حقيقة العيد في الإسلام

عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد للأنصار يومين يلعبون فيهما فقال: (ما هذان اليومان؟ قالوا: يومان كنا نعلب فيهما في الجاهلية، فقال: قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر). – أبي داود /991/وسنن النسائي الصغرى /1544/المستدرك على الصحيح /1027/ -.

فيوم الفطر هو أول يوم يشعر فيه المؤمن بفرحتين عظيمتين لهما الأثر القوي في حياته وقوتها: فرحة القيام بالواجب، واجب الطاعة والامتثال لله، وفرحة الثقة بحسن الجزاء، وفي هاتين الفرحتين يقول عليه الصلاة والسلام: (للصائم فرحتان، فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه). - أخرجه: مسلم رقم: 1151 بعد 163, والحديث عند البخاري في صحيحه رقم: 1904 – 

والقيام بالواجب والإيمان: بحسن الجزاء عاملان قويان في سعادة الفرد والمجتمع، ففي القيام بالواجب طمأنينة النفس وراحة الضمير، وانشراح الصدر، وقوة العزيمة، وإدراك للسمو الروحي الذي يجعل الخير كله في بذل ما وجب، لا لشيء سوى أنه وجب، ولو تنبه الناس إلى ما في القيام بالواجب من هذه المعاني الفاضلة، وعرفوا واجباتهم وبادروا بأدائها وهي منثورة في كل وقت من كل يوم لكان لهم في كل وقت من كل يوم عيد يفرحون فيه للقيام بالواجب.

أما الإيمان بحسن الجزاء: فهو العامل النفسي الوحيد الذي يدفع الإنسان إلى المغامرة والتضحية والجهاد في سبيل المجد، وإلى البذل في كل ما يستطيع غير متردد ولا متشكك في أنه سينال الجزاء الأوفى على ما قدم من عمل أو بذل من نفس أو نفيس، وإذا ما فات الإنسان هذا الجانب من الإيمان ضعفت لديه بواعث الخير وخضع لبواعث الشر أكثر مما يخضع لبواعث الخير، لأنه يرى في الشر يفعله، قهراً لغيره وعزة وسلطاناً لنفسه، دون أن يخشى عقاباً عاجلاً لعزته، ولا آجلاً لعدم إيمانه، ومن هنا كانت الدعوة إلى الإيمان بيوم البعث والجزاء في أول ما دعي إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، وتلك سنة الطبيعة البشرية، فعلى المهيمنين، وعلى المشرعين، وعلى المهذبين أن يقروا عملياً قاعدة الإيمان بحسن الجزاء، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الجزاء الحسن لمن يحسن والجزاء السيء لمن يسيء، وإن خلو القوانين عن مكافأة المحسن واقتصارها على معاقبة المسيء لما يخف وزن الحسنة في النفوس.

وإذا كنا نجد في يوم الفطر التذكير ببناء الإسلام تشريعاً، ونجد فيه لذة القيام بواجب الصوم، ونجد فيه الشعور بلذة العودة إلى الحرية الشخصية، ونجد فيه الإيمان واليقين بحسن الجزاء للمحسنين، فنتخذه لكل ذلك عيداً، فيه نفرح، وفيه نتزاور، وفيه نتهادى، ويه نستريح من عناء الأعمال – فإننا نجد له اعتباراً وراء ذلك كله يضاعف المعنى في عيديته، ذلك أن يوم الفطر هو اليوم الذي يعود فيه الصائم المؤمن من رحلة روحية ميقاتها شهر رمضان، ترك فيها باسم الله مألوفاته ومشتهياته واكتسب فيها خلق المراقبة الذي يجعل له من قلبه وإيمانه الحارس اليقظ والرقيب الذي لا ينام، كما اكتسب فيها خلق الرحمة لعباد الله، وخلق الصبر على الشدائد، وصار بكل ما اكتسب فيها منبع خير لنفسه ولعباد اله، وفي الوقت الذي تختم فيه هذه الرحلة الروحية بيوم الفطر، تبدأ به رحلة أخرى ينضم فيها البدن إلى الروح، ويستعين المؤمن على مشاقها بما اكتسبه في الرحلة الأولى، من أخلاق الصبر والعزم والإيمان، وتلك هي رحلة الحج التي تبدأ من يوم الفطر: [الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى] {البقرة:197}.

إن يوماً تنتهي به رحلة بدنية روحية هي رحلة الحج وزيارة بيت الله الحرام، لجدير أن يكون عيداً وأن يكون عيداً فوق الأعياد.

لهذه الاعتبارات كلها جعل الله يوم الفطر عيداً للمسلمين، فيه يتبادلون التهاني والتزاور وفيه يتعاطفون ويتراحمون، وفيه يتجملون ويتزينون، وفيه يتمتعون بطيبات ما رزق الله، وفيه يوثقون فيما بينهم عرى المحبة والأخاء، ثم لم يقف بهم في معنى العيد ومظاهره عند هذا الجانب المادي بل جعل لهم فيه مظهراً روحياً يتجلى فيه اجتماعهم العام الذي يفتتحون فيه يومهم لأداء صلاة تعرف بصلاة العيد يسبحون فيها ويكبرون، ويتجلى أيضاً في مظاهر العطف على الفقراء والمساكين وأرباب الحاجات ومن هنا يتصل الإنسان بربه عن طريق العبادة، وبالناس عن طريق المحبة والإخاء.

وبذلك لم يكن فرح المسلمين في أعيادهم فرح لهو ولعب تقتحم فيه الحرمات وتنتهك فيه الأعراض، وتشرد فيه العقول بل وتسلب وإنما هو فرح زينة وعبادة يجمع بين حظي الجسم والروح، ويبقى على المعاني الفاضلة التي اكتسبها الإنسان في شهر رمضان وترفعه إلى أسمى ما ينبغي أن تتجه إليه الإنسانية الفاضلة، وأن من الشذوذ الفاضح أن يظن المسلم أن غيره الله على حدوده ومحارمه في رمضان أشد منها في غير رمضان، فيستبيح لنفسه المحرمات، ويتخذها في يوم عيده ومظهر عزته وقوميته عنصراً من عناصر زينته وفرحه.

فقفوا أيها المسلمون عند الحدود وصوموا عن المحارم يكن لكم أعياد في الأرض وأعياد في السماء.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم 

المصدر: مجله: منبر الاسلام السنة العشرون، شوال 1382 - العدد 10

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين