حدث في الثامن من ذي القعدة 669

 

عزل ابن خلكان عن القضاء في دمشق وانتقاله للقاهرة  

 

مع ترجمة له وتعريف بكتابه" وفيات الأعيان" 

 

في الثامن من ذي القعدة من سنة 669 خرج قاضي القضاة شمس الدين ابن خِلِّكان من دمشق إلى القاهرة، بعد أن عزله الملك الظاهر بيبرس عن منصب قاضي القضاة الذي مكث فيه 10 سنوات كوامل، مسؤولاً عن قضاء المنطقة الواقعة من العريش إلى الفرات، إضافة إلى توليه النظر على جميع أوقاف الشام من الجامع والمارستان والمدارس والأحباس وتدريس سبع مدارس.

 

وجاء عزل ابن خلكان وتولية القاضي عز الدين محمد بن عبد القادر المعروف بابن الصائغ، بمسعى من وزير الظاهر بيبرس الصاحب بهاء الدين ابن حنا، علي بن محمد بن سليم المصري، المولود سنة 603 والمتوفى سنة 677، وحزن كثير من أهل الشام على عزل ورحيل ابن خلكان، وقال في ذلك الشيخ شهاب الدين أحمد بن غانم:

 

وليتَ فأوليتَ الورى كل نعمة ... وزلتَ وما زال الثناءُ ولا الشكر

 

فإن عدت عاد الخير والفضل والندى ... وإن تكن الأخرى - وحوشيت - فالصبر

 

ولم تكن هذه آخر مرة لابن خلكان في قضاء دمشق، فسيتولاه أخرى في آخر سنة 676، ويبقى فيه قرابة سنتين إلى سنة 679، حيث سيعزل عنه ويتولاه ابن الصائغ، فيتفرغ للتدريس قرابة سنة ونصف حتى أدركته المنية المحتومة في 26 رجب سنة 681.

 

وقبل أن نتحدث عن حياة ابن خلكان ينبغي أن نشير أن تناوب العزل والتولية بينه وبين ابن الصائغ لم يكن فيه مطعن على أحد منهما، ولم يتخلله فساد أو رشوة كما سيؤول إليه الأمر في عهود الدولة المملوكية المتأخرة، فقد كان ابن الصائغ مثال القاضي العادل الدقيق الحريص على أموال اليتامى والقصر، ولكن استاء منه رجال الدولة لأنه كان صارماً شديداً معهم يوبخهم أشد توبيخ إذا هم حاولوا التوسط لديه، أما ابن خلكان فكان كما سنرى لين المعشر دمث الأخلاق، دون أن يمس ذلك نزاهته ومكانته.

 

بعد هذا نعود لنتحدث عن ابن خلكان، فنقول: ولد شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان في 11 ربيع الآخر سنة 608 في مدينة إربل في شمال العراق، لأسرة انتسبت لقبيلة الأكراد الزرزارية، ولكن أصلها من مدينة بلخ في شرقي أفغانستان، المعروفة اليوم بمزار شريف، وهي أسرة ينتهي نسبها للبرامكة الوزراء المشهورين في الدولة العباسية، وكان جده الثاني؛ أبو بكر أول من توجه من الأسرة لطلب العلم، فدرس الفقه على الإمام الشافعي الكبير أبي إسحاق الفيروزابادي الشيرازي، إبراهيم بن علي، المولود بفيروزآباد قرب شيراز سنة 393، والمتوفى في بغداد سنة 476، وتوفي الجد سنة 525 وقد ناهز 90 سنة.

 

وكان والده مدرساً في مدرسة الملك المعظم فيها، وتوفي الوالد في شعبان سنة 610، ويبدو أن الوالد رحمه الله كان من كبار شيوخ إربل إن لم يكن أكبرهم، ويدل على ذلك أن كل مشايخ إربل والموصل وما حولها كانوا يحملون للوالد الاحترام والتقدير وبالغ المودة، وانعكس هذا في برهم لأبنائه واهتمامهم بهم.

 

وحضر ابن خلكان وهو صغير مدرك دروس الشيخ شرف الدين أبو الفضل ابن منعة، أحمد بن موسى بن يونس الموصلي، المولود سنة 575 والمتوفى سنة 622، والذي تولى التدريس في المدرسة بعد والده، وقال ابن خلكان عن الشيخ شرف الدين: و كنت أحضر دروسه وأنا صغير، وما سمعت أحدا يلقي الدروس مثله ... ولقد كان من محاسن الوجود، وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني.

 

وسمع ابن خلكان صحيح البخاري بسنده في مدينة إربل سنة 621 على الشيخ الصالح أبي جعفر محمد بن هبة الله بن المكرم بن عبد الله الصوفي البغدادي، المولود سنة 538 والمتوفى سنة 621 ببغداد، ودرس في سنتي 625 و626 الخلاف الفقهي على الشيخ الأصولي الفلكي أثير الدين المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري، المتوفى سنة 663، والذي جاء من الموصل إلى إربل، ونزل بدار الحديث فيها.

 

ويبدو أن ابن خلكان وأخاه الأكبر بهاء الدين محمد رحلا من إربل إلى حلب في طلب العلم في سنة 626، ومرا بالموصل مروراً عابراً لم يتسنى لهما معه الأخذ عن مشايخها، فإنه يقول في ترجمته المطولة والحافلة بالثناء للشيخ كمال الدين أبي الفتح ابن منعة، موسى بن يونس الموصلي، المولود سنة 551 والمتوفى سنة 639، ووالد الشيخ شرف الدين الذي سبق ذكره: ولقد رأيته بالموصل في رمضان سنة 626، وترددت إليه دفعات عديدة لما كان بينه وبين الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة، ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام.

 

ورحل ابن خلكان إلى حلب الشهباء، وتوأم الموصل، في شوال من سنة 626 في رحلة يبدو أنها كانت عبر السفن في دجلة، لأنه يذكر أنه اجتاز بحرّان في شوال من تلك السنة، ودخل حلب في 1 من ذي القعدة سنة 626، ووصفها بقوله: وهي إذ ذاك أم البلاد مشحونة بالعلماء والمشتغلين، ودرس أول ما درس على الشيخ موفق الدين أبي البقاء ابن يعيش، يعيش بن علي بن يعيش، الموصلى الأصل، الحلبي المولد والمنشأ، المولود سنة 553 والمتوفى سنة 643، قال ابن خلكان: وكان الشيخ موفق الدين شيخ الجماعة في الأدب؛ لم يكن فيهم مثله، فشرعتُ في القراءة عليه، وكان يقرئ بجامعها في المقصورة الشمالية بعد العصر، وبين الصلاتين بالمدرسة الرواحية، وكان عنده جماعة قد تنبهوا وتميزوا به، وهم ملازمون مجلسه لا يفارقونه في وقت الإقراء، وابتدأت بكتاب "اللمع" لابن جني، فقرأت عليه معظمه مع سماعي لدروس الجماعة الحاضرين، وذلك في أواخر سنة 627، وما أتممتها إلا على غيره لعذر اقتضى ذلك. وكان حسنَ التفهيم، لطيفَ الكلام، طويل الروح على المبتدئ والمنتهي، وكان خفيف الروح، ظريفَ الشمائل، كثير المزاح، مع سكينة ووقار.

 

ودرس ابن خلِّكان في حلب على بهاء الدين أبي المحاسن ابن شدّاد، يوسف بن رافع المولود بالموصل سنة 539، والمتوفى بحلب سنة 632، قال ابن خلكان: وكان بين والدي، رحمه الله تعالى، وبين القاضي أبي المحاسن مؤانسة كثيرة وصحبة صحيحة المودة من زمن الاشتغال بالموصل، فجئت إليه، وكان أخي قد سبقني بمدة قليلة، وكتب سلطان بلدنا الملك المعظم مظفر الدين أبو سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين، رحمه الله تعالى، كتاباً بليغاً في حقنا يقول فيه: أنت تعلم ما يلزم من أمر هذين الولدين، وأنهما ولدا أخي وولدا أخيك، ولا حاجة مع هذا إلى تأكيد وصية، وأطال القول في ذلك، فتفضل القاضي أبو المحاسن وتلقانا بالقبول والإكرام، وأحسن حسب الإمكان وعمل ما يليق بمثله، وأنزلنا في مدرسته ورتب لنا أعلى الوظائف، وألحقنا بالكبار، مع الشبيبة في السن والابتداء في الاشتغال، ولم نزل عنده إلى أن توفي، ولم يكن بمدرسته في ذلك الزمان درس عام، لأنه كان المدرس بنفسه، وكان قد طعن في السن وضعف عن الحركة وحفظ الدروس وإلقائها، فرتب أربعة من الفقهاء الفضلاء برسم الإعادة، والجماعة يشتغلون عليهم.

وقرأ ابن خلكان وأخوه على على الشيخ جمال الدين أبي بكر الماهاني، لأنه كان من بلدهم، ورفيق والدهم في طلب العلم، فلما أدركته المنية في سنة 627، درس ابن خلكان عند الشيخ نجم الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي المعروف بابن الخباز الموصلي الفقيه الإمام، وهو إذ ذاك مدرس المدرسة السيفية في حلب، فقرأ عليه قسماً من كتاب الوجيز للغزالي.

 

والتقى ابن خلكان في حلب بالحافظ المؤرخ عز الدين ابن الأثير، علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد، الشيباني، الجزري، المولود سنة 555 والمتوفى بالموصل سنة 630، وصاحب التاريخ المشهور وكتاب "أُسْد الغابة في معرفة الصحابة"، قال ابن خلكان: ولما وصلت إلى حلب كان عز الدين مقيماً بها في صورة الضيف عند الطواشي شهاب الدين طغريل الخادم أتابك الملك العزيز ابن الملك الظاهر صاحب حلب، وكان الطواشي كثير الإقبال عليه، حسن الاعتقاد فيه، مكرماً له، فاجتمعت به فوجدته رجلاً مكملاً في الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع، فلازمت الترداد إليه، وكان بينه وبين الوالد، رحمه الله تعالى، مؤانسة أكيدة، فكان بسببها يبالغ في الرعاية والإكرام. ثم إنه سافر إلى دمشق في أثناء سنة 627، ثم عاد إلى حلب في أثناء سنة 628، فجريت معه على عادة الترداد والملازمة، وأقام قليلاً ثم توجه إلى الموصل.

 

وعز الدين ابن الأثير هو أحد إخوة ثلاثة من العلماء الأدباء الفضلاء، فأخوه هو المحدث مجد الدين المبارك المولود 544 والمتوفى سنة 606، وصاحب "جامع الأصول في أحاديث الرسول"، وكتاب "النهاية في غريب الحديث"، وأخوه هو الكاتب الأديب ضياء الدين نصر الله المولود 558 والمتوفى سنة 637، وصاحب كتاب "المثل السائر في آداب الكاتب والشاعر"، قال ابن خلكان في ترجمته: ولقد ترددت إلى الموصل من إربل أكثر من عشر مرات، وهو مقيم بها، وكنت أود الاجتماع به لآخذ عنه شيئاً، ولما كان بينه وبين الوالد، رحمه الله تعالى، من المودة الأكيدة، فلم يتفق ذلك.

 

وانتقل ابن خلكان إلى دمشق سنة 632 وأقام فيها سنة درس فيها على الإمام تقي الدين ابن الصلاح، المولود سنة 577 في قرية شَرَخَان بإربل، والمتوفى في مستوطنه دمشق سنة 743، قال ابن خلكان عن شيخه ابن الصلاح: كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وكانت فتاويه مسدَّدة، وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم، قرأ الفقه أولاً على والده الصلاح، وكان من جلة مشايخ الأكراد المشار إليهم.

 

ثم سافر ابن خلكان للقاهرة سنة 633 وكان ملكها آنذاك الملك الكامل محمد ابن الملك العادل محمد بن أيوب، وتوفي الملك الكامل سنة 635، وخلفه ابنه الملك العادل سيف الدين محمد، وشهد ابن خلكان في بضع عشرة سنة تلت، أفول الدولة الأيوبية ثم سقوطها ونشوء دولة المماليك، فقد جاء من حلب الملك الصالح نجم الدين أيوب الأخ الأكبر للملك العادل، وحاربه واستولى على مصر في سنة 637، وضبط أمور البلاد بحزم وهيبة، ولكن الفرنج أغاروا على دمياط في سنة 647 مستغلين غيبة الملك الصالح في دمشق، فعاد من دمشق على جناح السرعة وقد فتك به مرض السل، ورابط أمام الفرنج بالمنصورة حتى مات، فكتمت زوجته شجرة الدر وكبار الأمراء موته، وأرسلوا وراء ابنه تورانشاه ليأتي من حصن كيفا في ديار بكر، في جنوب تركيا اليوم، فجاء وهزم الفرنج واسترد دمياط، ولكنه أساء السيرة وتنكر لزوجة أبيه ولمماليكه، فقتلوه في سنة 648، وتولى السلطنة الملك المعز أيبك بن عبد الله التركماني وتزوج بشجرة الدر، ولكنها دبرت قتله في سنة 656 ما إن علمت أنه يريد الزواج عليها، وعين المماليك ابنه علياً وهو في الحادية عشرة من عمره، وثم جاءت الأخبار بسقوط بغداد في يد هولاكو وتحركه نحو حلب، فأجمع الأمراء على خلعه في سنة 657 وولوا نائب السلطنة الأمير سيف الدين قُطز الذي تلقب بالملك المظفر وواجه المغول في عين جالوت وكسرهم، قبل أن يتآمر عليه كبار أمرائه بقيادة نائبه الأمير بيبرس فيقتلوه وينصبوا بيبرس ملكاً على مصر والشام متلقباً بالملك الظاهر.

 

ويسرد ابن خلكان هذه الأحداث بتسلسلها في كتابه "وفيات الأعيان"، ثم يقول: هذه الفصول ذكرت خلاصتها، ولو فصلتها لطال الشرح، والمقصود الاختصار وطلب الإنجاز مع أني كنت حاضراً أكثر وقائعها. ونستفيد من سرد ابن خلكان هذا أنه كان بعيداً عن رجال الدولة وأروقة الحكم، فهو يتحدث بصيغة المراقب البعيد، وإذا ذكر أمراً وأراد تأكيده عزاه إلى غيره ممن شهده وكان ثقة عنده.

 

وكانت أول وظيفة لابن خلكان في سلك القضاء هي نيابته عن القاضي بدر الدين السنجاري، يوسف بن الحسن المولود في إربل سنة 590، والذي كان قاضي سنجار فقيل له السنجاري، وكان مقرباً من الملك الصالح نجم الدين أيوب قبل استيلائه على مصر، فلما ملك مصر جاءه السنجاري فعينه في سنة 639 قاضياً على مصر العتيقة والوجه القبلي، ثم مالبث أن جعله قاضي القاهرة والوجه البحري، وفي الحالتين استناب السنجاري ابن خلكان، واستناب ابن خلكان أخاه بهاء الدين محمد على قضاء الجيزة، ويذكر بعض المؤرخين أن ابن خلكان صار القاضي الفعلي وصارت: أكثر الثبوتات والتعلقات مَنوطة به. ولعل استنابة السنجاري لابن خلكان تستند إلى جانب الكفاءة إلى صلة البلد والنسب، فقد كان القاضي من إربل من الأكراد الزرزارية، ويشير إليه بعض المؤرخين بقولهم ابن عم ابن خلكان، ولكن لعل ذلك على المجاز لا الحقيقة، فلم يشر ابن خلكان إلى أية قرابة بينهما.

 

ولا نجد كثيراً من التفاصيل عن هذه الفترة في حياة ابن خلكان، ولا ندري هل بقي في نيابة القضاء عندما عزل بدر الدين السنجاري في سنة 648 لفترة وجيزة، وكذلك هل استفاد من ترقية السنجاري الذي صار وزيراً في دولة المعز أيبك في سنة 655، ثم صرفه الظاهر بيبرس في سنة 659، ولم يعد له أي منصب في الدولة حتى وفاته بالقاهرة سنة 663.

 

وفي رمضان سنة 659 أراد الظاهر بيبرس السفر للشام وخرج إلى ظاهر القاهرة، وكانت قد وصلته ملاحظات على قاضي دمشق، فاستشار الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي فيمن يوليه، فأشار عليه بابن خلكان، فطلبه ليسير معه، وبقي ابن خلكان قاضياً على دمشق منفرداً إلى سنة 663، حين أمر الظاهر بيبرس باستحداث وظيفة قاض لكل مذهب من المذاهب الأربعة، بعد أن كانت العادة في مصر أن يكون القاضي شافعياً ويستنيب عنه قضاة يمثلون المذاهب الثلاثة، وجاءت من مصر إلى دمشق مراسيم تقليد القضاء لثلاثة من علمائها هم شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الحنفي، وشمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر الحنبلي، وزين الدين عبد السلام الزواوي المالكي، فقال بعض الأدباء الظرفاء في اجتماع ثلاثة قضاة كلهم يلقب بشمس الدين:

 

بدمشقٍ آيةٌ قد ... ظهرت للناس عاما

 

كلما ازدادوا شموساً ... زادت الدنيا ظلاما

 

واستناب ابن خلكان الفقيه شمس الدين الشهرزوري علي بن محمود بن علي الشافعي، المتوفى سنة 675، وكان صالحاً تقياً عارفاً بالفقه، ولما عزل ابن خلكان انعزل الشهرزوري معه، ولكن الأمير ناصر الدين القيمري فوض إليه تدريس مدرسته التي أنشأها وجعلها وقفاً على الفقيه وعلى ذريته ما وجدت فيهم الأهلية، واستناب ابن خلكان في هذه الفترة الإمام النووي محي الدين يحيى بن شرف، المولود سنة 631 بنوى في حوران والمتوفى سنة 677، ليدرس عنه في عدة مدارس في دمشق.

 

وفي منتصف سنة 669 جاء الملك الظاهر بيبرس من مصر وشن حملة مظفرة على بقايا الصليبيين في المدن والحصون التي بقيت لهم في السواحل الشامية، وكان كلما فتح حصناً أرسل كتب البشائر بذلك إلى أنحاء المملكة وينقل لنا المؤرخون عدداً متتاليا منها أرسله الظاهر بيبرس لابن خلكان في دمشق، ومن ذلك قوله في كتاب أرسله بعد فتح حصن أرسوف: جدد الله البشائر الواردة على المجلس السامي القضائي وأسره بما أسمعه، وأبطل ببركته كيد العدو ودفعه، وجاء بها سبب الخير وجمعه، ولا زالت التهاني إليه واردة، والمسرات عليه وافدة، ونعم الله وبركاته لديه متزايدة، هذه المكاتبة تبشر بنصر من الله وفتح قريب، وهناء يأخذ له المجلس منه أوفر نصيب... وعجلنا للمجلس بهذه البشارة ليأخذ منها حظاً وافرا، ويقرأ آيات نصر الله على أصحابه من الفقهاء والعدول، ويحدث بها فيكون تالياً لها بين الأنام وذاكرا، ويكتب بمضمون ذلك إلى نوابه من الحكام، وليشهر هذا الخبر السعيد بين الأنام، ويواصلنا بدعائه، فإننا نرجو به الزيادة والله تعالى يجزينا ويجزيه من ألطافه على أجمل عادة، بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.

 

ودخل الظاهر بيبرس دمشق في 15 شوال من سنة 669، وأصدر أمره بعزل قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان، وولي القاضي عز الدين محمد ابن عبد القادر بن عبد الخالق المعروف بابن الصائغ، وجاء ذلك دون سابق إنذار أو إرهاصات، وكان خطاب العزل والتولية قد كتب قبل 10 أيام، وفي 8 ذي القعدة غادر ابن خلكان دمشق إلى القاهرة كما ذكرنا في أول الحديث.

 

وفي 28 محرم سنة 676 توفي الملك الظاهر بيبرس في دمشق، وخلفه ابنه الملك السعيد، وفي آخر سنة 676 أصدر الملك السعيد أمره بعزل ابن الصائغ وتعيين ابن خلكان، وسيأتي ابن خلكان ويدخل دمشق في 23 محرم سنة 677 دخولاً حافلاً ليس له نظير، فقد خرج نائب السلطنة الأمير عز الدين ايدمر بجميع الموكب والأمراء لتلقيه، وخرج رؤساء البلد وعدوله فتلقوه قبل عدة مراحل، وازدحم الناس لشهوده والترحيب به، ومدحه الشعراء وهنؤه بقدومه، ومن ذلك ما قاله رشيد الدين الفارقي:

 

أنت في الشام مثل يوسف في مصر وعندي أن الكرام جِناسُ

 

ولكلٍّ سبعٌ شدادٌ وبعد السبع ... عامٌ يغاث فيه الناس

 

وباشر ابن خلكان نشاطه العلمي في دمشق فدرس في المدرسة الظاهرية، وكان نائب السلطنة الأسبق في دمشق؛ الأمير جمال الدين آقوش النجيبي قد أوقف مدرسة وخانقاه في دمشق، وجعل ابن خلكان ناظر الوقف، فلما جاء أمر بفتحهما بصفته الناظر وبصفته قاضي القضاة ودرس بالمدرسة بنفسه مدة يسيرة، ثم نزل عنها لولده كمال الدين موسى.

 

وسيمكث ابن خلكان في وظيفة قاضي القضاة قرابة سنتين ثم يدخل في محنة شديدة وإن لم تكن لمدة طويلة، ففي آخر سنة  678 أعلن نائب السلطان في الشام الأمير شمس الدين سنقر الأشقر استقلاله عن الملك المنصور قلاوون، وتسمى بالملك الكامل، وكان من جملة المراسيم التي أصدرها مرسوم بضم حلب إلى قضاء ابن خلكان، ثم ولاه تدريس المدرسة الأمينية، وأصدر في المحرم من سنة 679 مرسوماً بذلك كال فيه الثناء كيلاً على ابن خلكان، ومما جاء في المرسوم: ولما كان المجلس العالي القضائي، الأجلي الصدري، الكبيري الأوحدي، الرئيسي الأفضلي، العالمي العاملي، الكاملي الناسكي، العارفي الأثري الحافظي، الشيخي الإمامي الحاكمي الشمسي، شرف الإسلام، فخر الأنام، زين العلماء، أوحد الفضلاء، وارث الأنبياء، محبة العرب العرباء، بقية السلف، مفتي الفرق، صدر الحفاظ، شمس الشريعة، قاضي القضاة، سيد الحكام، صفي الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين؛ أبو العباس أحمد بن الشيخ الامام أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الشافعي، ضاعف الله جلاله، وحقق في الدارين آماله، نظام هذا العقد المليح، ومعنى هذا اللفظ الفصيح. وثمرة هذه الدوحة النضرة، ونشر هذه الروضة الخضرة؛ رسم الأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الكاملي الشمسي، لا زال يقر الحق في يد مستحقه، ويوضع لسالكه في سبيله. وطرفه أن يفوض إليه تدريس المدرسة الامينية. ويجري باسمه العلوم الشاهد به كتاب وقفها المبرور، وذلك لما تعين صرف مباشرها عند تبين إخلاله بشروط واقفها...

 

وأرسل الملك قلاوون جيشاً بقيادة الأمير علم الدين الحلبي هزم الأمير سنقر الذي هرب على وجهه، ودخل الأمير علم الدين الحلبي دمشق ظافراً منتصراً في صفر من سنة 679، وجمع العلماء والوجهاء وقرأ عليهم كتاباً من  السلطان قلاوون بالأمان لأهل دمشق، وكان ابن خلكان من جملة الحاضرين، فأمر الأمير باعتقاله، ثم بعدها بيومين صرفه عن القضاء، وعين محله قاضياً آخر، وكان قد بلغ السلطان أن ابن خلكان قد تواطأ مع الأمير المنشق المهزوم، حتى قيل إنه أفتاه بجواز قتال السلطان، ولذا فقد كانت أوامره تقضي بشنق ابن خلكان، ولكن الأمير علم الدين الحلبي قال: كتاب السلطان أمان لمن سمعه، وقد سمعه القاضي، فهو آمن.

 

وبقي ابن خلكان في الحجز قرابة 3 أسابيع، ثم أفرج عنه الأمير علم الدين الحلبي وأمره بالانتقال من المدرسة العادلية الكبيرة، وتسليمها إلى القاضي الجديد، فشقَّ عليه ذلك، فكرر الأمير عليه القول بسرعة النقلة، وبينا هو في ذلك قد أحضر جمالاً لنقل أغراضه إلى جبل الصالحية، وإذا بكتاب من  الملك المنصور قلاوون قد ورد على الأمير علم الدين الحلبي، ومن مضمونه: إن عفونا قد شمل الخاص والعام، وما يليق أن تخصص بسخطنا أحداً على انفراده، وغير خاف مما يتعين من حق المجلس السامي القضائي شمس الدين أحمد بن خلكان أعزه الله تعالى وقديم صحبته لها وحدبه عليها، وأنه من بقايا الدولة الصالحية سقى الله عهدها، وقد رسمنا بإعادته إلى ما كان عليه بقضاء القضاة بالشام، وبسطنا يديه في القبض والإبرام! فركب ابن خلكان من ساعته إلى الأمراء في قلعة دمشق وسلم عليهم، ونزل في وقت الظهر وباشر الأحكام، وكتب رسالة إلى الملك المنصور يدعو له ويتنصل بما نسب إليه ويعتذر؛ فورد عليه الجواب بالشكر وقبول العذر، ثم ما لبث الملك قلاوون بعد 6 أشهر أن أضاف لابن خلكان قضاء حلب وأعمالها، وأذن له أن يستنيب فيها.

 

وما لبث الملك قلاوون أن عزل ابن خلكان في سنة 680 وعين محله ابن الصائغ، فتفرغ ابن خلكان للتدريس قرابة سنة ونصف، معززاً مكرماً، وكانت المدرسة الأمينية قد انتزعت منه فأعادها إليه في صفر سنة 681 نائب السلطنة بدمشق الأمير حسام الدين لاشين، ومما جاء في مرسوم إعادتها له:

 

 ولذلك رسم الأمير العالي، المولولى السلطاني الملكي، المنصوري السيفي، زاده الله شرفاً، وملأ بمحامده من الأيام صحفا، أن يفوض تدريس المدرسة الأمينية بدمشق المحروسة إلى الجناب العالي المولوي، القضائي الإمامي، الأوحدي الأفضلي، الأرشدي الزاهدي، العابدي الورعي، الناسكي العلوي، العلاّمي الشمسي، ضياء الإسلام، صدر الأنام، بقية الكرام، علامة العلماء بمصر والعراق والشام، كهف الملة، ركن الشريعة، شيخ المذاهب، مفتي الفرق، قدوة العالمين، ظهير الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين؛ أحمد بن الشيخ الامام العالم العلامة بهاء الدين بن خلكان ضاعف الله جلاله إذا كان المعني بهذا المعنى، والأوحد الذي لا نظير له فما يجمع ولا يتثنى، وهو الأولى بأن ينعت بواحد الزمان.

 

وبعد أربعة أشهر أدركت ابن خلكان المنية المحتومة في 26 رجب سنة 681، ولفظ آخر أنفاسه في المدرسة النجيبية، ودفن في اليوم التالي في سفح جبل قاسيون جوار التربة الصوابية.

 

وبعد وفاته بسنتين لحق به أخوه الأكبر بهاء الدين محمد، المولود سنة 603، والذي كان قاضياً في بعلبك، واتسم بالتواضع ورقة القلب والزهد والبِشر، قال معاصره اليونيني في ذيل مرآة الزمان: ومنذ بلغه وفاة أخيه قاضي القضاة شمس الدين حصل له من الحزن ما لا مزيد عليه، ولم يكن دمعه يرقأ في غالب أوقاته، ولازم الحزن والبكاء إلى حين لحق به رحمهما الله تعالى وأسكنهما غرف جنانه فلقد كانا من محاسن الدهر.

 

كان ابن خلكان رئيساًَ عالي الهمة، شريف النفس، وكان جواداً مفضالاً ممدحاً، مدحه شعراء عصره بغرر القصائد، وكان يجيزهم الجوائز السنية، يتورع عن قبول عطايا الأمراء، فقد كان عالماً نبيلاً، وحاكماً عادلاً، وأديباً بارعاً، ومؤرخاً جامعاً، وكريماً سمحاً، جواداً مدارياً، وكان طاهر المجلس، لا يغتاب أحد أحداً في مجلسه، ويحب الرفق بالناس، وكان عنده صبر واحتمال، وستر على العورات وعفو عن الزلات.

 

حضر إليه وهو بالمدرسة العادلية الكبيرة بدمشق بعد عشاء الآخرة من أخبره أن ثَمَّ جماعة من أعيان العدول في مكان يشربون الخمر وعندهم نساء أجنبيات، وشنع شناعة كثيرة، فاستوقف المخبر عنده، وسير سراً من يثق به إلى ذلك المكان، وعرفهم الصورة وأن والى الليل يحضر لكشف ذلك، وأمرهم برفع ما عندهم من المنكرات، والتأهب لمن يحضرهم، ثم أحضر والى الليل، وعرفه ما ذكر الناقل، وأمره أن يأخذه ويتوجه إلى المكان لكشف حقيقة ذلك، فتوجه والى الليل، وطرق الباب ففتح، ودخل فوجد جماعة يتحدثون وعندهم فقير مزمزم - أي صوفي ينشدهم - ومأكول لا غير، فعاد والى الليل، ومن معه وأخبروه بما شاهدوا فعزر الناقل فانحسمت السعايات بمثل ذلك.

 

لا يكتمل الحديث عن ابن خلكان دون أن نتحدث عن كتابه العظيم: "وفيات الأعيان"، والذي أنهاه في سنة 654، وأسماه: "وفيات الأعيان، وأنباء أبناء الزمان، مما ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان". وقال: سميته كذلك ليُستَدل على مضمون الكتاب بمجرد العنوان. وقال رحمه الله في مقدمته:

 

هذا مختصر في التاريخ، دعاني إلى جمعه أني كنت مولعاً بالاطلاع على أخبار المتقدمين من أولي النباهة وتواريخ وفياتهم وموالدهم... فوقع لي منهم شيء حملني على الاستزادة وكثرة التتبع، فعمدة إلى مطالعة الكتب الموسومة بهذا الفن، وأخذت من أفواه الأئمة المتقنين له ما لم أجده في كتاب، ولم أزل على ذلك حتى حصل عندي منه مسودات كثيرة في سنين عديدة... ولم أذكر في هذا المختصر أحداً من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا من التابعين رضي الله عنهم، إلا جماعة يسيرة تدعو حاجة كثير من الناس إلى معرفة أحوالهم، وكذلك الخلفاء الراشدين؛ لم أذكر أحداً منهم اكتفاء بالمصنفات الكثيرة في هذا الباب.

 

ولم أقصر هذا المختصر على طائفة مخصوصة مثل العلماء أو الملوك أو الأمراء أو الوزراء أو الشعراء، بل كل من له شهرة بين الناس ويقع السؤال عنه ذكرته وأتيت من أحواله بما وقفت عليه، مع الإيجاز كيلا يطول الكتاب، أُثبتُ وفاته ومولده إن قدرت عليه، ورفعت نسبه على ما ظفرت به، وقيدت من الألفاظ ما لا يؤمن تصحيفه، وذكرت من محاسن كل شخص ما يليق به من مكرمة أو نادرة أو شعر أو رسالة، ليتفكه به متأمله، ولا يراه مقصوراً على أسلوب واحد فيمله، والدواعي إنما تنبعث لتصفح الكتاب إذا كان مفنناً.

 

والكتاب ركن ركين في مكتبة التراجم الإسلامية، ويتضح في ثناياه جهد ابن خلكان في الكتاب، وسعة اطلاعه، ودقة منهجه، فهو يضبط الكلمات غير المألوفة ويشير إلى معانيها، وكثيراً ما يشير إلى رؤيته الكتب التي ألفها صاحب الترجمة وعدد مجلداتها، وعند ذكر المدن الغريبة أو غير المعروفة كالفرما والزبداني يتحدث عنها ويذكر إن كان قد زارها، وأحيانا عند ذكر تاريخ الوفاة يذكر أنه أخذه من قبر صاحب الترجمة، وهو يشارك القارئ فيما مر عليه من شك أو استشكال ثم زوال ذلك باليقين، بل يورد ما رآه في المنام حول بعض الشخصيات التي ترجم لها، وقد راجع الكتاب ابنُ ابنِ خلكان؛ شمس الدين موسى، المولود سنة 651 والمتوفى سنة 703، وأضاف إليه تعليقات ساعدتنا كثيراً على فهم جوانب أخرى من حياة والده، ففي ترجمة أبي منصور الجواليقي، موهوب بن أحمد، المولود سنة 466 والمتوفى سنة 539، يقول ابن خلكان: وخطه مرغوب فيه، يتنافس الناس في تحصيله والمغالاة فيه. فيعلق الابن تعليقاً يدلنا على سعة ونفاسة مكتبة ابن خلكان، فيقول: رأيت بخزانة كتب والدي قدس الله روحه، مُلكاً له، عشرة كتب بخط المذكور، منها "الكامل" للمبرد في جزء واحد، ومنها الحماسة والخطب النباتية وغير ذلك.

 

وإلى جانب هذا نجد في الكتاب جوانب كثيرة من حياة ابن خلكان وشخصيته، ولذا بقي حيّاً غضّا أبعد ما يكون عن الجفاف، وأحد أمثلة ذلك ما ذكره في ترجمة الشاعر الرائق اللطيف البهاء زهير، قال ابن خلكان في آخر الترجمة: ثم حصل بالقاهرة ومصر مرض عظيم لم يكد يسلم منه أحد، وكان حدوثه يوم الخميس 24 شوال سنة 656، وكان بهاء الدين المذكور ممن مسَّه منه ألم، فأقام أياماً ثم توفي قبيل المغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة... ولم يتفق لي الصلاة عليه لاشتغالي بالمرض، ولما أبللت من المرض مضيت إلى تربته وزرته وقرأت عنده شيئاً من القرآن وترحمت عليه لمودة كانت بيننا. وأقول: رحمة الله على تلك الأرواح الطاهرة الوفية.

 

وقد حقق الكتاب الدكتور إحسان عباس رحمه الله، تحقيقاً استفرغ فيه الجهد، ولكنه بعد أن نشر بضعة أجزاء توفرت لديه مخطوطات رديفة، فاستدرك ذلك في الأجزاء التي تلت، وبقي في الكتاب ثغرات لم تغطى، وكان الدكتور عباس يود استكمالها ولكن الناشر لم يكن يعينه على ذلك، كما ذكر ذلك لي الدكتور رحمه الله في رسالة خاصة، ولعل أهل الهمة من المحققين يقومون بإخراج الكتاب في حلة جديدة وبتحقيق أضفى ومقابلة جميع مخطوطاته ومختصراته، فذلك من حق ابن خلكان على طلبة العلم من المؤرخين والأدباء الذين استضافهم على مائدة هذا الكتاب العظيم.

 

كان ابن خلكان رحمه الله أديباً شاعراً ناثراً، له مقاطيع لطيفة وغزليات رائقة، ومن أجمل أشعاره قصيدته اللامية التي نورد بعضا منها:

 

أي ليل على المحب أطاله ... سائقُ الظعن يوم زمَّ جِماله

 

يزجر العيس طاوياً يقطع المهْمَهَ عفا سهوله ورماله

 

أيها السائر المجد ترفق ... بالمطايا فقد سئمن الرحالة

 

وأنخنا هنيئة وأرحها ... قد براها فرط السرى والكلالة

 

لا تطل سيرها العنيف فقد ... برّح بالصب في سراها الإطالة

 

هذه سنة المحبين يبكون على كل منزل لا محالة

 

يا ديار الأحباب لا زالت الأدمع في تُرب ساحتيك مدالة

 

أين عيش مضى لنا فيك ما ... أسرع عنا ذهابه وزواله

 

حيث وجه الشباب طلق نضير ... والتصابي غصونه ميالة

 

ولنا فيك طيب أوقات أنس ... ليتنا في المنام نلقى مثاله

 

يا عريب الحمى اعذروني فإني ... ما تجنبت أرضكم عن ملالة

 

حاش لله غير أني أخشى ... من عدو يسيء فينا المقالة

 

فتأخرت عنكم قانعاً من ... طيفكم في المنام يهدى خياله

 

أتمنى في النوم زور خيال ... والأماني أطماعها قتالة

 

يا أهيل النقا وحق ليالي الوصل ما صبوتي عليكم ضلالة

 

ليَّ مذ غبتمُ عن العين نار ... ليس تخبو وأدمع هطالة

 

فصِلونا إن شئتم أو فُصُّدوا ... لا عدمناكم على كل حالة

 

وقال أيضاً رحمه الله تعالى:

 

يا رب إن العبد يخفي عيبه ... فاستر بحلمك ما بدا من عيبه

 

ولقد أتاك وما له من شافع ... لذنوبه فاقبل شفاعة شيبه

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين