حكم المزاح فيما يخص وباء كورونا

نص الاستشارة :

السلام عليكم انتشر وباء كورونا بين عدد من الدول، مما جعل هذه الدول تفرض الحجر الصحي الطوعي أو الإلزامي، مما نتج عنه الضغط النفسي في طول مدة البقاء بالمنزل، وقد كثرت هذه الأيام على وسائل التواصل الاجتماعي النكات والمزاح فيما يخص فايروس كورونا.. تصلني كل يوم عشرات الرسائل من المزاح فيما يتعلق بالحجر الصحي وانتشار الوباء. فهل هذا جائز وما هو توجيهكم؟ مع شكري على اهتمامكم وأنا من المتابعين لصفحتكم بارك الله بكم.

الاجابة

وعليكم السلام ورحمة الله

الأوبئة والأمراض التي تظهر وتفشو بين الناس آية من آيات قدرة الله تعالى ومظهر من مظاهر قهره، والآية فيها معنى النذارة وتحمل في طياتها إشارات كثيرة، والمؤمن من حاله أنه فَطِن متيقظ، وهذه الآيات إذا رآها المسلم فلا بد أن يستفيد، فيتنبَّه الغافل ويصحو، ويتذكر العاصي فيقلع عن آثامه، ويزداد الطائع طاعة وإنابة لله تعالى.

وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم الحالة التي يجب أن نكون عليها عند وقوع هذه النوازل فيما روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكاً (مبالغا في الضحك) حتى أرى منه لَهَواتِه (اللحمات في سقف أقصى الفم)، إنما كان يبتسم. قالت: وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عُرِف ذلك فى وجهه. فقالت: يا رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَه، عرَفْتُ فى وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: يا عائشة! ما يؤمننى أن يكون فيه عذاب، قد عُذِّب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا} (الأحقاف: 24)) رواه مسلم.

قال الإمام النووي: "في الحديث الاستعداد بالمراقبة لله والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال وحدوث ما يخاف بسببه، وكان خوفه صلى الله عليه وسلم أن يعاقبوا بعصيان العصاة، وفيه تذكر ما يذهل المرء عنه مما وقع للأمم الخالية والتحذير من السير في سبيلهم خشية من وقوع مثل ما أصابهم، وفيه شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم كما وصفه الله تعالى" اهـ.

والاختلال في أنظمة الكون وفسادها وقلة الأمطار والقحط، وانتشار الأمراض والأوبئة سببه ما كسبت أيدي العباد من ذنوب وظلم وتعدي، قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} [الروم:41]. قال ابن كثير في تفسيره: أَيْ: بَانَ النقص في الزروع والثمار بِسَبَبِ الْمَعَاصِي. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَنْ عَصَى اللَّهَ فِي الْأَرْضِ فَقَدْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ صَلَاحَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِالطَّاعَةِ.

أما حكم المزاح فهو مباح، ما لم يكن في شيء من أصول الدين أو في التهكم على قدر الله تعالى ، وبعض الناس تكونت لديهم فكرة أن الدين يحرم على الإنسان الضحك والمزاح والمداعبة، ويفرض عليهم الجد والصرامة في كل أحوالهم، مع أن الأمر خلاف ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم – برغم همومه الكثيرة والمتنوعة – يمزح ولا يقول إلا حقًا، ويحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية، يشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم، كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم.

وقد ذكر الدكتور: يوسف القرضاوي خمسة ضوابط شرعية يجب أن تراعي في المزاح، أنقلها هنا باختصار:

1) ألا يكون الكذب والاختلاق أداة الإضحاك للناس، وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يمزح ولا يقول إلا حقًا.

2) ألا يشتمل على تحقير لإنسان آخر، أو استهزاء به وسخرية منه.

3) ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم.

4) ألا يهزل في موضع الجد، ولا يضحك في مجال يستوجب البكاء، فلكل شيء أوانه، ولكل أمر مكانه، ولكل مقام مقال. والحكمة وضع الشيء في موضعه المناسب. وقد عاب الله تعالى على المشركين أنهم كانوا يضحكون عند سماع القرآن وكان أولى بهم أن يبكوا، فقال تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُون (59) وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُون (60)} [سورة النجم].

5) أن يكون ذلك بقدر معقول، وفي حدود الاعتدال والتوازن، الذي تقبله الفطرة السليمة، ويرضاه العقل الرشيد، ويلائم المجتمع الإيجابي العامل، والإسلام يكره الغلو والإسراف في كل شيء، ولو في العبادة، ولهذا كان التوجيه النبوي: ما رواه أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القَلْبَ» [أخرجه أحمد والترمذي].  فالمنهي عنه هو الإكثار والمبالغة.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم قال: والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه، أو الإفراط فيه، لأنه يذهب الوقار. والله أعلم.


التعليقات