حدث في السادس عشر من ذي الحجة

في السادس عشر من ذي الحجة من عام 816 بويع بالخلافة في القاهرة الخليفة العباسي أبو الفتح داود بن محمد بن أبي بكر بن سليمان بن أحمد بن حسين، وتلقب بالمعتضد بالله، وهو ثالث من تلقب بهذا اللقب من خلفاء بني العباس،  وتولى المعتضد الخلافة بعد خلع أخيه المستعين بالله أبي الفضل العباس، وسيرتهما تعطينا طرفاً عن الخلافة العباسية بعد انتقالها من بغداد إلى القاهرة، وقد بلغ بها الضعف كل مبلغ ومالت إلى الغروب.

بدأت الخلافة العباسية في مصر عندما أتاها الحاكم بأمر الله العباسي، أبو العباس أحمد  ابن الأمير الحسن بن أبي بكر ابن علي القُبِّي العباسي، من ذرية المستظهر ابن المقتدي، فبويع بالخلافة سنة 661، وعقد السلطنة للظاهر بيبرس، وضُربت السكة باسمهما مدة ثم اقتصر على اسم السلطان، وتوفي سنة 701 وهو في عشر الثمانين ودامت خلافته 40 عاماً.
ونطوي سيرة بعض الخلفاء لنتحدث عن الخليفة المستعين بالله الذي بويع بالخلافة في سنة 808 بعد وفاة والده بعهد منه إليه، واستقر بالخلافة وهو شاب دون العشرين، وكان الحكم في يد الملك الناصر فرج المولود سنة 791، الذي تولى الحكم سنة 801 عقب وفاة والده، ثم واجه في أواخر سنة 814 تمرداً توعمه أميران من كبار أمرائه هما شيخ المحمودي ونوروز الحافظي وكانا في دمشق، فتوجه إليهما ومعه الخليفة المستعين بالله، فانكسر الملك الناصر وقُتِل في سنة 815.
ونظراً للتنافس الخفي والظاهر بين أمراء المماليك على منصب السلطان، اجتمع رأي الأمراء الشاميين والمصريين على تعيين الخليفة المستعين بالله سلطاناً درءاً للفتنة، فبايعوه بالسلطنة، فصار خليفة وسلطاناً، ولم يغير لقبه، واستقر الأمير شيخ المحمودي نظام مملكته، والأمير نوروز الحافظي نائب الشام وإليه مرجع البلاد الشامية في الولاية والعزل وغير ذلك، وصار المستعين بالله يعلم على المراسيم، وعاد إلى الديار المصرية وشيخ بخدمته، وسكن بمقر السلطان في قلعة الجبل، ولكن أمور المملكة أصبحت بيد الأمير شيخ المحمودي، والخليفة في السلطنة اسم، فقد فوض الخليفة إليه جميع الأمور، وأنه يولي ويعزل من غير مراجعة، وأشهد عليه بذلك بعد أن توقف الخليفة عن ذلك أياماً حتى أذعن على رغمه.
واستمر الحال على ذلك ستة أشهر إلى شعبان سنة 816 حين دبر الأمير شيخ خلعه من السلطنة من غير أن يوافق المستعين على خلع نفسه، وذلك بتقديم أسباب تبرر ذلك للقضاة فأصدروا حكمهم بخلعه، وإن بقي في منصب الخليفة، ووضع مكرماً تحت الإقامة الجبرية في قلعة الجبل، وأصبح الأمير شيخ سلطان البلاد وتلقب بالملك المؤيد.
ثم خرج الأمير نوروز الحافظي نائب الشام عن طاعة الملك المؤيد، ودعا للمستعين بالسلطنة، وصار يخطب بالبلاد الشامية له، ولما بلغ المؤيد ذلك أراد خلعه، وهو أمر لم يكن سهلاً من الناحية الشرعية، لتوفر المتطلبات الشرعية فيه وتحليه بصفات الخلافة، فقد كان المستعين رحمه الله خيراً ديناً، حشماً وقوراً كريماً، وعنده تواضع وسؤدد، فقام الملك المؤيد بعرض الأمر على القضاة وحذرهم وقوع فتنة من هذه القضية؛ فأشار بعض القضاة بخلعه من الخلافة، صيانة لدم المسلمين، وخوفاً من إفساد أحوال الرعية، فدعا المؤيد في السادس عشر من ذي الحجة أخاه الأمير داود بن المتوكل على الله، فحضر إلى بين يدي الملك المؤيد بقلعة الجبل، بحضور القضاة الأربعة، فعندما رآه المؤيد قام له وألبسه خلعة الخلافة، وأجلسه بجانبه بينه وبين قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني، ثم دعا القضاةُ وانصرفوا على أن المستعين قد خُلِع واستقر داود في الخلافة عوضه ولقب بالمعتضد بالله.
قال المقريزي: وكانت العادة أن يدعى على المنابر بذكر كنية الخليفة ولقبه، فمن حين مُنِعَ المستعين بالله المذكور لم يُذْكر ذلك وإلى الآن، بل استمر الخطباء يقولون: اللهم أصلح الخليفة، من غير ذكر اسمه، ومنهم من يقول: اللهم أيد الخلافة العباسية ببقاء مولانا السلطان.
وأرسِلَ المستعين إلى الإسكندرية وسجن بها إلى أن مات الملك المؤيد في سنة 824 وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد، ثم خلع بالملك الظاهر ططر، الذي أفرج عن المستعين بالله، وسمح له بأن يسكن حيث شاء بالإسكندرية، ويخرج راكباً ليصلي الجمعة، ويتوجه حيث شاء، وأرسل إليه بهدايا، ورتب له في كل يوم ثمانمئة درهم، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بالطاعون في الإسكندرية سنة 833، وهو دون الأربعين من العمر.
قال معاصره المؤرخ يوسف ابن تغري بردي: كان المعتضد سيد بني العباس في زمانه، وكان أهلاً للخلافة بلا مدافعة، كريماً، عاقلاً، سيوساً، ديناً، حلو المحاضرة، كثير الصدقات والبر للفقراء، وكان يحب طلبة العلم، ويكرمهم، ويحاضرهم كثيراً.
و كان جيد الفهم، ذكياً، ويميل إلى الأدب وأهله. وكان يجتهد في السير على طريقة الخلفاء ممن قبله مع جلسائه وندمائه، فيضعف موجوده عن إدراك ما يرومه، وربما كان يتحمل بسبب هذا الديون، وذلك لعلو همته مع قلة متحصله، لأن متحصل إقطاعه في السنة دون الأربعة آلاف دينار. وجميع ما كان يتكلفه لنفسه ولحواشيه ولمماليكه من النفقات والجوامك، والكلف، والمترددين، وغير ذلك كله من هذا الإقطاع لا غير! هذا وهو خليفة الوقت، ومتحصله هذا النزر الهين، والعجب أن متحصل بعض أصاغر الأقباط الأسلمية أضعاف ذلك، فليت شعري، ماذا يكون جواب الملوك عن ذلك؟!
وكان يحب اللطافة والدقة الأدبية، وكان له مشاركة وفضيلة. هذا مع الدين المتين، والأوراد الهائلة في كل يوم، جالسته غير مرة، فلم أر عليه ما أكره، وكنت أدخل إلى حرمه، لأن زوجته بنت الأمير دمرداش كانت قبله تحت والدي رحمه الله ثم اتصلت بأمير المؤمنين المعتضد إلى أن توفي عنها بعد مرض طويل.
كانت للمتعضد علاقات وثيقة  بأهل عصره من العلماء والوجهاء، ويبدو أنها كانت تدور على كرمه وسخائه، ومنها ماجرى له مع الإمام ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي المولود سنة 773، والمتوفى بالقاهرة سنة 852، قال السخاوي في ترجمة المعتضد في الضوء اللامع: ولما سافر الخليفة المعتضد وشيخنا ابن حجر مع الملك الأشرف إلى آمد كان المعتضد كثير الإمداد لشيخنا والاهداء له فكتب له شيخنا بقوله:
يا سيداً ساد بني الدنيا فهُمْ ... تحت لوائه الكريم المنعقد
أمددتني فضلاً وشكري قاصر ... فإن أردت الشكر مني فاقتصد
أشبهت عباس الندى في المَحْل إذ ... أطاعه الغيث و قد كان فقد
إلى أبي الفضل انتهى الجود وفي ... أولاده بقية فسل تجد
ما جدَّ حتى حاز جود جدّه ... إلا أمير المؤمنين المعتضد
دامت خلافة المعتضد  قرابة ثلاثين سنة، وشهد في مدة خلافته سبعة ملوك كان له دور تكميلي في تعاقبهم المضحك - وشرُّ الأمور مضحكاتها - بين الوالد وولده الصغير وكبير الأمراء:
1.    المملك المؤيد شيخ المحمودي، المولود سنة 759: ورأينا كيف وصل إلى الحكم في سنة 815، وعصاه نوروز الحافظي نائب الملك في الشام، فقصده إلى دمشق سنة 817 والخليفة المعتضد بالله معه، فكسره وقتله، ثم توفي الملك المؤيد سنة 824 وأوصى بالحكم من بعده لابنه الرضيع الذي لم يبلغ عامين من العمر! وكان الملك المؤيد شيخ شجاعا، وافر العقل، كريماً، بصيرا بمكايد الحروب، عارفا بالموسيقى، يقول الشعر ويضع الألحان ويغني بها في ساعات لهوه، وأبقى عدة آثار من العمران منها جامع الملك المؤيد الباقي إلى اليوم في داخل باب زويلة.
2.    الملك المظفر أحمد المولود بالقاهرة سنة 822: لما مات أبوه الملك المؤيد سنة 824، كان لا يزال رضيعاً، وفكر بعض الأمراء في تغييره، فتعصب له مماليك أبيه وقالوا ما نسلطن إلا ابن أستاذنا! وكانوا نحو خمسة آلاف، فأطاعهم الأمراء، وطلبوا الخليفة المعتضد بالله والقضاة والأعيان لإقامة الأمير أحمد بن السلطان في السلطنة، فخلع عليه فتسلطن، ولقبوه بالملك المظفر، على أن يقوم بتدبير مملكته الأمير ططر، ومشت الأمراء بين يديه وهو يبكي من صغر سنه مما أذهله من عظم الغوغاء، وقوة الحركة، وصار من حوله من الأمراء وغيرهم يشغله بالكلام، ويتلطف به، ويسكن روعه، ويناوله من التحف ما يشغله به عن البكاء، حتى وصل إلى القصر السلطاني من القلعة، فأنزل من على فرسه، وحمل حتى أجلس على سرير الملك وهو يبكي، وقبل الأمراء الأرض بين يديه بسرعة، ولقبوه بالملك المظفر بحضرة الخليفة المعتضد بالله، والقضاة الأربعة، ونودي في الحال بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته.
وخرجت بلاد الشام عن طاعة هذا السلطان الرضيع وحشد نوابها الجموع، فقصدهم ططر، ومعه الملك المظفر في محفة، وأمه خوند سعادات ومرضعته، فلما بلغوا الشام تزوج ططر بأم المظفر، وقتل رؤوس الفتنة، وخضعت له البلاد، ثم لم يلبث أن خلع المظفر، في مجلس بقلعة دمشق حضره الخليفة المعتضد بالله والقضاة وكبار الأمراء، وسأل الخليفة المراء عن رأيهم في توليه السلطنة، فقال الجميع: نحن راضون بالأمير الكبير ططر، وبايعوه بالسلطنة، وتلقب بالملك الظاهر، وطلق أم المظفر خوفا من انتقامها لابنها، ونهض من دمشق فدخل مصر، وأرسل المظفر إلى السجن بالاسكندرية ومعه مرضعته، فمات فيها بالطاعون سنة 833.
3.    الملك الظاهر ططر، المولود سنة 769: تولى الحكم بدمشق كما ذكرنا سنة 824،  وعاد إلى مصر مريضا، ثم توفي، وكانت مدة سلطنته 94 يوماً، ولما شعر بدنو أجله جمع الخليفة المعتضد بالله والقضاة، وعَهِدَ لولده محمد وكان في حدود العاشرة، ولُقِب بالملك الصالح وأن يكون الأمير جانبك الصوفي متكلماً في الأمور، ويكون الأمير برسباي الدقماقي وصياً، وحلَّف الأمراء على ذلك.
4.    الملك الصالح محمد: حضر الخليفة المعتضد بالله والقضاة والأمراء إثر وفاة الملك الظاهر ططر، وجلسوا بباب الستارة من القلعة، وطلبوا ابنه محمد من الدور السلطانية، فحضر إليهم، فلما رآه الخليفة قام له وأجلسه بجانبه، وبايعه بالسلطنة، ثم ألبسوه خلعة السلطنة، وركب فرس النوبة بشعار الملك وأبهة السلطنة، وسار إلى القصر السلطاني والأمراء وجميع أرباب الدولة مشاة بين يديه، حتى دخل إلى القصر السلطاني بقلعة الجبل، وجلس على تخت الملك، وقبل الأمراء الأرض بين يديه على العادة، ثم فوض الخليفة المعتضد بالله للأمير برسباي أمور الدولة بأسرها، ليقوم بتدبير ذلك عن السلطان الصالح محمد إلى أن يبلغ رشده، وحكم بصحة ذلك قاضي القضاة.
ولم يدم الملك الصالح في الحكم أكثر من أربعة أشهر، ففي سنة 825 جرى خلع الملك الصالح محمد بن ططر، ومبايعة الوصي الأمير برسباي الذي تلقب بالملك الأشرف، وذلك في مجلس حضره الخليفة والقضاة وجميع الأمراء والأمير نائب الشام. وبويع بالسلطنة، وركب من طبقة الأشرفية بقلعة الجبل والأمراء مشاة بين يديه إلى أن نزل على باب القصر، ودخل وجلس على تخت الملك، وقبلت الأمراء الأرض بين يديه، وخَلَع على الخليفة المعتضد بالله.
5.    الملك الأشرف برسباي، المولود سنة 766: هدأت البلاد في أيام الملك الأشرف برسباي، إذ أطاعه الأمراء - أو طوّعهم -وغزا قبرص ففتحها وأسر ملكها، وأنشأ مدارس بمصر وعمارات نافعة، وكان ملكا جليلا مبجلا منقادا للشريعة يحب أهل العلم، مهيبا مع لين جانب. ولما تزايد المرض بالسلطان الملك برسباي في أواخر سنة 841 عَهِدَ إلى ولده يوسف، وكان في الرابعة عشرة من عمره، وذلك في مجلس ضم الخليفة المعتضد والقضاة والأمراء والمماليك وأهل الدولة، وأطلَّ عليه السلطان المريض محمولا، فقام القاضى زين الدين عبد الباسط وفتح باب الكلام في عهد السلطان من بعد وفاته لابنه بالسلطنة، وكان حاضراً مع أبيه، فأثنى الخليفة على ذلك وأشار به، فأشهد السلطان على نفسه بأنه عهد إلى ولده الملك العزيز يوسف من بعد وفاته بالسلطة، فأمضى الخليفة العهد، وشهد بذلك القضاة، ثم كتب القاضى شرف الدين الأشقر إشهاداً على السلطان بأنه جعل الأمير الكبير جقمق العلائى قائما بتدبير أمور الملك العزيز، وأخذ فيه خط الخليفة بالإمضاء، وشهادة القضاة عليه بذلك، فألصقه بالعهد.
6.    الملك العزيز يوسف: لبس الملك العزيز خلعة السلطنة بحضور الخليفة المعتضد والقضاة والأمراء وأعيان الدولة، وتقدم إليه الخليفة المعتضد بالله فبايعه ثم ألبسه خلعة السلطنة، وركب من باب الستارة وجميع الأمراء مشاة بين يديه، حتى نزل على باب القصر السلطاني، ودخل إليه وجلس على سرير الملك وعمره يومئذ أربع عشرة سنة وسبعة أشهر. ولكن لم تمض ثلاثة أشهر حتى جرى خلع الملك العزيز يوسف. وبعد تعيينه بقليل أنعم السلطان الملك العزيز على الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله بأرض على النيل تسمى جزيرة الصابوني.
7.    الملك الظاهر جقمق: وتولى السلطنة في سنة 841 بعد الملك العزيز، وتلقب بالملك الظاهر، وجرى ذلك في مجلس حضره الخليفة المعتضد بالله والقضاة الأربع وسائر الأمراء وأعيان الدولة، ثم تكلم بعض من حضر من الأمراء بأن قال: السلطان الملك العزيز صغير، والأحوال ضائعة، ولا بد من سلطان ينظر في مصالح المسلمين، وينفرد بالكلمة في الممالك، ولم يكن يصلح لهذا الأمر سوى الأمير الكبير جقمق هذا. فقال جقمق: هذا لا يتم إلا برضى الجماعة، فصاح الجميع بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، فعندذلك مدَّ الخليفة يده فبايعه، ثم بايعه القضاة والأمراء على مراتبهم، ثم قام من فوره ولبس الخلعة السوداء وتقلد بالسيف على العادة، وركب فرس النوبة،والأمراء مشاة بين يديه. قال ابن إياس عنه: كان ملكا عظيما جليلا دينا متواضعا كريما، هدأت البلاد في أيامه من الفتن، وكان فصيحا بالعربية، متفقها، له مسائل في الفقه عويصة يُرجَع إليه فيها، وكانت فيه حدة، وآذى بعض العلماء. ودام حكم الملك الظاهر جقمق إلى سنة 857.
ولأهمية الخلافة في الإسلام، كان السعي إلى اعترافها أمراً مهماً لإضفاء الشرعية على الملك، وقد انتشر هذا التقليد حيث انتشر الإسلام، ففي سنة 832 أرسل سلطان البنغال في الهند، جلال الدين أبو المظفر محمد بن فندو، يطلب من الخليفة المعتضد بالله تقليداً بسلطنة الهند، وأرسل بمال إلى مكة، وبهدية إلى مصر،  فبعث إليه الخليفة الخلعة والتشريف مع بعض الأشراف، وكان فندو أبوه غير مسلم، فأسلم جلال الدين هذا، وحسن إسلامه، وبنى الجوامع والمساجد وعمر أيضاً ما خرب في أيام أبيه من المدن، وأقام شعائر الإسلام.
عانى الخليفة المعتضد بالله من مرض لزمه قبل وفاته بفترة طويلة، ثم توفي في 4 ربيع الأول سنة 845 وقد قارب السبعين، وصلي عليه بحضور السلطان فمن دونه، ودفن في مدافن الخلفاء بمشهد السيدة نفيسة رحمه الله.
عهد المعتضد لأخيه سليمان بأن يليه في منصب الخلافة، وذلك لثقته بدينه وتقواه، وقال عنه: لم أر عليه منذ نشأ كبيرة، وهذه صورة العهد الذي كتبه أبو بكر والد الإمام جلال الدين السيوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أشهد على نفسه الشريفة حرسها الله وحماها، وصانها من الأكدار ورعاها، سيدنا ومولانا ذو المواقف الشريفة الطاهرة الزكية الإمامية الأعظمية العباسية النبوية المعتضدية، أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين، ووارث الخلفاء الراشدين، المعتضد بالله تعالى أبو الفتح داود، أعز الله به الدين، وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين؛ أنه عهد إلى شقيقه المقر العالي المولدي الأصيلي العريقي الحسيبي النسيبي السليلي سيدي أبي ربيع سليمان المستكفي بالله، عظم الله شأنه، بالخلافة المعظمة، وجعله خليفة بعده، ونصبه إماما على المسلمين، عهداً شرعياً، معتبراً مرضياً، نصيحة للمسلمين، ووفاء بما يجي عليه من مراعاة مصالح الموحدين، واقتداء بسنة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين.
وذلك لما علم من دينه وخيره، وعدالته وكفالته وأهليته، واستحقاقه بحكم أنه اختبر حاله، وعلم طوينه، وأن الذي يدين الله به أنه أتقى لله ممن رآه، وأنه لا يعلم صدر منه ما ينافي استحقاقه لذلك، وإنه إن ترك الأمر هملا من غير تفويض للمشار إليه أدخل إذ ذاك المشقة على أهل الحل والعقد في اختيار من ينصبونه للإمامة، ويرتضونه لهذا الشأن، فبادر إلى هذا الشان، شفقة عليهم، وقصداً لبراءة ذمتهم ووصول الأمر إلى من هو أهله، لعلمه أن العهد كان غير محوج إلى رضا سائر أهله، ووجب على من سمعه وتحمل ذلك منه أن يعلم به، ويأمر بطاعته عند الحاجة إليه، ويدعو الناس إلى الانقياد له، فسجَّل ذلك على من حضره حسب إذنه الشريف، وسطر عن أمره قبل ذلك سيدي المستكفي أبو الربيع سليمان، المسمى فيه، عظم الله شانه قبولاً شرعياً.
وكان سليمان حسن السيرة ديناً خيراً عفيفاً متواضعاً تام العقل كثير الصمت والتعبد والصلاة والتلاوة منعزلاً عن الناس، وتوفي سنة 855، وشهد السلطان جنازته ماشياً إلى المشهد النفيسي حيث دفن

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين