حرمة المال العام

مقدمة :

 

إن حرمة المال العام أشد من حرمة المال الخاص ، المال العام : هو مال الأمة، مال الدَّولة، المال العام: هو ما تملِكه الدَّولة. هو ملك لجميع المسلمين مرصود لإقامة مصالحهم الدينية والدنيوية. وفي سبيل توفير الخدمات لهم بإشراف الدولة ورعايتها ، ولعظم المصالح المترتبة على حراسته وصيانته من عبث العابثين ونهب الناهبين ، وفظاعة المفاسد المترتبة على تضييعه وتبديده ، لهذا كله وغيره كانت حرمته أشد من حرمة المال الخاص.

 

تعريف المال العام

 

عُرِّف بأنه: "المال المرصد للنفع العام، دون أن يكون مملوكا لشخص معين، أو جهة معينة، كالأموال العائدة إلى بيت مال المسلمين. . "[1]

 

وعُرِّف بأنه: المال الذي استحقه المسلمون بطريقة مشروعة، ولم يتعين مالكه، ويتولى ولي أمر المسلمين -نيابة عنهم- صرفه في مصالحهم العامة

 

أدلة حرمة المال العام من الوحيين

 

وقد دلت الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حرمة الخوض في الأموال العامة،

 

الآيات الواردة في التحذير من التشبع من المال العام «

 

1-قال الله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) سورة البقرة 188،

2- وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) سورة النساء الآية 29

3- ويقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء الآية 58.

4- وقال تعالي :ط وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) يوسف

5-وقال الله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) . سورة القصص الآية 26.

6-ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) سورة المؤمنون الآية 8.

 

الأحاديث الواردة في التحذير من الاعتداء على المال العام

ولذلك حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم -  من الاعتداء والتشبع من المال العام

1- في الصحيح قال: " أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ الغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: " لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ، عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ " وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ أَبِي حَيَّانَ: فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ" صحيح البخاري (4/ 74) 56 - كِتَابُ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابُ الغُلُولِ أخرجه مسلم في الإمارة باب غلظ تحريم الغلول.

2- لِنتأمل هل تستحق عباءة مهما غلا ثمنها أن يمد المرء يده إليها ، ويكون الثمن النار ، فليراجع المرء نفسه ، في صحيح البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ عَلَى ثَقَلِ[2] النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ فِي النَّارِ[3]»، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ: كَرْكَرَةُ يَعْنِي بِفَتْحِ الكَافِ: وَهُوَ مَضْبُوطٌ كَذَا " صحيح البخاري (4/ 74) 56 - كِتَابُ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ بَابُ القَلِيلِ مِنَ الغُلُولِ.

3- حرمة المال العام قليله وكثيره ، فى الصحيح : أخَذَ النبي صلى الله عليه وسلم وَبَرَةً من سَنَامِه فجعلها بين أصابعه السَّبّابة والوُسْطَى، ثم رفعها، فقال: "يا أيها الناس، ليس ليِ من هذا الفيء ولا هذه، إلا الخُمُس، والخُمُسُ مردودٌ عليكم، فرُدُّوا الخياطَ والْمخْيَطَ، فإن الغُلُوِلِ يكونُ على أهله يومَ القيامة عاراً، وناراً وِشَنَاراً"، فَقامِ رِجلَ معه كُبَّةٌ من شَعَر، فقال: إني أَخذتُ هذه أُصلِحُ بها بَرْدعَةَ بعيرٍ لي دبِر، قال: "أمَّا مَا كان ليِ ولبني عبد المطلب فهِوِ لك"، فقال الرجل: يا رسول الله، أمَّا إذْ بَلَغَتْ ما أرى فلا أرَب لي بها، ونبذها. [حكم الألباني] (حسن) انظر حديث رقم: 7883 في صحيح الجامع

4- فى الصحيح : عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» صحيح البخاري (4/ 85) 57 - كِتَابُ فَرْضِ الخُمُسِ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] " (يتخوضون) من الخوض وهو المشي في الماء وتحريكه والمراد هنا التخليط في المال وتحصيله من غير وجهه كيفما أمكن] قال الحافظ ابن حجر: [قوله (يتخوضون في مال الله بغير حق) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل] فتح الباري 6/263.بين هذا الحديث الشريف الصحيح أن النار مصير من يأكل أموال المسلمين العامة بالباطل.

5-فى الصحيح : عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا , فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ"[حكم الألباني] (صحيح) انظر حديث رقم: 6023 في صحيح الجامع . فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ))؛ أي سرقة وحرام؛ لأنه اختلاس من مال الجماعة الذي ينفق في حقوق الضعفاء والفقراء ويرصد للمصالح الكبرى، قال تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (آل عمران: 161).

6-فى الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ، وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَنِعْمَ المَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ» صحيح البخاري (8/ 91) 81 - كِتَابُ الرِّقَاقِ بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهَرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا أخرجه مسلم في الزكاة باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا

وفي رواية : إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ، وَالْيَتِيمَ، وَابْنَ السَّبِيلَ - أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» صحيح مسلم (2/ 728) 12 - كِتَاب الزَّكَاةِ 41 - بَابُ تَخَوُّفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا

7- عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا،- (مخيطا) هو الإبرة] فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: «وَمَا لَكَ؟» قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى»، صحيح مسلم (3/ 1465) 33 - كِتَابُ الْإِمَارَةِ7 - بَابُ تَحْرِيمِ هَدَايَا الْعُمَّالِ

8- عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ " ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي " صحيح البخاري (9/ 28) 90 - كِتَابُ الحِيَلِ بَابُ احْتِيَالِ العَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ ، صحيح مسلم (3/ 1463) 33 - كِتَابُ الْإِمَارَةِ 7 - بَابُ تَحْرِيمِ هَدَايَا الْعُمَّالِ.هنا نموذج للمحاسبة للعمال والموظفين في نهاية مدة الخدمة ،أشبه ما يكون بما يسمي في العصر الحديث بإقرار الذمة المالية.للوقوف على تربح الموظف من وظيفته واستغلاله للمال العام .

9- قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، وَلَمَّا يَبْنِ، وَلَا آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا، وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا، وَلَا آخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا - أَوْ خَلِفَاتٍ - وَهُوَ مُنْتَظِرٌ وِلَادَهَا "، قَالَ: " فَغَزَا فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللهُمَّ، احْبِسْهَا عَلَيَّ شَيْئًا، فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ "، قَالَ: " فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ، فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ، فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَبَايَعُوهُ، فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَبَايَعَتْهُ "، قَالَ: " فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ "، قَالَ: " فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَوَضَعُوهُ فِي الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا، فَطَيَّبَهَا لَنَا " صحيح مسلم (3/ 1366) 32 - كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ 11 - بَابُ تَحْلِيلِ الْغَنَائِمِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً. هنا بيان عظم جرم الاعتداء على المال العام حيث الفضيحة على رؤوس الأشهاد.

 

نماذج  من سير الخلفاء الراشدين فى رعاية المال العام والتورع عنه

1-              الخليفة الصديق رضي الله عنه

كان أبو بكر رضي الله عنه عظيم الورع حذراً في تعامله مع المال العام فلما حضرته الوفاة استدعى ابنته عائشة رضي الله عنها وأوصاها وصيته الأخيرة: "أما والله لقد كنت حريصاً على أن أدخر فيء المسلمين، على أني قد أصبت من اللحم واللبن، فانظري ما كان عندنا فابلغيه عمر".

 

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: وما كان عنده دينار ولا درهم، ما كان إلا خادماً ولقحة، فأرسلتهما عائشة بعد موته وتشييعه إلى عمر رضي الله عنه. فقال عمر: لقد أتعب أبو بكر من بعده تعباً شديداً"[4]

 

2-              الفاروق عمر رضي الله عنه

ورعه من المال العام يظهر من قوله: "أنا أخبركم بما أستحل من مال الله، حلة الشتاء والقيظ، وما أحج عليه وما أعتمر من الظهر، وقوت أهلي كرجل من قريش، ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، أنا رجل من المسلمين يصيبني ما يصيبهم"[5]

 

وكان يقول: "اللهم إنك تعلم أني لا أكل إلا وجبتي، ولا ألبس إلا حلتي، ولا آخذ إلا حصتي"[6]

كان عمر لا يرى أن من حق الولاة أن يتنعموا من المال العام دون الرعية فقد غضب على والي أذربيجان عتبة بن فرقد لأنه أهدى إليه خبيصا (نوع من الحلوى) لم يكن الجند ينالونه، فكتب إليه عمر: "إنه ليس من كدِّك ولا من كدِّ أبيك ولا من كدِّ أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك، وإياكم والتنعم" مسلم: الصحيح 1642:3

 

كل هذه النصوص من الوحيين ومن سيرة قدوة  البشرية وصفوة البرية صلوات الله وسلامه عليه والخلفاء الراشدين المهديين من بعده لتقرير مبدأ أن التشبع من المال العام جريمة كبري لأن التعدي فيها ينال كل  الأمة أو كل أفراد الدولة الذين لهم حق الانتفاع العام من هذا المال فالاعتداء عليه والاستئثار بالانتفاع منه فَّوت علي الآخرين حقوقهم. وألحق بهم الضرر العام.

--------------------

[1] تعريف الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة. انظر: (ص 139)، من فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة.

[2] (ثقل) العيال وما يثقل حمله من الأمتعة.

[3] (هو في النار) يعذب فيها يوم القيامة على قدر ذنبه ثم يخرج منها إن كان مات على الإسلام]

[4] أحمد: الزهد 138، وابن أبي شيبة: المصنف 4: 466 و 6: 459، وأبو عبيد: الأموال 280 - 281، وابن زنجويه: الأموال 2: 598 - 599، والطبراني: المعجم الكبير 6: 1، والبيهقي: السنن الكبرى 6: 353 والأثر صحيح

[5] - عبد الرزاق: المصنف 11: 104 - 105، وابن سعد: الطبقات 3: 375 - 376، وابن أبي شيبة: المصنف 6: 459 - 460، وابن زنجويه: الأموال 2: 600 - 601، وابن شبة: تأريخ المدينة 2: 698 والأثر صحيح

[6] - ابن زنجويه: الأموال 2: 602، وعمر بن شبة: تأريخ المدينة 2: 698 والأثر صحيح

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين