حُسن التّبعُّل
الشيخ عبد الرحيم فودة
أتت أسماء النبي  وهو بين أصحابه فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله, أنا وافدة النساء إليك, إن الله  بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك. وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم, وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج, وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله , وإن الرجل إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم. أفما نشارككم في هذا الأجر والخير..
فالتفت النبي  إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: (هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟) فقالوا: يا رسول الله, ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي  إليها فقال: (افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله). فانصرفت المرأة وهي تهلل ـ أسد الغابة: جزء 1 - صفحة 1313ـ . حتى وصلت إلى نساء قومها من العرب ، وعرضت عليهن ما قاله لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرحن وآمن جميعهنَّ.
هذا الذي ذكرته أسماء من عمل النساء يدخل في مفهوم حسن التبعل إذ أن التبعل معناه أن تؤدي الزوجة لبعلها حق العبولة والتزوج ، وهو حق كبير تنطوي فيه حقوق كثيرة ، وأهمها طاعته فيما لا يغضب الله كما يفهم من قوله تعالى :[فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ] ثم حفظ ماله وعياله وشرف بيته كما يفهم من قوله تعالى : [حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ] {النساء:34} . فإن معناه أو بعض ما يفهم من معناه أن عليها إذا غاب زوجها أن تحفظ غيبته فلا تتصرف التصرف الذي يغضبه وهو حاضر ، ولا تفرط في حق من حقوقه وهو غائب فقد حفظ الله لهن حقوقهنَّ بما أوجب على أزواجهن من الصداق ، والانفاق ، وحسن العشرة ، وكرم الرعاية والحماية ، وجعل لهن مثل الذي عليهن كما يفهم من قوله تعالى :[ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ] {البقرة:228}  . فإذا كان حق الأزواج عليهن كريماً عظيماً فمرد ذلك إلى أن واجبهم تجاه زوجاتهم كبير عظيم ، ومن ثم يجب على الزوجة أول ما يجب أن تهيئ لزوجها الجو الذي يريحه ويبعث في نفسه الشعور بالسكينة والطمأنينة والمودة كما يفهم من قوله تعالى  :[وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً]{الرُّوم:21} . وقوله جل شأنه :[هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا] {الأعراف:189} . فسكون الرجل إلى امرأته ، و اطمئنانه إليها ، وارتياحه بها ، وانشراحه بالود المتبادل بينه و بينها غاية جليلة جميلة من الزواج ، ومقصد عظيم من مقاصده ، ثم هو المناخ الصالح لإنجاب الذرية ، و تربيتها تربية سليمة سويّة ، ولا شك أن أعظم ما يستريح إليه الزوج من زوجته هو طاعته والانقياد إليه ، كما قال صلى الله عليه وسلم لأسماء : إن حسن تبعل المرأة لزوجها ، وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يجعل ذلك كله ، أي : يساوي ما يقوم به الرجال من أعمال لا يشترك فيها النساء ، ويلتقي مع هذا التوجيه النبوي الرشيد قوله عليه الصلاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. : إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها  الملائكة حتى تصبح ، وقوله صلى الله عليه وسلم : لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها...
ويظهر أثر الوئام بين الزوجين في تنشئة الأبناء والبنات على أسس قوية تعصم من الانقسام والانفصام وازدواج الشخصية ، أما إذا ساد الخلاف أو الشقاق جو الحياة الزوجية ، فإن النشء يتأثر بذلك تأثراً خطيراً يختل به سلوكه ، وتنحل له أخلاقه ، ثم يكون بلاء أو وباء في المجتمع الذي يعيش فيه ، ولهذا يجب أن تذكر المرأة أن في طاعة الزوج ، مصلحتها ومصلحة أولادها ، ومصلحة مجتمعها ، وأنها تقوم بدور خطير كبير ، حين تجعل من بيتها واحة مريحة للزوج،ومدرسة رشيدة للأبناء ، ومؤسسة نافعة في المجتمع . ورحم الله حافظ إبراهيم حين قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها=أعددت شعباً طيب الأعراق
وصدق الله تعالى إذ يقول : [فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ]{النساء:34} .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت...
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر : لواء الإسلام شعبان 1390 ، عدد 12 السنة 24.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين