حرب غزة يوميات ومشاهدات.. هل ماتت عقيدة الولاء والبراء؟

من أكبر دلائل عظمة هذا الدين الذي امتن الله علينا به قيامه على هذا الأصل العظيم، والركن المتين: موالاة أهل الإيمان ومحبتهم ونصرتهم، ومعاداة أهل الكفر والشرك والإجرام وبغضهم.

دلت على هذا الأصل عشرات النصوص من الكتاب والسنة، بل لا يُعلم في ديننا بعد توحيد الله أصل عُظِّم وأُكِّد عليه مثل هذا الأصل. 

ومن شواهد ذلك أن كلمة التوحيد في ركنيها (النفي والإثبات) مبنية وقائمة عليه.

فــ (لا إله): نفي يتضمن البراءة من الشرك وأهله.

و (إلا الله): إثبات يتضمن موالاة الله ورسوله وعباده المؤمنين.

هذا دين الله، وهذه ملة إبراهيم التي لا يرغب عنها إلا من سَفه نفسه، ولا يصح دين العبد وتوحيده إلا بذلك.

 هل الدين إلا الحب والبغض والولا         

     كذاك البرا من كل غاو وآثم           

ولا ينصر الله عباده المؤمنين على عدوهم إلا بتحقيق هذا الأصل العظيم.

قال سبحانه: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [المائدة: 55-56]، وقال جل شأنه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 73].

فبين سبحانه في الآيتين أن حصول الموالاة والمواساة بين أهل الإيمان سبيل إلى الغلبة والنصرة، ودفعٌ للفتنة والفساد في الأرض. وتاريخ أمتنا وحاضرُها خير شاهد على ذلك، فإنه متى تعاضد أهل الإيمان وتناصروا وقويت أواصر الأخوة والمحبة بينهم أعزهم الله وأذل عدوهم، ومتى تفرقوا وتباعدوا واختلفوا وخذل بعضهم بعضا أذلهم الله، وسلط عليهم عدوهم، وحصل لهم من الفتنة والفساد ما لا يعلمه إلا الله.

وإن من أخبث ما يخطط له أعداء هذه الأمة من الكفرة والمشركين وأنصارهم= تمزيقَ صفها، وتفريق كلمتها، وتقطيع أوصالها؛ حتى تُشغل كل طائفة بشأنها، وكل مسلم بنفسه.

ويسعون في دينهم الجديد إلى حَلِّ الأخوة الإيمانية بين أهل الإسلام لإحلال الأخوة البديلة اللعينة (أخوة اليهود والنصارى)، فينفرط بذلك أصل دين الإسلام؛ الولاءُ والبراء، والحبُّ والبغض في الله.

وقد كشفت حرب غزة عن أصالة هذه الأمة وبقاء الخير فيها، وأن كيد الكافرين في ضلال، وأن من أعظم أسباب قوة هذا الدين وبقائه وثبات أهله هذه الرابطةَ القوية التي أقامها الله بينهم، الرابطة التي عقدتها يد الله فلا تحلُّها يد أمريكا ولا غير أمريكا.

لقد هب المسلمون في كل مكان لنجدة إخوانهم، لسان حالهم: قضيتكم قضيتنا، وجهادكم جهادنا، ونصركم نصرنا، وعزكم عزنا، نتولى من تولاكم، ونعادي من عاداكم، الدم الدم والهدم الهدم.

ولئن ضعفت الأمة اليوم عن القيام بواجب النصرة على الوجه الأكمل فإن فيها خيرا مخزونا، وقوة كامنة يشرق شمسها عن قريب بإذن الله، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين