حول الإسراء والمعراج

 

?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ?.. الإسراء: 1.

 

ذكرت حديث الإسراء والمعراج بالأمس، فطافت بالنفس هذه الخطرات: أليس من المفارقات العجيبة أن تهتم الأمة الإسلامية أعظم الاهتمام بالاحتفال بذكرى الليلة العظيمة التي أسرى الله فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ حيث أراه من آياته الكبرى، وتجلى عليه بالنعمة العظمى، وهذا المسجد الأقصى والأرض المباركة حوله وفلسطين المقدسة مهددة كلها بهذه الغارة الشعواء من: مطامع اليهودية، وأضاليل الإمبراطورية البريطانية والحكومة الأمريكية، والمسلمون في بقاع الأرض ينظرون ولا يتحركون، ويقولون ولا يفعلون، وغيرهم جادون ماضون إلى ما يريدون!

 

أوليس من المفارقات العجيبة كذلك أن تستعرض الأمة المسلمة في هذه الليلة كيف أن الله -تبارك وتعالى- رفع فيها نبيها العظيم فوق السموات العُلا، بل إلى حيث جاوز سدرة المنتهى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى. وتقرأ قول الله -تبارك وتعالى: ?وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ?[المنافقون: 8] إلى جانب قول هذا النبي العزيز r: “من أعطى الذلة من نفسه طائعًا غير مكره فليس مني”، وتردد الآية الكريمة: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا?[الأحزاب: 21]، ثم هي بعد ذلك ترضى بالدون من المنازل، وتقنع بالذليل من الأوضاع، وتجيء في أخريات الأمم والشعوب، وتستكين لسلطان الغاصبين والظالمين، وقد وعدها الله أعظم مثوبة المجاهدين؟!

 

أوليس من المفارقات العجيبة -أيضًا- أن تعلم هذه الأمة أن أول آية نزلت في قرآنها ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ?[العلق: 1-5]، وأن الله -تبارك وتعالى- حين أسرى بنبيها صلى الله عليه وسلم وعرج به إنما أراد أن يريه من آياته الكبرى، وأن يطلعه على أسرار الكون ومساتير الوجود، وأن يملأ بالعلم والمعرفة قلبه وعقله؛ حتى يبلغ ذروة الإيمان وذروة العرفان معًا، وأن الله -تبارك وتعالى- أمرها أمرًا جازمًا بالمسير في الأرض والنظر في الكون ?قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ?[يونس: 101]،

 

ثم هي بعد ذلك تقنع بهذه القشور من علم الدنيا وأسرار الدين، وتتخلف عن ركب الأمم المجاهدة في تسخير قوى الطبيعة التي جعلها الله للإنسان من المسخرات ?وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ?[الجاثية: 13]، حتى يتحكم فيها غيرها بحكم القوة المادية، ويسبقها سواها في ميادين المعارف الكونية؟!

 

فيا أمة النبي العظيم عليه الصلاة والسلام، اعتزي وتعلمي وجاهدي، وآمني بالله أعمق الإيمان، وفي ذلك الفوز المبين ?وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ?[التوبة: 105].

 

واللَّهَ نسأل أن يعيدَ لهذه الأمة مجدَها وعزَّها، إنه تعالى أكرمُ مسئول، وأفضل مأمول، وصلَّى الله على سينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

 

 المصدر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية، السنة الأولى، 28رجب 1365ه/ 28يونيو 1946م،العدد (48 )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين