حديث


ذكر ابن هشام صاحب السيرة عن ابن اسحاق رحمهما الله في مناسبة هذا القول للنبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما كان أشراف قريش مجتمعون في الحجر في البيت الحرام والرسول داخلا يريد الطواف بالبيت ،وكان كلما مر بهم غمزوه ببعض القول، وتكرر ذلك منهم ثلاث مرات، وفي الثالثة وقف النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا معشر قريش والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح" والحديث صحيح رواه ابن ابي شيبة في المصنف وغيره ، كما رواه الامام البخاري في خلق افعال العباد.
ومن المعلوم موقف قريش في اظهار عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، واضطهادهم للمسلمين المستضعفين وقتلهم ( وسمية رضي الله عنها أول شهيدة في الاسلام ) اضافة الى اضطهاد قريش للنبي ومحاولة قتله عليه الصلاة والسلام.
فكيف فهم المتطرفون ادعياء الدولة الاسلامية هذا حديث وكيف تعاملوا معه ؟ ، وكيف يفهم الحديث في ضوء النصوص الاخرى، والمقاصد الشرعية ، ومن واقع تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين واهل الكتاب، فضلا عمن شهد أن لا إله الا الله.
لقد اتخذ المتطرفون وأصحاب الغلو هذا الحديث (جئتكم بالذبح)شعارا ممنهجا في التعامل ليس مع الكفار فحسب بل مع سائر المسلمين من مخالفيهم ، ممن يرفض مبايعتهم أو سبق وأن قاومهم ، أو ساعد مناوئيهم . لقد أصبح القتل ذبحا بقطع الأوداج بالسكين بالصوت والصورة مع حرصهم على تصوره ونقله بوسائل التواصل الحديثة بإخراج هوليودي محترف في منظر مرعب تتفطر منه القلوب، وتقشعر منه الابدان. 
ان هذا السلوك الهمجي يتم مع الاسف باسم الاسلام ، والدولة الاسلامية التي هي حلم كل مسلم ، وهي في الوقت نفسه رسالة صريحة الى كل العالم بكل مكوناته : ان الاسلام ذبح ، ودماء، واشلاء، ووحشية ليس لها حدود. 
ومع ذلك فكيف فهم اهل العلم هذا الحديث في سياقه الصحيح ؟  
اولا : ان النصوص الشرعية لا تفهم مجتزأة عن غيرها وانما تفهم في ضوء بعضها بعضا ، فان الرسول صلى الله عليه وسلم وان توعد الكافرين بالذبح ، فهناك نصوص كثيرة تؤكد ان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة للعالمين ، وليس للمسلمين فحسب وانما لكل الخلق " وما ارسلناك الا رحمة للعالمين" الانبياء/107 ، وقد خاطب الله تعالى نبيه بقوله: فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين "الانعام 147 ، وعلى هذا فاجتزاء قول النبي صلى الله عليه وسلم واتخاذ المتطرفين ذلك منهجا في التعامل مع المخالفين كما يفعله الخوارج المعاصرون ليس منهجا اسلاميا .
ثانيا: عندما فتح رسول الله مكة في العام الثامن للهجرة ومكنه الله من رقابهم، ماذا قال لهم ؟ اعطاهم الامان بقوله: من دخل داره فهو آمن، ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن. ثم قال لهم قولته المشهورة : اذهبوا فانتم الطلقاء". بعد كل ما فعلته قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه على مدى ثلاثة عشر سنة قبل الهجرة ، وحربها وتأليبها للقبائل على قتال المسلمين بعدها.
ثالثا: ان الذين أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمهم عند فتح مكة من أكابر المجرمين الذين امر بقتلهم وان وجدوا تحت استار الكعبة ستاً من رجال وامرأتين ، بعضهم اسلم ثم ارتد والتحق باعدائه من قريش ، وبعضهم جرمه انه قاتل، وبعضهم كان من اشد الناس ايذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واما المرأتان فكانتا تغنيان بهجو الرسول عليه الصلاة والسلام. 
ومع ان الرسول قد اهدر دمهم، ولكن من قتل منهم فعلا؟ تقول المصادر الصحيحة ان الذين قتلوا من الرجال ثلاثة ، ومن النساء واحدة فقط ، واما البقية ممن اهدر دمهم فقد استؤمن لهم فقبل الرسول امانهم واسلموا وحسن اسلامهم  
 رابعا: حرمة دم المسلم عند الله اعظم من حرمة الكعبة شرفها الله، وكم فرط هؤلاء الغلاة الخوارج بدماء القادة المجاهدين بل بالعلماء اعضاء اللجان الشرعية، وحتى المستشفيات التي يتعالج فيه الاطفال والجرحى والفقراء لم تسلم من سياراتهم المفخخة بدعوى انهم مرتدون وكفرة ، وقد انكر النبي صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد قتل رجل من المشركين بعد ان شهد ان لا اله الا الله بقوله : ماذا تفعل بلا إله الا الله ، وهم يستبيحون دم من يشهد ان لا إله الا الله وان محمدا رسول الله، فويل لهم مما كسبت ايديهم ، وويل لهم من عذاب يوم عظيم .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين