حرب صهيونية على غزة.. محفزات ومثبطات

حرب صهيونية على غزة.. محفزات ومثبطات

د. صالح النعامي

 

فجأة تسابقت وسائل الإعلام والنخب الصهيونية فيما بينها في الدعوة إلى شن حرب جديدة على غزة، واغتيال قائد حركة «حماس» فيها يحيى السنوار، في أعقاب تنفيذ عملية الطعن في مستوطنة «إليعاد»، شمال شرق تل أبيب، التي قُتل فيها 3 من المستوطنين وجُرح 10 آخرون، ورغم أنه تبين أن منفذي العملية لا ينتميان إلى أي تنظيم فلسطيني، فإن الدعوات لم تتعاظم فقط، بل أثرت على توجهات المستويات الرسمية العسكرية والسياسية، التي باتت تطلق التهديدات للسنوار وغزة.

استندت الدعوات المطالبة بشن حرب جديدة على غزة واغتيال السنوار إلى حقيقة أن السنوار دعا في خطابه الأخير إلى تنفيذ عمليات طعن بنفس الطريقة التي تمت فيها عملية «إليعاد»، إلى جانب تحريضه الواسع على تنفيذ العمليات في عمق الضفة وداخل الكيان الصهيوني، وتهديده بإطلاق 1111 صاروخاً على العمق الصهيوني في أول هجوم تشنه المقاومة عند اندلاع أي حرب قادمة.

من ناحية موضوعية، هناك العديد من الأسباب التي يفترض أن تدفع «إسرائيل» إلى عدم شن حرب جديدة على غزة، ويمكن عرضها على النحو التالي:

أولاً: تدرك حكومة «تل أبيب» أن موجة العمليات التي تتواصل في الضفة الغربية وداخل الكيان الصهيوني قد بدأت قبل شهرين تقريباً، أي قبل وقت طويل من خطاب السنوار؛ فضلاً عن أن جميع عمليات المقاومة التي نفذت حتى الآن ذات طبيعة فردية، ولا يوجد لتنظيمٍ مسؤولية عنها، باستثناء عملية «سلفيت» التي نفذتها «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس».

من هنا، فإن شن حرب واسعة على قطاع غزة لن يفضي إلى وقف عمليات المقاومة الفردية، بل قد يساهم في تأجيجها، مع العلم أن التقديرات الرسمية لجيش الاحتلال ترجح أن تتواصل موجة عمليات المقاومة حتى نهاية العام الجاري (2022م).

ثانياً: اغتيال السنوار وشن حرب جديدة على غزة يعني إطلاق آلاف الصواريخ على العمق الصهيوني وتهديد المرافق الحيوية والعسكرية ونسق الحياة العام داخل الكيان الصهيوني، ورغم أن الكيان الصهيوني سيستغل تفوقه العسكري في الرد على عمليات إطلاق الصواريخ، فإن مجرد عجزه عن وقفها سيمس بمكانة «تل أبيب» الدولية والإقليمية، وسيحرجها، تحديداً أمام نظم الحكم العربية التي توصلت معها إلى اتفاقات تطبيع ومعاهدات «سلام»، سيما أن نظم الحكم هذه بررت إقامة علاقات مع هذا الكيان بضرورة تدشين شراكات إستراتيجية وعسكرية معه تخدم مصالحها.

ثالثاً: يعي صناع القرار في الكيان الصهيوني أنه لا توجد حلول سياسية أو عسكرية للمعضلة التي يمثلها قطاع غزة لهم؛ حيث اكتشفت «إسرائيل» بعد شنها 4 حروب على غزة أنه في أعقاب كل حرب تجد نفسها في نفس المربع الذي كانت فيه قبل شن الحرب؛ فالقضاء على بنية المقاومة بشكل جذري يتطلب احتلال قطاع غزة بشكل كامل، وهذا سيترتب عليه سقوط عدد كبير من جنود جيش الاحتلال، وسيفضي إلى تواصل القتال إلى أمد بعيد، وحتى بعد احتلال القطاع فإنها ستواجه مشكلة أخطر، تتمثل في أنه لا يوجد طرف ثالث يمكن أن يتولى زمام الأمور في غزة بعد إسقاط حكم حركة «حماس»؛ وهو ما يعني تورطها هناك إلى أمد غير محدود مع كل ما يترتب عن ذلك من أثمان باهظة على الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية.

إلى جانب ذلك، فإن دوائر صنع القرار في «تل أبيب» تعي أن المجتمع الصهيوني غير جاهز لدفع كلفة احتلال غزة البشرية، حيث يتوقع أن يسقط مئات القتلى من جنود الاحتلال قبل النجاح في إعادة احتلال القطاع، ولا يمكن إغفال التحول الواضح على منظومة قيم المجتمع «الإسرائيلي» الذي بات يقلص من قدرة دوائر صنع القرار في «تل أبيب» على المبادرة بعمل عسكري بري كبير بوصفه متطلباً لتفكيك قدرات «حماس» العسكرية في القطاع بشكل جذري؛ فقد بات واضحاً أن دوائر الحكم في «إسرائيل» التي تعي عمق حساسية المجتمع لسقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الجنود، تتخوف من تبعات عدم استعداد هذا المجتمع لتحمل تكاليف وخسائر عمل عسكري بري في عمق قطاع غزة.

وإذا انسحب جيش الاحتلال من غزة، فإن القطاع سيعود فوراً إلى مصدر تهديد كبير على الأمن الصهيوني، مع ملاحظة أن حركة «حماس» ستكون عندها قد تخلصت من القيود التي كانت تكبلها كجهة مسؤولة عن حكم قطاع غزة.

رابعاً: يدرك صناع القرار في «تل أبيب» أن الكيان الصهيوني يواجه الكثير من التهديدات الإستراتيجية على أكثر من صعيد، وأكثر من جهة؛ مما يقلص من الرغبة للتفرغ لمواجهة عسكرية مع قطاع غزة لن تفضي إلى تغيير الواقع الأمني إلى أمد بعيد.

 

أسباب محفزة

وفي المقابل، فإن هناك العديد من الأسباب التي قد تحفز «إسرائيل» على شن عمل عسكري ضد غزة رغم المحاذير السابقة، ويمكن رصدها كالتالي:

1- ستكون «إسرائيل» معنية بإحباط أي محاولة من قبل «حماس» لربط فعلها المقاوم في غزة بممارسات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ لما ينطوي عليه التسليم بهذا الربط من مخاطر على المشروع «الاستيطاني والتهويدي» ومكانة «تل أبيب» الإقليمية وقوة ردعها؛ فالقيادة الصهيونية شعرت بحرج شديد عندما اضطرت مؤخراً إلى القيام بعدد من الإجراءات استجابة لضغوط المقاومة في قطاع غزة، وفي محاولة لتجنب مواجهة معها، مثل قرار حكومة «بينيت» عدم السماح لمسيرة الأعلام التي حاولت المنظمات اليهودية الدينية المتطرفة تنظيمها في حي «باب العامود» المؤدي إلى المسجد الأقصى بعد تهديدات حركة «حماس»، كما أن «إسرائيل» أُحرجت بعد أن اضطرت إلى إرسال الوسطاء الدوليين والعرب إلى رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في مقر إقامته في الدوحة للتباحث معه حول وقف التصعيد.

2- الأزمة الداخلية التي تعصف بحكومة «بينيت»، سيما بعدما فقدت أغلبيتها البرلمانية، جعلها أكثر حساسية لضغوط الرأي العام والمعارضة، التي استغلت خطاب السنوار الأخير واعتبرته دليلاً على أن حركة «حماس» باتت قادرة على إرغام «إسرائيل» وإجبارها على خطوات لا تتوافق مع مصالحها، رغم أن موازين القوى العسكرية تميل لصالح الكيان الصهيوني، ونظراً لتهاوي شعبيته كما تدل نتائج استطلاعات الرأي، فإن «بينيت» قد يرى في حرب جديدة على غزة مخرجاً له من الأزمة التي يمر بها حزبه «يمينا» الذي يواجه خطر التفكك بعد انسحاب بعض نوابه، وسيزداد الميل إلى شن عمل عسكري ضد غزة تحديداً إذا واصل الإعلام الصهيوني حملات التحريض الممنهجة ضد المقاومة وقياداتها.

3- إن فرص مبادرة الكيان الصهيوني لشن هجوم مباغت على غزة تحاول فيه اغتيال قيادات «حماس»، وعلى رأسهم السنوار، ستكون كبيرة إذا حصلت «إسرائيل» على معلومات استخبارية تفيد بنيّة الحركة شن هجوم صاروخي على العمق الصهيوني رداً على سياسات «تل أبيب» ضد المسجد الأقصى.

وقد يكون هناك بديل آخر للتصعيد ضد غزة، وهو محاولة تنفيذ عمليات اغتيال تطال قيادات «حماس»، وتحديداً نائب رئيس الحركة في الخارج صالح العاروري، الذي يتهمه الصهاينة بأنه وقف وراء الأوامر بتنفيذ عمليات في الضفة الغربية.

بكل تأكيد لن تلج القيادة الصهيونية إلى الاستنتاج الموضوعي والمتمثل في أنه ما دام الاحتلال يواصل جرائمه فإن أي إستراتيجية عسكرية وأمنية لن تكون قادرة على وأد روح المقاومة ضده.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين