حدث في السادس والعشرين من ذي القعدة

في السادس والعشرين من ذي القعدة من عام 145 قتل في باخَمرا قرب الكوفة، عن 48 عاماً، أبو الحسن، إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، على يد جيش أرسله الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، في سلسلة مآساوية من محاولات الطالبيين أخذ الخلافة من العباسيين.

 
وابتدأ التوتر والتوجس بين الطرفين منذ أن تولى الخلافة في سنة 132 أبو العباس السفاح، أول خلفاء بني العباس، عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، المولود سنة 104 والمتوفى سنة 136، وسبب ذلك أن أقوى تهديد يواجهه الحاكم المستبد هو من أولئك الذين أيدوه ونهضوا بأمره، وللطالبيين دالَّة شرعية قوية إذ كانت الدعوة والبيعة السرية لهم من قبل، كما أن أغلب شيعة على يرون أن أولاده وأبناء فاطمة رضوان الله عليهم أحق بالخلافة من أولاد العباس.
 
وزاوج الخلفاء العباسيون في العصر الأول بين الترغيب والترهيب، مع ميل واضح للترغيب، وفي المقابل نرى الطالبيين من خراسان إلى الحجاز يقومون بالحركة تلو الحركة وبالتمرد تلو التمرد، في إخفاقات متتالية على مدى سنوات طويلة. ومن الترغيب ما ذكرته الكتب أن أبا العباس السفّاح لما ولي الخلافة قَدِم عليه بنو الحسن بن عليّ ابن أبي طالب، فأعطاهم الأموال وقَطع لهم القطائع، ثم قال لوالد إبراهيم، عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب: احتكمْ عليّ، قال: يا أميرَ المؤمنين، بألف ألف درهم، فإني لم أرها قط. فاستقرضها أبو العباس من ابن مُقَرِّن الصَّيرفيّ وأَمر له بها ، ثم حباه جوهراً من جواهر مروان ثمنه 80000 دينار، ولما حان موعد عودتهم إلى الحجاز أرسل معهم رجلاً من ثِقاته ليظهر ميله إليهم وأنهم أحقُّ بالأمر ، ولينقل للسفاح ما يقولون وما يكون منهم في مَسيرهم ومَقْدَمهم.
 
فلما قَدِم المدينةَ عبد الله بن الحسن اجتمع إليه الفاطميون، فجعل يُفرَّق فيهم الأموالَ التي بعث بها أبو العباس، فعظُم بها سرورُهم، فقال لهم عبد الله بن الحسن: أفرحتم؟ قالوا: وما لنا لا نفرح بما كان محجوباً عنَّا بأيدي بني مروان حتى أتى الله بقَرابتنا وبني عَمِّنا، فأصاروه إلينا. قال لهم: أفَرَضيتُم أن تنالوا هذا من تحت أيدي قومٍ آخرين؟ فخرج الرجلُ الذي كان وكَّله أبو العباس بأخبارهم، فأخبره بما سمع من قولهم وقولِه؟ فزادت الأمور شرّاً.
 
ثم مات أبو العباس سنة 136 وقام أبو جعفر بالأمر بعده، وكان أبو العبّاس السفاح قد أخبر أبا جعفر بكلام عبد الله بن الحسن، ولذلك فإنه لما بعث بعطاء أهل المدينة كتب إلى عامله: أن أعط الناسَ في أيديهم ولا تبعث إلى أحدٍ بعطائه، وتفقّد بني هاشم ومن تخلف منهم ممن حضر، وتحفّظ بمحمد وإبراهيم، ابني عبد الله بن الحسن. ففعل وكتب: إنه لم يتخلف أحدٌ عن العطاء إلا محمد وإبراهيم، ابنا عبد الله بن الحسن، فإنهما لم يَحضرُا. فكتب أبو جعفر إلى عبد الله بن الحسن، وذلك في أول سنة 139يسأله عنهما ويأمره بإظهارهما ويُخبره أنه غير عاذره، فكتب إليه عبدُ الله إنه لا يَدري أين هما ولا أين توَجها، وإن غيبَتهما غيرُ معروفة.
 
وإزاء هذا الجواب، أذكى أبو جعفر العيون ووَضع الأرصاد، ثم جاءه كتابٌ من بعض ثقاته يُخبره أنّ رسولاً لعبد الله ومحمد وإبراهيم خرج بكتب إلى رجال بخُراسان يَسْتدعيهم إليهم، فأمر أبو جعفر برِسولهم، فأتي به وبكُتبه، فردها إلى عبد الله بن الحسن بطَوابعها، لم يَفتح منها كتاباً، وردّ إليه رسولَه، وكتب إليه: إني أُتيت برسولك والكُتب التي معه، فرددتُها إليك بطوابعها كراهيةَ أن أطلع منها على ما يُغَيِّر لك قلبي، فلا تَدْعُ إلى التقاطع بعد التواصل، ولا إلى الفُرقة بعد الاجتماع، وأظْهِر لي ابنيك فإنهما سيصيران بحيثُ تحب من الولاية والقرابة وتَعظيم الشرف.
 
فكتب إليه عبد الله بن الحسن يعتذر إليه ويتنصَّل في كتابه، ويُعلمه أن ذلك من عدوّ أراد تشتيت ما بينهم بعد الْتئامه، ثم جاء أبا جعفر المنصور كتابُ ثقة من ثقاته يذكر أنَ الرسول بعينه خَرج بالكُتب بأعيانها على طريق البصرة، وأنه نازل على فلان المُهلبي، فإن أراده أميرُ المؤمنين فَلْيضع عليه رَصَده، فوضع عليه أبو جعفر رَصده، فأتي به إليه ومعه الكُتب، فحَبس الرسولَ وأمضى الكتبَ إلى خُراسان مع رسول من عنده من أهل ثقاته، فقدمتْ عليه الجواباتُ بما كره، واسْتبان له الأمرُ، فكتب إلى عبد الله بن الحسن يقول:
 
أريد حياتَه ويُريد قتلي ... عذيرَك مِن خليلك من مُرادِ
 
أما بعد، فقد قرأتُ كُتبك وكُتب ابْنيك وأنفذتُها إلى خُراسان، وجاءتني جواباتُها بتَصديقها، وقد استقرّ عندي أنك مُغَيبٌ لابنيك تعرف مكانَهما، فاظْهِرهما إليّ، فإنَّ لك أن أُعظِم صِلتهما وجوائزهما وأضعهما بحيث وضعتْهما قرابتُهما، فتدارك الأمورَ قبل تفاقُمها.
 
فكتب إليه عبد الله بن الحسن منكراً لذلك لأنه يُضِرُّ به ما يضر بالمنصور:
 
وكيف أريد ذاك وأنت منى ... وزَنْدُك حين تُقْدح من زِنادِي
 
وكيف أريد ذاك وأنت منِّي ... بمَنزلة النياط من الفُؤاد
 
وكتب إليه: إنه لا يدري أين توجها من بلاد الله، ولا يَدري أين صارا، وإنَّه لا يعرف الكُتب ولا يشك أنها مُفتعلة.
 
فلما اخْتَلفت الأمور على أبي جعفر بَعث سَلْم بن قُتيبة الباهليّ في تدبير لكشف حقيقة الأمر، وبَعث معه بمال، وقال له: إنّي إنما أدخلك بين جلدي وعظمي، فلا توطئني عَشْواء ولا تُخْف عني أمراً تَعلمه. فخرج سَلْم بن قتيبة حتى قَدِم المدينةَ، وكان عبد الله يُبسَط له في رُخام المنبر في الروضة، وكان مَجلسه فيه، فجَلس إليه سلم وأظهر له المَحبة والمَيل إلى ناحيته، ثمِ قال له حين أنس إليه: إنَ نفراً من أهل خُراسان وهم فلان وفلان، وسمّى له رجالاً من أنصاره كان قد انكشفت مراسلاتهم لأبي جعفر المنصور، قد بَعثوا إليك معي مالاً، وكتبوا إليك كتاباً. فقَبل الكتاب والمال، وكان المالُ عشرةَ آلاف دينار.
 
ثم أقام معه ما شاء الله حتى أزداد به أنساً وإليه استنامة، ثم قال له: إني قد بُعِثتُ بكتابين إلى أمير المؤمنين محمد وإلى ولي عهده إبراهيم، وأُمِرتُ أن لا أوصل ذلك إلا في أيديهما، فإن أوصلتَني إليهما وأدخلتَني عليهما أوصلتُ إليهما الكتابين والمال، ورحلتُ إلى القوم بما يُثلج صدورَهم، وتَقبله قلوبهم، فأنا عندهم بموضع الصدق والأمانة، وإنْ كان أمرهما مظلماً، ولِم تكن تعرف مكانهما، لم نخاطر بدينهم وأموالهم ومُهجهم.
 
فأوصله عبد الله إليهما، فدفعَ الكتابين مع أربعين ألف درهم، ثم قال: هذا محمد وهذا إبراهيم. فقال لهم: إنَّ مَن ورائي لم يَبعثوني ولهم ورائي غاية، وليس مثلي ينصرَف إلى قوم إلا بجُملة ما يحتاجون إليه، ومحمد إنما صار إلى هذه الخُطة ووجبت له هذه الدَّعوة لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هنا من هو أقربُ من رسول الله رَحماً وأوجبُ حقّاً منه. قال: ومن هو؟ قال: أنت، إلا أن يكون عندك ابنك محمد أثرٌ ليس عندك في نفسك. قال: فكذلك الأمرُ عندي. قال له: فإنَّ القومَ يَقتدون بك في جميع أمورهم ولا يُريدون أن يبذلوا دينَهم وأموالهم وأنفسهم إلا بحُجة يرجون بها لمن قَتل منهم الشهادة، فإن أنت خلعتَ أبا جعفر وبايعتَ محمداً اقتَدَوْا بك، وإنْ أبيْتَ اقتَدَوا بك أيضاً في تَركك ذلك ثقةً بك لقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَوْضعك الذي وَضعك الله فيه. قال: فإنّي أفعل. فبايَعَ محمداً وخلع أبا جعفر، وبايعه سَلْم من بعده، وأخذ كُتبَه وكتبَ إبراهيم ومحمد وخرج.
 
ثم جاء أبو جعفر للحج وعنده حقيقة الأمر ويقينه، فلما دخل المدينة أرسل إلى بني الحسن فجَمَعهم، وقال لسَلْم: إذا رأيتَ عبد الله عندي فقُم على رأسي وأشِرْ إليَ بالسلام، ففعل. فلما رآه عبد الله أُسقط في يده وتغيَّر وجهه، فقال له أبو جعفر: مالك أبا محمد، أتعرفه؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فاقِلْني وصلَتَك رحم، فقال له أبو جعفر: هل علمتَ أنك تعرف موضع وَلَديك وأنه لا عُذر لك وقد باح السرُّ، فأظهرهما لي، ولك أن أصلَ رحمك ورَحمهما، وأن أعظم ولايتهما وأعطيَ كلّ واحد منهما ألف ألفِ درهم.
 
فتراجعٍ عبد الله حتى انكفأ على ظهره، ومعه من بني الحسن اثنا عشر رجلاً، فأمر أبو جعفر بِحبسهم جميعاً، وخرج فعسكر من ليلته على ثلاثة أميال من المدينة، وعَبّأ على القتال، ولم يَشك أنَّ أهل المدينة سيُقاتلونه لأجل بني الحسن، فعبّأ ميمنة وميسرة وقَلْباً وتهيأَ للحرب، وأجلس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عشرين مُعطياً يُعطون العطايا، فلم يتحرك عليه منهم أحد.
 
ومضى أبو جعفر إلى مكَة، وبنو الحسن معه، يسومهم سوء العذاب، وكان أول ضحاياه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ويقال له العثماني ويلقب بالديباج لجماله، وكانت أم الديباج فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وكانت قبله زوجة الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فالديباج وعبد الله بن الحسن بن الحسن أخوان لأم.
 
وكان العثماني قد زوج ابنته لإبراهيم الطالبي، فناله بسبب هذا الزواج الأذى الشديد، فقد طالبه المنصور أن يدله على مكان اختفاء إبراهيم، فأظهر له جهله بمكانه، ثم حملت ابنته فدعاه المنصور ووبخه، فرد عليه الديباج بما أحنقه، فضربه ضرباً مبرحاً بالسياط وأمر بحبسه، فلما خرج محمد وإبراهيم فيما بعد دعا به فضرب عنقه، وقال: والله لا يقر عينك بخروج صاحبيك، وبعث برأسه إلى خراسان، على أنه رأس محمد بن عبد الله.
 
وممن كان في سجن المنصور كذلك محمد بن إبراهيم، وكان جميلا فتيَّا، فكان الناس يذهبون لينظروا إلى حسنه وجماله، وكان يقال له: الديباج الأصغر، فلما خرج والده أحضره المنصور بين يديه وقال له: أمْا لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا! ثم ألقاه بين إسطوانتين وسد عليه حتى مات.
 
ولما انصرف أبو جعفر من الحجاز عائداً إلى العراق، خرج محمدُ بن عبد الله بالمدينة وأعلن خلافته، وتلقب بالمهدي، وكان يدعى النفس الزكية، وكان ذلك في آخر جمادى الآخرة من سنة 145، وعين ولاة من قِبلِه على المدينة ومكة والطائف واليمن.
 
وجرت بين أبي جعفر وبين محمد النفس الزكية مراسلات حاول فيها أبو جعفر أن يثني الأخوين محمد وإبراهيم عن الخروج ويمنيهما بكل خير، فرفض محمد ذلك ودعاه هو للطاعة، ونورد بعضاً مطولاً مما جاء في هذه الرسائل لأهميته، كتب أبو جعفر لمحمد: ولك عليّ عهدُ الله وميثاقه وذمَّة الله وذمة نبيّه، إن أنتُما أتيتُما وتُبتما ورَجعتما من قبل أن أقدرَ عليكما، وأن يقع بيني وبينكما سَفك الدماء، أن أؤمنكما وجميعَ ولدكما ومن شايعكما وتَابَعكما على دِمائكم وأموالكم، وأوسعكم ما أصبتم من دم أو مال، وأعطيكما ألفَ ألفِ درهم لكلِّ واحد منكما، وأبوئكما من البلاد حيث شئتُما، وأطْلِق من الحبس جميعَ ولد أبيكما، ثم لا أتعقب واحداً منكما بذَنب سَلف منه أبداً، فلا تُشمت بنَا وبك عدوّنا من قريش، فإن أحببْتَ أن تتوثق من نفسك بما عرضتُ عليك، فوَجَّه إليَّ مَن أحببْتَ ليأخذ لك من الأمان والعهود والمواثيق ما تأمن وتطمئن إليه إن شاء الله، والسلام.
 
فأجابه محمد النفس الزكية برسالة فيها: من محمد بن عبد الله أمير المؤمنين إلى عبد الله بن محمد... وأنا أعرض عليك من الأمان ما عرضتَه، فإنَّ الحقَّ معنا وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا، وخَرجتم إليه بشِيعتنا، وحَظيتم بفضلنا، وإن أبانا عليا رحمه الله كان الإمام فكيف ورثتم ولايةَ ولده؟!
 
وقد علِمتُم أنه ليس يَمُتُّ أحدٌ بمثل ما نَمُتّ به من القرابة والسابقة والفضل، وأنَّا بنو أم أبي رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية، وبنو فاطمة ابنته في الإسلام دونكم، وأنّ الله اختارنا واخْتار لنا، فولدنا من النبيّين أفضلُهم، ومن الألف أوّلهم إسلاماً علي بن أبي طالب، ومن النّساء أفضلُهن خديجة بنت خُويلد، وأول مَن صلّى إلى القبلة منهن، ومن البنات فاطمة سيِّدة نساء أهل الجنة، ولدت الحسن والحسين سيدَي شباب أهل الجنة صلواتُ الله عليهما، وأني من أوسط بني هاشم نَسباً وأشرفهم أباً وأمّاً، فما زال الله بمنّه وفضله يختار لي الأمهات في الجاهليّة والإسلام، حتى اختار لي في النار، فأَنا ابنُ أرفع الناس درجةً في الجنّة، وأهونهم عذاباً في النار، وأبي خيرُ أهل الجنة، وأبي خيرُ أهل النار، فأنا ابن خير الأخيار، وأبن خير الأشرار.
 
فلك اللّهُ، إن دَخلتَ في طاعتي وأوجبتَ دَعْوتي، أن أؤمِّنك على نَفسك ومالك ودَمك وكلِّ أمرٍ أحدثتَه، إلا حداً من حُدود اللّه، أو حقَّ امرئ مُسلم أو مُعاهد، فقد علمتَ ما يلزمك من ذلك، وأنا أولى بالأمر منك، وأوفى بالعَهد؟ لأنك لا تُعطي من العهد أكثرَ مما أعطيتَ رجالاً قبلي. فأيَ الأمانات تُعطيني: أمانَ ابن هبيرة، أو أمانَ عمك عبد الله بن عليّ، أو أمانَ أبي مُسلم. والسلام.
 
فكتب إليه أبو جعفر المنصور: من عبد الله أمير المُؤمنين إلى محمد بن عبد الله بن حَسن، أما بعد. فقد بلغني كتابُك، وفهمتُ كلامَك، فإذا جُل فخرك بقَرابة النِّساء، لتضل به الغوغاء، ولم يَجعل الله النساءَ كالعُمومة والآباء، ولا كالعَصبة الأولياء؟ لأن الله جعل العمَّ أباً وبدأ به في القرآن على الوالد الأدنى، ولو كان اختيارُ الله لهنّ علىِ قدر قَرابتهن لكانت آمنة أقربَهن رَحِماً، وأعظمَهن حقًا، وأولَ من يدخل الجنة غداً، ولكنّ اختيارَ الله لخَلقه على قدر عِلْمه الماضيِ لهم، فأما ما ذكرتَ من فاطمة جدَّة النبي صلى الله عليه وسلم وولادتها لك، فإن الله لم يرزق أحداً من وَلدها دينَ الإسلام ولو أن أحداً من ولدها رُزق الإسلام بالقرابة لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكُل خير في الدنيا والآخرة، ولكنّ الأمرَ لله يختار لدينه من يشاء، وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وله عُمومة أربعة، فدعاهم فأنذرهم، فأجابه اثنان أحدُهما أبِي، وأبى عليه اثنان أحدُهما أبوك، فقطع الله ولايتَهما منه، ولم يجعل بينهما إلا ولا ذمة ولا ميراثاً، وقد زعمتَ أنك ابنُ أخفِّ أهل النار عذاباً وابنُ خير الأشرار، وليس في الشر خِيارٌ، ولا فخر في النار.
 
وقد علمت أنَّ المكْرمة في الجاهلية سقايةُ الحاج الأعظم وولاية بئر زمزم، وكانت للعبَّاس من بين إخوته، وقد نازعَنا فيها أبوك فقضى لنا بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلم نَزل نَليها في الجاهليّة والإسلام. فقد علمتَ أنه لم يَبْق أحد مِن بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم من بني عبد المطلب غيرَ العبَّاس وحدَه، فكان وارثَه من بين إخوته. ثم طلب هذا الأمرَ غيرُ واحد من بني هاشم فلم يَنله إلا ولدُه، فالسقاية سقايتُنا، وميراث النبيِّ صلى الله عليه وسلم ميراثُنا، والخلافة بأيدينا، فلم يبق فَضل ولا شَرف في الجاهليَّة والإسلام إلاَ والعبَّاس وارثه ومُورِّثه، والسلام.
 
ولم تغن شيئاً المراسلات السابقة بين المنصور وبين محمد النفس الزكية، وجهز أبو جعفر المنصور جيشاً بقيادة ابن أخيه الأمير العباسي عيسى بن موسى بن محمد بن عبد الله بن العباس، فخرج إلى المدينة، فلقيه محمدُ بن عبد الله، فانهزم بأصحابه وقُتل في 14 رمضان، فكانت مدة خروجه 45 يوماً، وأقام عيسى بن موسى بالمدينة أياماً، ثم سار عنها في أواخر رمضان يريد مكة معتمراً.
 
وكان خروج محمد النفس الزكية في المدينة المنورة خطأً تعبوياً قاتلاً، لقلة المال والرجال والطعام فيه، ويكفي أن نذكر قول حميد بن قحطبة، وكان المنصور قد استشاره فقال: يا أمير المؤمنين، ادْعُ بمن تثق به من مواليك فابعث به إلى وادي القرى يمنعونهم من ميرة الشام، فيموت هو ومن معه جوعا، فإنه ببلد ليس فيه مال ولا رجال ولا كراع ولا سلاح. وارتكب محمد أخطاءً في تخطيط المعارك، فقد بدا له أن يقتدي بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، وكانت الحال تقتضي أن يبادر خصمَه بالهجوم لا بالدفاع.
 
وكان محمد قبل مقتله قد أرسل أخاه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن إلى البصرة، فظهر فيها في أول شهر رمضان، ودعا الناس إِلى بيعة أخيه محمد بن عبد الله، فبايعه جماعة من زعماء القبائل وكثير من الفقهاء وأهل العلم، وصار في ديوانه أربعة آلاف مقاتل، وكان أمير البصرة سفيان بن معاوية، فلما رأى اجتماع الناس على إِبراهيم، تحصن في دار الإمارة بجماعة، فقصده إِبراهيم وحصره، فطلب سفيان منه الأمان فأمنّه إبراهيم، ودخل إِبراهيم القصر ووجد في بيت المال ألفي ألف درهم، فاستعان بها، وفرض لأصحابه خمسين خمسين.
 
ولاقت حركة إبراهيم تأييداً شعبياً عارماً وانضم إليها كبار العلماء على اختلاف مشاربهم، وممن آزره في ثورته الإمام أبو حنيفة الذي جهر بتأييده وأرسل إليه أربعة آلاف درهم لم يكن عنده غيرها، وانضم إليه أهل الحديث وحملوا رايته، وانحاز إليه هارون بن سعد العجلي، رأس الطائفة الزيدية في أيامه، وكان صالحاً زاهداً، ولاه إبراهيم القتال بواسط واستعمله عليها، وكان شيخا كبيرا قد انحنى على دابته،ولما بلغه مقتل إبراهيم توجه إلى البصرة متوارياً فمات بعد فترة قصيرة.
 
ولما استقرت البصرة لإبراهيم، أرسل جماعة فاستولوا على الأهواز، ثم أرسل هارون بن سعد العجلي في سبعة عشر ألفاً إِلى واسط فملكها العجلي، ولم يزل إبراهيم بالبصرة يفرق العمال والجيوش، حتى أتاه خبر مقتل أخيه النفس الزكية محمد بن عبد الله، قبل عيد الفطر بثلاثة أيام، فخرج للناس يوم العيد وقد ظهر عليه الانكسار، ونعى للناس أخاه فازدادوا حنقاً على المنصور، وقال إبراهيم في أخيه أبياتاً منها:
 
سأبكيك بالبيض الرقاب وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
 
وإنا لقوم ما تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن قصم الظهرا
 
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصرها من جفن مقلته عصرا
 
ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... تلهب في قطري كتائبها الجمرا
 
ثم إِن إبراهيم أجمع على المسير إِلى الكوفة، وسار من البصرة وقد صار في ديوانه مئة ألف، حتى نزل باخَمرا وهي من الكوفة على ستة عشر فرسخاً، وكان المنصور قد استدعى عيسى بن موسى من الحجاز، فحضر، وجعله في جيش قبالة إِبراهيم بن عبد الله، وجرى بينهما قتال شديد، انهزم فيه عسكر عيسى بن موسى، ووصل الخبر إلى المنصور في الكوفة فأظلمت الدنيا في وجهه وكاد أن يهرب من العراق إلى خراسان، ثم تماسك ورجع، وكان قد أعد دواب وإبلاً، فإن كانت الكرة عليه خرج للريِّ في خراسان.
 
وفي هذه الأثناء دارت الدائرة على إبراهيم وعسكره، ذلك إن عسكر عيسى بن موسى لما فر بين يدي عسكر إبراهيم اعترضهم نهر لم تطق الخيل عبوره، فدعتهم الضرورة إلى أن يرجعوا لعلهم يظفرون بمسلك يكون أمامهم، فلما رآهم عسكر إبراهيم ظنوا أن مدداً جاءهم أو كميناً خرج، فسقط في أيديهم وولوا الأدبار، فطمع فيهم عسكر المنصور وتبعوهم، فوقف إبراهيم وثبت في نفر قليل من أصحابه يبلغون ستمئة، فجاء في حلق إِبراهيم سهم غَرْب، أي لا يعرف راميه، فقال: أردنا أمراً وأراد الله غيره، واجتمع عليه أصحابه وأنزلوه، فحمل عليهم عسكر عيسى ابن موسى وفرقوهم عنه، واحتزوا رأس إِبراهيم، وأتوا به إِلى عيسى فسجد شكراً لله تعالى، وبعث به إلى المنصور، فلما رآه قال: لقد ثبت هذا الرأس دولتنا بعدما ضعضها. وأراد المنصور أن يسكِّن ولايات الآفاق فأرسل إلى مصر برأس إبراهيم في آخر سنة 145، فنصبوه في المسجد الجامع، ثم سرقه أهل مصر ودفنوه، وبني عليه مسجد فيما بعد، وأرسل المنصور إلى خراسان برأس أبي زوجته الديباج العثماني على أنه رأس أخي إبراهيم محمد بن عبد الله بن الحسن.
 
وكان الشاعر المفضل بن محمد الضَّبي، المتوفى سنة 168، ممن خرج مع إبراهيم وشهد المعركة الأخيرة له، قال المفضل: وأقبلت عساكر أبي جعفر فقُتِل من أصحابه وقَتل من القوم حتى كاد الظفر يكون له، فقال لي: حركني بشيء فأنشدته هذه الأبيات:
 
ألا أيها الناهي فزارة بعدما ... أجدَّت بسير إنما أنت حالمُ
 
أبى كل حر أن يبيت بوتره ... ويمنع منه النوم إذ أنت نائم
 
أقول لفتيان العشي تروحوا ... على الجُرد في أفواههن الشكائم
 
قفوا وقفة من يحي لا يخز بعدها ... ومن يُخترم لا تتبعه اللوائم
 
وهل أنت، إن باعدت نفسك منهم، ... لتسلم فيما بعد ذلك؛ سالم؟
 
فقال: أعِدْ. فتنبهت إلى معنى البيت الأخير وندمت، فقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا، أعدها. فأعدتُها، فتمطى في ركابيه حتى خلته قد قطعهما، وأتاه سهم عاثر فكان آخر عهدي به.
 
وقد عاب بعضهم على إبراهيم رحمه الله أنه نزل على رأي الزيدية في ترتيب القتال، وهو رأي في ظاهره التدين وفي جوهره إغفال لاختلاف الأحوال والظروف، فكأنه كرر ما فعله أخوه محمد رحمه الله في المدينة، فقد أشار عليه القائد عبد الواحد بن زياد بن عمرو العتكي بأن يبيِّتَ عيسى، أي يهاجمه ليلاً، فقالت الزيدية: إنما البيات من فعال السُّراق. قال: فارجع إلى البصرة ودعنا نقاتل عيسى، فإن هزمنا أمددتنا بالإمداد، فقالت الزيدية: أترجع عن عدوك وقد رأيته؟ قال: فخندِق على عسكرك، فقالت الزيدية: أتجعل بينك وبين الله جُنة؟ فقال عبد الواحد: أما لولا أن يقال: إني أوردتك ثم لم أصدرك، لعرفت وجه الرأي. وقيل لإبراهيم: اجعل عسكرك كراديس، إذا هُزِمَ منهم كردوس ثبت كردوس، فقالوا: لا نكون إلا صفاً واحداً كما قال الله تعالى في سورة الصف: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾. وعابوا عليه زواجه بامرأة في هذه الظروف ودخوله عليها، مقارنين ذلك بفعل أبي جعفر، وكان يونس النحوي يقول: جاء ابراهيم ليزيل ملكاً فألهته امرأة بطيبها وخضابها.
 
قُتِلَ إبراهيم وهو شاب قد وخطه الشيب، وكان حلو الوجه خفيف اللحية فأفاءً، وكان أيِّداً شديد البطش، أمسك مرة ذنب بعير شرود فانقطع في يده، وكان شاعرا عالما بأخبار العرب وأيامهم وأشعارهم، وهو المصنف الحقيقي للمفضليات: قال المفضل الضبي: والله ما هذا الاختيار لي، ولكن إبراهيم بن عبد الله بن حسن استتر عندي، فكنت أطوف وأعود إليه بالأخبار فيأمرني ويحدثني، ثم حدث لي خروج إلى ضيعتي أياماً فقال لي: اجعل كتبك عندي لأستريح إلى النظر فيها، فجعلت عنده قِمطرين فيهما أشعار وأخبار، فلما عدت وجدته قد علَّم على هذه الأشعار، وكان أحفظ الناس للشعر وأعلمهم به، فجمعتها وزدتها وأخرجتها، فقال الناس: اختيار المفضل.
 
وكان العالم النحوي أبو عمرو بن العلاء في مجلس إبراهيم، فسأل إبراهيم عن رجلٍ من أصحابه فقده، وقال لبعض من حضره: اذهب فسل عنه، فرجع فقال: تركته يريد أن يموت، قال: فضحك منه بعض القوم وقال: في الدنيا إنسان يريد أن يموت؟ فقال إبراهيم: لقد ضحكتم منها عربيةً، إن يريد في معنى يكاد، قال الله تعالى في سورة الكهف: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾، أي يكاد، فقال أبو عمروٍ: ولا نزال بخيرٍ ما كان فينا مثلك.
 
وكان إبراهيم خطيباً مجيداً، قال يحمد لأهل البصرة وقوفهم معه: يا أهل البصرة، لقيتم الحسنى، آويتم الغريب لا أرض ولا سماء، فإن أملك فلكم الجزاء، وإن أهلك فعلى الله عز وجل الوفاء. وصعد إبراهيم المنبر مرة فقال: أيها الناس، إني وجدت جميع ما تطلب العباد في حقهم الخير عند الله عز وجل في ثلاث: في المنطق، والنظر، والسكوت. فكل منطق ليس فيه ذكر فهو لغو، وكل سكوت ليس فيه تفكر فهو سهو، وكل نظر ليس فيه عبرة فهو غفلة، فطوبى لمن كان منطقه ذِكراً، ونظره عبرة، وسكوته تفكراً، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وسلم المسلمون منه.
 
ثم رفع صوته وقال: اللهم إنك ذاكر اليوم آباءً بأبنائهم، وأبناء بآبائهم، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وسلم، اللهم واحفظ الآباء في الأبناء، والأبناء في الآباء، واحفظ ذرية محمد نبيك صلى الله عليه وسلم، قال: فارتجَّ المصلى بالبكاء.
 
وكان إبراهيم حسن الخلق طيب السريرة، آخذاً بالعفو آمراً بالعرف، وله مواقف كثيرة تدل على ذلك، منها موقفه من أمير البصرة محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، وأخيه جعفر، وكانت أمهما أم الحسن بن جعفر بن حسن بن حسن فلما استولى إبراهيم على البصرة أرسل إليهما: يقول لكما خالكما: إن أحببتما جواري وفي الأمن والسعة والرحب، وإن كرهتماه فاذهبا إلى حيث شئتما ولا تسفكا بيننا دماً. ومر إبراهيم بالمربد فوقف على دار سليمان بن علي، فأُخرج له صَبيَّان من ولده فضمهما إليه وقال: هؤلاء والله منا ونحن منهم، إلا أن آباءهما فعلوا بنا وصنعوا. وذكر كلاماً يعتدُّ عليهم فيه بالإساءة.
 
وقد يقول قائل هذا موقفه من الأقارب، ولكن مواقفه مع كثير من أعوان أبي جعفر المنصور تؤكد طبيعته السمحة، فقد أرسل إبراهيم إلى عبد الحميد بن لاحق، فقال: بلغني أن عنك أموالاً للظَلمة - يعني كتاب أبي جعفر- فقال: ما لهم مال. قال: آلله قال: الله! فتركه، وقال: إن ظهر لي أن لهم عندك مالاً عددتك كذاباً. وقبض إبراهيم على حميد بن القاسم، وكان عاملاً لأبي جعفر، فقال له المغيرة: ادفعه إلي، قال: وما تصنع به؟ قال: أعذبه. قال: لا حاجة لي في مال لا يؤخذ إلا بالعذاب.
 
وانتقم المنصور ممن خرجوا مع إبراهيم فقتل بعضهم، وكتب إلى سلم بن قتيبة بالبصرة يأمره بهدم دور من خرج مع ابراهيم، وعقر نخلهم، فكره ذلك ورجا أن يغير رأيه فكتب إليه: بأي ذلك نبدأ بالدور أم بالنخل؟ فكتب إليه أبو جعفر: أما بعد فإني لو أمرتك بإفساد تمرهم، لكتبت تستأذن بأيه تبدأ: بالبرني أو الشهريز؟ وعزله وولى مكانه ابن عمه محمد بن سليمان العباسي فعاث بها فسادا، وهدم دورا كثيرة.
 
ورثاه غالب بن عثمان الهمداني:
 
وقتيل باخمرا الذي ... نادى فأسمع كل شاهدْ
 
نفسي فداؤك من صريع غير ممهود الوسائد
 
وفدتك نفسي من غريب الدار في القوم الأباعد
 
أي امرئ ظفرت به ... أبناء أبناء الولائد
 
فأولئك الشهداء والصبر الكرام لدى الشدائد
 
وكما أشرنا من قبل كانت هذه أول حلقة في سلسلة نزاع مرير بين العباسيين والطالبيين، وذكر هنا ما تلاها من حلقات قريبة، فلم تمض شهور على مقتل إبراهيم حتى خرج عمه ويدعى كذلك إبراهيم، فعاجله المنصور قبل أن يستحكم أمره، فأسره وحبسه مع إخوته وأهل بيته، ومات في الحبس.
 
ثم قام بعده ابن إبراهيم: الحسن بن إبراهيم بن عبد الله، وكان بالبصرة مستتراً، وأرسل دعاته منها إلى كل ناحية؛ فسُعيَ به إلى المنصور، فأرسل إليه من خدعه حتى أمسكه، وبقي في سجن المنصور سنوات إلى أن جاء المهدي بعده فأخرجه من السجن سنة 159 وجعله في عهدة أحد الأمراء، فهرب الحسن، فتلطف المهدي حتى وقع به بعد مدة، ومات سنة نيف وستين ومئة.
 
وخرج في أيام المنصور أيضاً في سنة 146 ابن أخي إبراهيم: عبد الله الأشتر ابن محمد النفس الزكية، وكان قد هرب إلى أرض كابل بالسند بعد قتل أبيه، يدعو أهلها إلى الإسلام، فأسلم على يده خلق كثير، فأعلن خروجه في سنة 146 وانحاز له كثير من أهلها ووقعت معارك كثيرة بينه وبين عامل المنصور على السند، وآل الأمر إلى هزيمته ومقتله في سنة 151، وعمره 33 سنة.
 
وفي أيام المعتز في سنة 251 ظهر حفيده إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بمكة، فعاث وأفسد، وتعرض للحجاج، وقطع الميرة عن الحرم، ثم وقع الطاعون فمات سنة 252.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين