حوار هادئ مع الجفري في الولاء والبراء وموقف الإمام أحمد منه

 

 

شاهدت أحد الدعاة وهو يتحدث عن (الولاء والبراء في الإسلام وموقف الإمام أحمد بن حنبل منه) فرأيته قد حاد عن الصواب وأخطأ فهم الباب ولم يعط البحث حقه وأفنى جل وقته في عرض أول سورة التوبة وإقامة الدليل على أنها لا تدل على مبدأ الولاء والبراء في الإسلام.

وكان ينبغي عليه أن يغتنم الوقت المحدود لتفنيد ما قوي من الأدلة بدل اشتغاله بالرد على ما ضعف منها. 

لقد انتظرت أن أسمع منه تفنيد الاستدلال بهذه الآيات الكريمات: 

قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(التوبة??)

وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى? أَوْلِيَاءَ ? بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ? وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (المائدة??)

وقوله في سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ? أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ? تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ? وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)، وغيرها من الآيات العديدة في هذا المعنى فلم أسمع منه شيئا ذا بال.

بل سعى جهده إلى التفرقة بين الكفر والكافر فأعلن براءته من الكفر دون أن يعلن براءته من الكافر الذي يقوم به الكفر!!

فنسأله: وهل يقوم الوصف بنفسه؟! أم لا بد للوصف من ذات يقوم بها؟ أليس الكفر وصفا(عرضا) لا بد أن يقوم بذات(جوهر)؟ 

هل مرت بك آية في القرآن تقول: إن الله يحب الكافرين ولكنه لا يحب كفرهم؟! هل قرأت آية تقول: إن الله يحب الظالمين وإن كان لا يحب الظلم؟!

حاشا وكلا...

فإن القرآن مليء بتصريح الحق سبحانه أنه لا يحب الظالمين وأنه لا يحب الكافرين والفاسقين. 

هذه التفرقة لا أساس لها من الصحة وقد فهم هذا الداعية كلمات وردت عن بعض الربانيين يبينون( أن النبي عليه السلام ما كان يريد قتل الكافر ولكن كان يريد قتل كفر الكافر بدليل أنه إذا أسلم صار محبوبا مقربا معصوم الدم)على غير وجهها.

ذلك أن الله سبحانه لا يبغض الكافر لذاته ولا لشخصه ولا لجنسيته وعرقه ولونه وإنما يبغضه لما قام به من الكفر فإذا أسلم صار محبوبا لزوال سبب البغض الذي هو الكفر، وقل مثل ذلك في الفسق والظلم، فالكافر والظالم والفاسق محل بغض الله بسبب كفرهم وظلمهم وفسقهم ولكن هذا البغض قد يزول إن زال سببه.

فالكفر علة البغض، من اتصف به أبغضناه، ومن زال عنه هذا الوصف وقام به وصف الإيمان أحببناه.

ولقد استدل على هذه التفرقة بآيات فيها البراءة من العمل بناء على قيام العمل بنفسه وانفكاكه عن العامل غافلا عن الترابط بينهما وناسيا قوله تعالى في سورة الممتحنة: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى? تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ). الآية..(?)

وقوله في سورة التوبة: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ? إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (???).

فهاتان الآيتان تنسفان ما تعلق به من دلالة تلك الآيات المحتملة التي فهمها على غير وجهها.

ولقد بلغني أنه تمادى به الحال حتى إنه صرح أمام حشد كبير من المسلمين بأنه يحب بعض أصناف الكافرين قائلا  بملء فمه: أنا أحب النصارى أنا أحب اليهود!! ثم يؤول ذلك بحبه لهم من حيث هم أناس ومخلوقات من مخلوقات الله وإن كان يبغض كفرهم، فبئس ما قال وساء ما أطلقه من الكلام الذي احتاج لتبريره وتأويله، لقد تجرأ على ما لم يفه به أحد من أئمة الإسلام وآل بيته الأعلام، أليس له في هدي النبي صلى الله عليه وسلم نجاة وعصمة حيث قال: (وإياك وما يعتذر منه)رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي؟ وكيف سولت له نفسه أن يتحرج من إطلاق ما أطلقه الله؟! 

بل كيف سولت له نفسه أن يحب الكافرين الذي نص الله في كتابه بأنه لا يحبهم؟!

لو قال: (أنا أحب الإنسان من حيث هو إنسان ولكني لا أحب الإنسان الذي يتلبس بوصف الكفر) لكان لكلامه وجه، نسأل الله التوفيق.

لقد نص علماء الأصول على أن تعليق الحكم بوصف مشتق  يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق، فإذا طبقنا هذه القاعدة على كلام هذا الداعية وجدنا أنه علق حبه بالنصارى واليهود الكافرين، فيلزم من ذلك أنه محب لكفرهم إذاً - أعيذه بالله من ذلك- .

فإن قلت: هذا لازم لا يلتزمه فقد صرح ببغض الكفر والحمد لله قلت: الحمد لله هو كذلك ولكنه لازم يبطل كلامه وإن لم يلتزمه، فإنه إذا بطل اللازم بطل الملزوم، وليس من شرط لزوم اللازم التزامه فافهم.

هذا، ومما أخطأ به هذا الداعية استدلاله واستئناسه بكلام للإمام أحمد بن حنبل فهمه على غير وجهه تقليدا لغيره واغترارا، وهو قوله: ( والولاية بدعة والبراءة بدعة وهم الذين يقولون نتولى فلاناً ونتبرأ من فلان وهذا القول بدعة فاحذروه)(طبقات الحنابلة).

ولو راجع الكتب بنفسه وتأمل وتأنى لوجد أن الإمام أحمد نفسه قد فسر كلامه ذلك، فيما رواه عنه الخلال في باب ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إسحاق قال: "سألت أبا عبدالله قلت: الشراة يأخذون رجلاً فيقولون له: تبرأ من علي وعثمان وإلا قتلناك، كيف ترى أن يفعل؟ 

قال أبو عبدلله: إذا عذب وضرب فليصر إلى ما أرادوا، والله يعلم منه خلافه.

أخبرنا أحمد بن محمد قال: حدثنا أبو طالب قال: سألت أبا عبدالله عن البراءة بدعة والولاية بدعة والشهادة بدعة؟

قال: البراءة: أن تبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والولاية: أن تتولى بعضاً وتترك بعضاً. والشهادة: أن تشهد على أحد أنه في النار?.

فالولاية والبراءة اللتان هما بدعتان ولاية الروافض والنواصب بعض أصحاب رسول الله عليه السلام وبراءتهم من بعضهم، أما الولاء لأهل الإسلام والبراء من أهل الكفر والضلال فهو من لب الدين ومن أساسه المتين، ولا يجوز أن يحملنا خطأ الغلاة في فهم هذا المبدأ على إلغائه حتى لا نعالج التطرف بمثله والغلو بنظيره والخطأ بالخطأ.

وأختم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب)رواه النسائي. والحمد لله بدءا وختاما.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين