حكم التمثيل بقتلى النظام؟

نص الاستشارة :

يلجأ بعض المجاهدين إلى قطع رأس من قتله (وربما مثَّل به بطريقة أخرى) وربما يصور  فعله هذا(فيديو) بقصد أن يرهب عدوه، فهل هذا الفعل يدخل في باب المثلة المحرمة؟ أم له وجه جواز في الثورة؟

الاجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن والاه، وبعد:

فقد قال تعالى:[وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ] {النحل:126}  وروي في سبب نزولها عن أبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد، قُتل من الأنصار ستون رجلاً، ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لَنُرْبِيَنَّ عليهم، فلما كان يوم الفتح قال رجل: لا تُعرف قريش بعد اليوم، فنادى مناد: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن الأسود والأبيض إلا فلاناً وفلاناً -ناساً سماهم-فأنزل الله تبارك وتعالى: [وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا.... ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصبر ولا نعاقب»([1]) .

وقال الشعبي وابن جُرَيْج: نزلت في قول المسلمين يوم أحد فيمن مثل بهم: لنمثلن بهم([2]).

والتمثيل أو المُثلة: هي تغيير صورة الإنسان أو تقبيحه، كرض رأسه، أو قطع أذنه، أو جدع أنفه، أو سَمْل عينيه، أو بقر بطنه، أو غير ذلك من أفعال تمس بجسده.

وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى التفريق في حكم التمثيل بين حالتين([3]):

الحالة الأولى: بعد القدرة على العدو والتمكن منه والظفر به،  فقال الحنفية والمالكية عندئذ بحرمة المُثلة بالإنسان حيًّا أو ميتًا، سواء كان ذلك بِقَطْعِ أَطْرَافِهِمْ، أوَ قَلْعِ أَعْيُنِهِمْ، أوَ بَقْرِ بُطُونِهِمْ، أو قطع رؤوسهم، وأما الشافعية والحنابلة فقالوا بالكراهة.

وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَواه عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه  قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ»([4])، وَبِمَا رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  فِي سَرِيَّةٍ فَقَالَ: «سِيرُوا بِاسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ وَلا تُمَثِّلُوا»([5]).

والكفُّ عن المُثلة داخل في خلق الإحسان الذي دعا إليه الإسلام في كل شيء، فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِنْ قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»([6]).

وعَنْ عَبْدِ الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ»([7]).

هذا في حال لم يثبت عليهم أنهم مثَّلُوا بالمسلمين، أمَّا إن فعلوا ذلك فذهب الشافعية والباجي من المالكية: إلى أن العدو إذا مثَّل بالمسلمين مُثِّل به، معاملةً له بالمِثْل([8]).

وأما الحالة الثانية: فهي قبل القدرة على العدو والتمكن منه، فعندئذ لا يحرم التمثيل بهم، كحرقهم بالنار، أو رميهم بما يمزق أجسادهم، أو غير ذلك، لما فيه من نكايتهم والإيقاع بهم وكسر شوكتهم.

 


([1]) أخرجه أحمد في مسنده 5/135؛ والترمذي في التفسير: 5/299 برقم 3129 وقال: هذا حديث حسن غريب؛ والنسائي في السنن الكبرى 1/392؛ وابن حبان في صحيحه 2/239 برقم 487؛ والحاكم في المستدرك: 2/391 برقم 3368 وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وذكره ابن كثير في تفسيره 4/614؛ وأشار الحافظ ابن حجر إلى هذه الرواية وقال في الفتح (7 / 372): "وهذه طرق يقوي بعضها بعضا".

([2]) تفسير ابن كثير 4/614.

([3]) انظر: رد المحتار 3/224 ط: إحياء التراث؛ جواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1 / 254 ط: دار الفكر؛ حواشي الشرواني 2/251؛ شرح صحيح مسلم للنووي 4/40 ط: دار الكتاب العربي ـ بيروت ؛ المغني لابن قدامة 9/326 ط: مكتبة القاهرة.

([4]) أخرجه أبو داود 2/120، وقوى إسناده ابن حجر في فتح الباري 7/459.

([5]) أخرجه ابن ماجه 2/953، وحسن إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة 2/122.

([6]) أخرجه مسلم في الصيد والذبائح برقم 1955؛ وأبو داود في الضحايا برقم 2815؛ والترمذي في الديات برقم 1409؛ والنسائي في الضحايا برقم 4405.

([7]) أخرجه أحمد في المسند 1/393 برقم 3729؛ وأبو داود في الجهاد برقم 2666؛ وابن ماجه في الديات برقم 2681؛ وابن حبان في صحيحه 13/335 برقم 5994؛ وذكره الهيثمي في المجمع 6/56 وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

([8]) مغني المحتاج 7/102 ط: البابي الحلبي؛ جواهر الإكليل شرح مختصر خليل 1 / 254 ط: دار الفكر.


التعليقات