟!

وإذا كان الرقم اللامع الشفاف أبلغ من قول جهيزة الذي يقطع قول كل خطيب فتعالوا نطرح التساؤلات التالية ..

أي حرب أطول وأشرس ، ما خاضه هذا الحزب ضد المحتل الصهيوني أو ما خاضه ضد الشعب السوري ؟!

أي عدد من أكبر ،ما قتله هذا الحزب من المحتلين الصهاينة أو ما قتله من السوريين المدنيين الأبرياء بل ما قتله من الأطفال والرضع السوريين بشكل خاص ؟!

لقد كان من الواجب على المتنطحين لقيادة الأمة سياسيا وفكريا في عالمنا العربي أن يدركوا الخطر في مهده ، وأن يصادروه في منبته ، أما وقد سُبقنا في لبنان ، وسُبقنا في العراق وسُبقنا في سورية فإن المرجو ألا نتركهم يسبقونا فيصادروا علينا مخرجات ثورتنا في سورية والعراق التي كلفتنا حتى اليوم مئات الألوف من الشهداء وملايين المشردين والمهجرين ، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين فماذا عن الذين لدغوا مرة بعد مرة بعد مرة بعد مرار ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين