حوار مع فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا

    حوار مع العلامة الشيخ مصطفى الزرقا في حوار مع مجلة "المستقبل الإسلامي" في العدد 66 شوال 1417"

(المصارف الإسلامية)

شاركت (فضيلتكم) في عدد من الهيئات الشرعية في مصارف إسلامية، ما رأيكم عموما في مسيرة المصارف الإسلامية اليوم ؟

- المصارف الإسلامية -على كل حال- وجودها خير من عدمها ، فهي وإن كانت ليست على ما يرام شرعا إلا أنَّ وجودها ضروري وخير من عدمها ، فيكفي أنها تختلف عن المصارف الربويَّة ، فالمصارف الربويَّة تقوم على الإقراض بفائدة ، ولاتمارس التجارة ، على خلاف المصارف الشرعية ، وقد كان المأمول أن تصبح المصارف الشرعية تجارية وليست مجرَّد مصارف ، ولكن القائمين على المصارف الشرعية كلهم - في الأصل- مصرفيون جاؤوا من مصارف ربوية وهم متأثرون في عملهم الإداري بعقلية ربوية، ويطبقون في إدارتهم أفكارا ربوية بينما المصارف الإسلامية تحتاج أن يكون القائمون عليها تجارًا بالدرجة الأولى ، ومصرفيون بالدرجة الثانية .

هل ترون في المصارف الإسلامية أنها تسير – ولو ببطء- نحو الهدف الصحيح المأمول أم إنها في مكانها منذ عشرين عاما ؟

- لا شك أنها متطورة متحركة بسبب تدارك الأخطاء التي نبِّهوا إليها، وكذلك الانتقادات التي وجهت إليهم في الصحف، واستفادوا منها في تحسين الأداء وتطوير العمل حتى وصلوا إلى صورة مقبولة وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من التحسين والتطوير..

(الهيئات الشرعية) 

في نظركم ما هو الدور الذي يجب أن تقوم به الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية ؟ وإلي أيِّ مدى نجحت الهيئات الشرعية في تحقيق هذا الدور المأمول ؟

- يجب على الهيئات الشرعية أن يكون دورها الأساس الحرص على عدم وجود معاملة واحدة لم تمر عليها وتأذن بها ، هذا هو الدور الأساس الذي تؤدَّى به المهمة على الوجه الأكمل ، ولكن للأسف هذا لا يحدث كثيرًا ، فبعض المصارف لا يتقيَّد بأن يكون كل شيء صادر بإذن من الهيئة الشرعية ، وهذا أمر تتفاوت المصارف فيه في الواقع .

في الوقت نفسه هناك بعض الآراء المتضاربة بين الهيئات الشرعية ، ولكن اختلاف هذه الآراء بين الهيئات الشرعية قليل وعلاجه سهل نسبيًا ، ولعل فيه صعوبة تطبيقية وهي أن يكون للهيئات الشرعية التي تمارس الرقابة الشرعية في جميع البنوك الإسلامية في العالم العربي والإسلامي اتحاد أو لقاء سنوي أو كل سنتين على الأقل ، يجتمعون فيه ويتداولون فيما مر على كل منهم ويصلون إلى الراي الموحد، وهو ما لم يتم بعد ، ولكن يجب أن يتم بإذن الله .

(الاقتصاد الإسلامي)

لو انتقلنا إلى الجانب النظري في الدراسات والكتابات في مجال الاقتصاد الإسلامي وإلى أيِّ حد تطورت واستطاعت أن تقدم نظرية أو علاج إسلامي ؟ ما رأيك من الناحية النظرية في الاقتصاد الإسلامي ؟

لاشك أن هناك كتابات كثيرة ، ولا سيما في الموضوعات التي تتداولها جداول الأعمال في المجامع الفقهية ، وهذه المجامع تجتمع سنويا أو كل سنتين ، فالمجمع الدولي التابع لمنظمة العمل الإسلامي يجتمع كل سنتين في دولة لمدة أسبوع ، وأما مجمع الرابطة : فكان يجتمع كل سنة ثم أصبح يجتمع كل سنتين .

وتزدحم جدول أعمال دورات المجامع بموضوعات كثيرة من قضايا الساعة وسواها ويقدَّم فيها بحوث، وترسل عناوين البحوث مسبقًا إلى الأعضاء لكي يتناقشوا ويكتبوا فيها ، ولكن المشكلة تكمن في أن المواضيع المطروحة كثيرة جدًا وقضايا الساعة تزداد دائمًا ، لدرجة أنّه لا يمكن أن يتَّسع لها أسبوع المجمع الذي تعقد فيه الدورة الواحدة ؛ مما لا يعطي مجالا لدراسة الموضوعات وإنضاجها بحثًا ، وهذه هي المشكلة ، وهي تؤدِّي - بالتالي- إلى تراكم قضايا كثيرة ، ولعل علة العلل : أنه لا يوجد مجمع متفرغ وهو الذي تزداد الحاجة إليه وإلى تفرغ علماء ولو في حدود (7 - 10) ويكونون أعضاء متفرغين بشكل كامل مع رئيس لهذا المجمع يجتمعون فيه يوميًّا وبصورة تلقائية وعلى مدى العام ، يتناولون فيه قضايا الساعة المتراكمة الواحدة تلو الأخرى والوصول إلى آراء ناضجة وحلول صحيحة ، ولكن يبدو أن تفريغ مثل هؤلاء العلماء أمر متعذِّر في العالم الإسلامي للمهمة المجمعية ومن هنا يحصل الترقيع .

(مشكلة المجامع المتفرغة)

ولكن مشكلة المجامع المتفرغة أنه قد تقطع العالم عن مجريات الحياة اليومية ؟

-لا ، هو متفرع لهذا الأمور اليومية بمعنى أنه مجتمع ليرى ماذا عن المستجدَّات التي تعرض على المجمع لأنه في اجتماع دائم ، فالعالم في المجمع تأتيه المستجدَّات اليومية قبل غيره ، يعالجها بتُؤدة ووقت وزمن كاف لإنضاجها ، وهذا سهل التطبيق لو أن هناك دولا تتبنى إنشاء تلك المجامع وتولي الإنفاق عليها ورعاية نشاطها العلمي ، واعتبارها مؤسسة ذات عمل دائم ، لكن للأسف أن الدول الإسلامية ليست مستعدة - من الناحية المالية- أن تتحمل نفقات هذا المجمع .

(معالجة فقهية)

ما هي أبرز القضايا المعاصرة اليوم التي ترى أنها لا تزال تحتاج إلى معالجة فقهية ؟ ما هي القضايا التي تحتاج إلى حسم ومعالجة فكرية إسلامية ؟

من أبرز القضايا التي برزت على السطح الآن قضية البطاقة الائتمانية، وقضية الشركات المساهمة وتداول أسهمها والتي لا تتقيَّد باجتناب الإقراض والاقتراض الربوي وهذه القضايا عولجت في الهيئة الشرعية في شركة الراجحي إلى حدٍّ ما، ولكن هناك ملاحظات شائكة حولها تحتاج إلى مزيد من البحث المشترك مع هيئات أخرى لكي تتبلور الآراء الفقهية ، وهناك أيضا نقطة مهمة وهي موضوع معنی (الفورية) في المعاملات، مثل الصرافة والسلم الذي يجب تعجيل البدل في المجلس وإلى أيِّ مدى يمكن أن تمد بحسب ما تقتضيه المعاملات بين المدن وأطراف العالم ، وليس المدن القريبة فقط ، وإذا كان هناك مجال لأن تتوسع الفورية، من مجلس العقد إلى حد آخر لا يتنافى مع معنی الفورية، وهذه القضية بحاجة إلى دراسة متعمقة .

(البيوع بالتقسيط)

انتشرت ظاهرة بيوع التقسيط أو شراء التقسيط وأصبحت تجارة قائمة فقط على التقسيط، وأصبحت تغرى الناس، بماذا تنصح المستهلك العادي ؟

ليس هناك مانع شرعي من بيوع التقسيط ، ولكن أنصح المستهلك أن لا يغتر بالتقسيط ، ويستكثر من الشراء ، لأنه سوف تتراكم عليه الأقساط المتنوعة، ويصبح في مواجهة الأقساط الكثيرة ويقع تحت العجز عن السداد .

كلمة أخيرة؟

أن يحاسب كل إنسان نفسه، وأن تلتزم المصارف الشرعيَّة الخط الشرعي الذي وجدت لأجله ، وإلا.. فقدت مبرِّر وجودها ، فيجب أن لا تحيد عن المنهج الشرعي القويم لكي يظهر لكل ناظر الفرق بين أعمال المصارف الشرعيَّة وأعمال المصارف الربويَّة ، ويلمس ذلك لمس اليد، وأن يحرص الناس أن تكون تعاملاتهم مع المصارف الإسلامية وليس مع غيرها .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين