حوار مع الحاجة عبلة تهامي «شخصية العام» بأستراليا

حوار مع الحاجة عبلة تهامي..

«شخصية العام» بأستراليا

 

حاورها: محمد سرحان

تم اختيار الحاجة عبلة تهامي قادوس شخصية العام على مستوى ولاية New South Wales  في أستراليا كأفضل مواطنة عن فئة كبار السن للعام الجديد 2022م، تقديراً لدورها المجتمعي ومسيرتها الطويلة في العمل التطوعي وخدمة المرأة والمجتمع؛ فهي رئيسة الجمعية الإسلامية لرعاية المرأة.

ويسعدنا أن نسط الضوء على مسيرتها كنموذج للمرأة المسلمة الفاعلة في المجتمعات الغربية: ودورها في ترسيخ الصورة الايجابية للمرأة المسلمة: وأنه بإمكانها العمل والمساهمة في خدمة المجتمعات ما إن امتلكت الارادة وتوفرت لها البيئة المناسبة لذلك فكان لنا هذا الحوار:

بداية: كيف تلقيتم خبر اختيارك كشخصية العام عن ولاية New South Wales , في أستراليا عن فئة كبار السن؟

بلا شك كان أمراً مفاجئاً لي شخصياً ولزميلاتي من النساء والفتيات في الجمعية. نعم هناك حرية متوفرة لنا كأي مواطن خاصة عندما يتبين صدقنا في خدمة المجتمع؛ لكن فكرة اختياري كانت مفاجئة خاصة أنه يتم اختيارك كشخص غير أسترالي الأصل؛ وأيضاً كمسلم؛ وخصوصاً كامرأة وترتدى الحجاب.

كان الاختيار فرحة كبيرة لنا في الجمعية. فأنا وإن كنت رئيسة الجمعية فإنني ممثلة عن كل زميلاتي وبناتي في الجمعية؛ فنحن نعمل بشكل جماعي والفضل في هذه الجهود للجميع..

الحمد لله على مدى حوالي 38 عاماً من العمل التطوعي لم نعمل إلا بما يرضي الله تعالى.

كيف يتم اختيار الفائزين؟

يتقدم مواطنون بتزكية اسم الشخص الذي يرون أن له دوراً واضحاً في خدمة المجتمع؛ ثم تتابع لجنة الاختيار هذه التزكيات وتدرسن ملفات الشخصيات المقترحة وحقيقة دورها البناء وتتقصى عنها للتأكد من سلامة سلوكياتها وخلو سجلاتها من أي نشاط مخالف أو عمل غير قانوني.

هناك 7 ولايات فى أستراليا NSW هي أكبر ولاية وعدد سكانها 8 ملايين: كل ولاية تختار من يمثلها.

وهذا هو اللقب الذى فزت به ومن المقرر أن يتم إعلان الشخصية الفائزة عن أستراليا كلها في 25 يناير 2022 م وهو يوم استراليا الوطني.

لو نرجع للوراء؛ من هي عبلة قادوس؟ وكيف كانت نشأتها؟

اسمي عبلة رأفت تهامي، لكن طبعا في أستراليا تنادى المرأة بلقب زوجها ومن هنا كان اسم «عبلة قادوس».: أما النشأة فكانت في بور فؤاد في مصر أسرة مصرية مكونة من الأب والأم و4 فتيات وولدين: ووالدي بالإضافة إلى عمله؛ كان مدرباً لرياضة التجديف. حتى إنه كوّن أول فريق للفتيات لهذه الرياضة في بورسعيد. وكنت ضمن هذا الفريق واستطعنا الفوز بعدة بطولات على مستوى الجمهورية وقتها وإتقاني للغات سهّل عليّ تعلم الإنجليزية، وفي عام 1968 م سافرت أسرتي إلى أستراليا.

كيف بدأ المشوار في أستراليا؟

كما قلت: إن أسرتي وصلت إلى أستراليا في عام 1968 م ومنذ أن كنا في مصر، ربَّانا والدي على القيم والالتزام الأخلاقي، وكنا مثل كثير من الأسر التقليدية نعرف القيم؛ لكن لم نكن ملتزمين دينياً بالسمت الإسلامي، وبعد الزواج ما إن رزقت بالأبناء كان كل همي هو كيف سأربي الممكن أن أتركهم هكذا ويضيعون مني بمرور الوقت كأن يتحولوا عن الإسلام: بحكم الاختلاف الكبير في العادات والتقاليد والقيم الغربية عن بلادنا ومن هنا قررت التعمق أكثر في القراءة والالتزام حتى أعرف كيف أربي أبنائي تربية صحيحة على الإسلام على الالتزام. حيث توفرت لزوجي فرصة عمل في مجال الصيدلة بالمملكة العربية السعودية. ومع البيئة هناك والعمرة والحج كان الارتباط بالدين أكثر وبعد سنتين عدنا إلى أستراليا فعدت بالحجاب.

وفي هذا الوقت لم يكن حينها الحجاب معروفاً أو مقبولاً في هذه البلاد. وكنت أجد صعوبة في الوظائف في مجالي «المحاسبة» وتمييزاً بسبب حجابي..

والتزاما بحجابي تركت الوظائف؛ وقررت الاتجاه للعمل التطوعي؛ كان هذا في عام 1983م وبدأت مع مجموعة من النساء العربيات في أستراليا العمل على مساعدة النساء المحجبات؛ لكن كان نشاطنا يقتصر على النساء العربيات: وكنا نتعلم الدين أكثر مع بعضنا بعضأ وكنت أستمع للمحاضرات وأعيد توجيهها للسيدات والفتيات باللغة الإنجليزية: ونشطنا كذلك في مدارس السبت والأحد لأبناء المسلمين؛ في كل هذا وجدت دعماً كبيراً من زوجي يرحمه الله تعالى

وشجعني كثيراً على خدمة المسلمات خاصة أن الشيوخ والعلماء لن يكون بمقدورهم متابعة كل مشكلات المرأة المسلمة.

كيف كان بإمكانك تحقيق هذا التوازن بين عملك التطوعي ورعاية أسرتك وخاصة أنكم أمضيتم بعض الوقت في السعودية؟

كنت أتابع العمل بشكل مستمر؛ ومتابعة كافة الأنشطة كآني موجودة في أستراليا عن طريق Skype وفيما يخص الأسرة لم أدخر جهداً في تربية وتأهيل أبنائي بفضل الله تعالى: ثم بفضل زوجي فكان يشجعني؛ ولو انشغلت في خدمة المجتمع كان يطبخ ويذاكر للأولاد. حتى إنهم من المتفوقين: وأحدهم كان الأول على جامعته؛ لا بد أن تعرف أن الإنسان عندما يعمل لخدمة دينه فالله سبحانه يرزقه البركة في نفسه وأهله ويجعله يشعر دائماً بالراحة والطمأنينة حتى وإن تعب بدنيا.

إذاً كيف جاءت فكرة الجمعية الاسلامية لرعاية المرأة؟

خلال عملنا وجدت كثيراً من النساء المسلمات غير العربيات يشكين من عدم وجود رعاية إسلامية وأنشطة تخدم هؤلاء النساء من غير الأصول العربية. فبدأنا كمجموعة من النساء من جنسيات مختلفة ولغات متنوعة؛ في إنشاء مؤسسة تهتم بالجميع ولا تقتصر نشاطاتها على العرب فقط؛ خاصة أن أستراليا فيها أكثر من 40 لغة لمكوناتها من الأصول المختلفة.

وليس الجميع يجيدون الإنجليزية: فلا بد من وجود مؤسسة تسد هذه الفجوة وتملاً هذا الفراغ في العمل الإسلامي للنساء غير الناطقات بالعربية، فأسسنا الجمعية الإسلامية لرعاية المرأة.

هذه الجمعية تشارك في عضويتها أكثر من 2000 سيدة؛ لجنة الإدارة تتكون من 9 نساء يمثلن أغلب المكونات. وكل سيدة من هؤلاء التسع تعتبر سفيرة لدى الجمعية عن الجالية التي تتبعها تقوم بدعوتهن لأنشطة الجمعية: وتبحث احتياجاتهن: ويعمل معنا عدد كبير من المتطوعات: ونعمل جميعا بروح طيبة: فعندما يجمعنا الإسلام ليس هناك أفضل من ذلك.

ولخدمة كل المكونات جعلنا الدروس الدينية بعدة لغات حسب اللغة الخاصة بكل جالية. فهناك اللغة العربية: والإنجليزية وكذلك الأوردو للنساء من شبه القارة الهندية، ولغة البحاصا لمن هم من ماليزيا وإندونيسيا وهكذا.

ماذا عن الأنشطة؟

أنشطة الجمعية متعددة. كالدروس والمحاضرات الدينية؛ أنشطة إغاثية ومساعدات؛ وأنشطة رياضية؛ حتى إن هناك فرقاً رياضية للفتيات بالجمعية. وأنشطة تحفيظ القرآن ومدارس السبت والأحد. وأنشطة للنساء من كبار السن ورحلات ترفيهية لهن. والاحتفال بالأعياد. إلى جانب المشاركة في أنشطة تقوم بها وتمولها الحكومة؛ بالإضافة إلى حملات التوعية سواء من المدارس أو الجهات الرسمية: حيث نستضيف مسؤولين من هذه الجهات في فعاليات توعوية للنساء بالجمعية. حتى الجانب العائلي سواء الخلاقات التي تحدث بين الزوجة وزوجها أو بين الأم وأبنائها نسعى في حلها كما نستضيف أنشطة للمؤسسات الإسلامية وللشيوخ في الجمعية؛ حتى في التوعية السياسية سواء في الانتخابات أو غيرها نستضيف مسؤولين في هذه الجوانب لتوعية وتأهيل النساء المسلمات: فضلاً عن أنشطة لخدمة المحتاجين.

بعد هذه المسيرة الطويلة من العمل التطوعي الخاص بالنساء في أستراليا بماذا تنصحين المرأة المسلمة في الغرب؟

من أهم الأشياء التأسيس في الصغر على القيم: فهذا يبقى مع الإنسان - حتى وإن تغيرت به الظروف والأحوال؛ ويكون حاضرا في الكبر. فكل ما ربانا عليه أبي وأمي في الصغر من قيم أستحضرها في عملي وأستفيد منها والأنشطة والمشاركة المجتمعية، وتحمل المسؤولية تحت ضغط.

في الغرب الواجب الأول للأسرة هو متابعة أولادهم في التربية؛ واكتشاف ما لديهم من مواهب وقدرات وتنميتها وجعلهم عناصر مفيدة ومشاركة في المجتمع.

لا شيء في بلاد المهجر يعوض العائلة، فالأسر المسلمة كلما كانت مترابطة تمكنت من حماية أبنائها وربطهم بهويتهم ودينهم؛ مع صعوبة ذلك في هذه الدول المختلفة كلياً عن بلادنا والبحث عن الكفاية المادية ليس مبرراً للانشغال عن الأولاد. فإذا تفككت الأسرة وضاعت قيم أبنائنا فما قيمة الكفاية المادية؟!

وأختم بما قلته في وسط الحوار؛ أن المسلم عندما يعمل لخدمة دينه فالله تعالى يرزقه البركة في نفسه وأسرته ويجعله يشعر دائماً بالراحة والطمأنينة.

واجبنا تجاه الدول التي تستضيفنا أن نعيش فيها ونحترم قوانينها ونراقب الله تعالى في جميع معاملاتنا مع المسلمين وغير المسلمين؛ وأن نكون فاعلين في المجتمع.

 

المصدر: مجلة المجتمع الكويتية - العدد 2162 - رييع الآخر1443ه/ ديسمبر 2021م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين