من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم مع أهله ما جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَرْحَباً بِابْنَتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثاً فَضَحِكَتْ؟ فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحاً أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ؟! فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقرآن كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أُرَاهُ إِلاّ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقاً بِي، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، أَوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ؟ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ) رواه البخاريّ في كتاب المناقب برقم /3353/.
ونرى في هذا الحديث الشريف مَا كانت تتمتّع به السيّدةُ فَاطمةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وعن ذرّيّتِها الطاهرة من تكريم عندَ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم وإعزاز، ومنزلة لا تسامى، ونرى فيه كذلك الأبوّة الإنسانيّة المثاليّة في هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم معها، وموقفه منها، وهو الأسوة العظمى للمؤمنين إلى يوم الدين.
ويعلم بلال رضي الله عنه مكانةَ السيّدة فاطمة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عند أبيها صلى الله عليه وسلم، فيحرص عَلى أن يتقرّب إلى الله تعالى بعونها وخدمتها، حتّى ولو تأخّرَ عَن صلاة الصبح مع النبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فيقرّه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، ويدعو له بالرحمة.. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ بِلالاً بَطَّأَ عَنْ صَلاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا حَبَسَكَ فَقَالَ: مَرَرْتُ بِفَاطِمَةَ وَهِيَ تَطْحَنُ، وَالصَّبِيُّ يَبْكِي، فَقُلْتُ لَهَا: إِنْ شِئْتِ كَفَيْتُكِ الرَّحَا، وَكَفَيْتِنِي الصَّبِيَّ، وَإِنْ شِئْتِ كَفَيْتُكِ الصَّبِيَّ، وَكَفَيْتِنِي الرَّحَا؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَرْفَقُ بِابْنِي مِنْكَ، فَذَاكَ حَبَسَنِي قَالَ: فَرَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ) رواه أحمد برقم /12066/.
* وَمنْ المواقف الدالّة على حسن عشْرته صلى الله عليه وسلم لأهله ما جاء في الحديث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ أَبَاهُ سَعْداً رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضْحَكُ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاّتِي كُنَّ عِنْدِي فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي، وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! قُلْنَ: نَعَمْ أَنْتَ أَغْلَظُ وَأَفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكاً فَجًّا إِلاّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة برقم /4410/.
* ومن أروع صور حسن العِشرَة النبويّة ما جاء في الحديث عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِياً، فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا، وَقَالَ: أَلا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْجِزُهُ، وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه مُغْضَباً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنْ الرَّجُلِ؟ قَالَ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّاماً، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَهُمَا قَدْ اصْطَلَحَا، فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلانِي فِي سِلْمِكُمَا، كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا) رواه أبو داود في كتاب الأدب برقم /4347/.
ويبلغُ حُسنُ عِشرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولطفُ مُعاملتِه أقصى ما يتصوّر في مواقف الغيرة التي تكون بين نسائه صلى الله عليه وسلم، ولكنّ ذلك لا يتجاوز العدل بينهنّ، وإنصاف مَن يُساء إليها، أو يعتدى على حقّها.
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ، الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ، حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ) رواه البخاريّ في كتاب النكاح برقم /4824/.
وفي رواية أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " طعام مكان طعام، وإناء مكان إناء ".
وينتصر النبيَّ صلى الله عليه وسلم لصفيّة عندما عيّرتها بعض ضرائرها أنّها بنت يهوديّ، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟ ثُمَّ قَالَ: اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ) رواه الترمذي في كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم /3829/ وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وانظر ما أسمى أدب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في تطييبه لخاطرها، وثنائه على شرف نسبها باتّصاله بهارون وموسى عليهما الصلاة والسلام.!
ونجد أجمل صور حسن عشرة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته، ولطفه وتسَامحه، في معاملته لخادمه أنس بن مالك رضي الله عنه، إذ يقول أَنَسٌ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقاً، فَأَرْسَلَنِي يَوْماً لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ، لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ أَنَسٌ: وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ: هَلاّ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟) رواه مسلم في كتاب الفضائل برقم /4272/.
ويشفق النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وهو الرءوف الرحيم على مغيث، وهو عبد رقيق، إذ يراه يطوف وراء بَرِيرَةَ، يرجوها ألاّ تفارقَه بعدما نالت حرّيّتها، ويتلطّف بها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فيقول لها بحكم إنسانيّته الرفيعة، وما جبل عليه من الرحمة: " لَوْ رَاجَعْتِهِ؟ " وهو يملك بأبي هو وأمّي أن يأمرها أمراً، ولكن يقول لها متواضعاً: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ.. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْداً يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا، يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعبَّاسٍ: يَا عَبَّاسُ! أَلا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثاً؟! فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ رَاجَعْتِهِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ، قَالَتْ: لا حَاجَةَ لِي فِيهِ) رواه البخاريّ في كتاب المناقب برقم /4875/.
* ومن حسن عشرته صلى الله عليه وسلم مع أهله ما جاء في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا، وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: مَا لَكِ؟! أَنَفِسْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ) رواه البخاريّ في كتاب المناقب برقم /5122/.
فانظر إلى لطفه صلى الله عليه وسلم معها، وتخفيفه عنها، وأنّ ذلك أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، ثمّ بيّن لها ما عليها أن تفعله من أحكام حجّها.
* ومن حسن عشرة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأهله: هَجرُه صلى الله عليه وسلم لنسائه عندما طلبن زيادة النفقة: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوساً بِبَابِهِ، لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ: فَأُذِنَ لأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فَدَخَلَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ رضي الله عنه فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ، فَوَجَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِساً، حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَاجِماً سَاكِتاً، قَالَ: فَقَالَ: لأَقُولَنَّ شَيْئاً أُضْحِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى، يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا، فَقَامَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلاهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؟! فَقُلْنَ: وَاللهِ لا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئاً أَبَداً لَيْسَ عِنْدَهُ، ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْراً أَوْ تِسْعاً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ... حتّى بَلَغَ: لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:29].
قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْراً، أُحِبُّ أَنْ لا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ.؟ فَتَلا عَلَيْهَا الآيَةَ، قَالَتْ: أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ.؟ بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ.
قَالَ: (لا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلاّ أَخْبَرْتُهَا، إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتاً وَلا مُتَعَنِّتاً، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً مُيَسِّراً) رواه الإمام مسلم في كتاب الطلاق برقم /2703/.
الحلقة السابقة هـــنا
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول