حدث في التاسع من ذي الحجة

في يوم عرفة من سنة 169 قُتِلَ في فَخَّ قرب مكة المكرمة أبو عبد الله الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رحمه الله تعالى.
وجاء مقتل الحسين رحمه الله بعد أن خرج على الخليفة العباسي الهادي في المدينة واستولى على مكة، وقبل أن نتحدث عن مقتله ينبغي أن نتحدث عن أهله الأقارب، فكلهم - رحمات الله عليهم - كانوا ممن نالهم الضر بسبب موقفهم أو موقف من حولهم من الدولة العباسية، فقد كانوا يرون أن أولاد علي كرم الله وجهه أحق بالخلافة من أبناء العباس رضي الله عنه، وهذه الترجمة تصور جانباً من هذا النزاع الدامي والمآساوي الذي دام مئات السنين ولم يخمد له أوار.
أما والد الحسين فهو علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الملقب بالسَجَّاد، لفضله واجتهاده وتعبده، ومات في سجن المنصور العباسي سنة 145.
وأما أمه فهي زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وكان يقال: ليس بالمدينة زوجان أعبد منهما، وكان يقال لعلي بن الحسن وزوجته زينب: الزوج الصالح؛ لعبادتهما.
وجده لوالده الحسن بن الحسن بن الحسن، ويقال له الحسن المثلث، كان عابداً تقياً متألهاً، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم، وتوفي في حبس المنصور بالهاشمية سنة 145 وعمره 68 عاماً.
وجده لأمه عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على ابن أبي طالب، تابعي نشأ في المدينة، وكان ذا عارضة وهيبة ولسان وشرف، وكانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز، ولما ظهر العباسيون قدم مع جماعة من الطالبيين، على السفاح، وهو بالأنبار، فأعطاه ألف ألف درهم، وعاد إلى المدينة، ثم حبسه المنصور عدة سنوات من أجل ابنيه محمد وإبراهيم، ونقله إلى الكوفة، فمات سجينا فيها سنة 145 عن 80 عاماً.
وأمه هي الأخت الشقيقة لأبناء عبد الله بن الحسن: محمد النفس الزكية المولود سنة 93 والمقتول بالمدينة سنة 145، وإبراهيم المولود سنة 97 والمقتول بالبصرة سنة 145، وموسى المتوفى سنة 180، وكلهم شارك في الثورة على الدولة العباسية.
اما أخوها إدريس - كما سنرى - فقد هرب بعد فخّ إلى مصر، ومنها ذهب إلى المغرب ودعا قبائل البربر إليه فأجابوه، وأسس في المغرب دولة الأدارسة سنة 172 وتوفي فيه سنة 177.
ولما قتل أبو جعفر المنصور أباها وأخواها وعمومتها وبنيهم وزوجها سنة 145 كانت تلبس المُسوح، ولا تجعل بين جسدها وبينها شعاراً حتى لحقت بالله عز وجل، وكانت تندبهم وتبكي حتى يغشى عليها، ولا تذكر أبا جعفر بسوء تحرجاً من ذلك وكراهة لأن تشفي نفسها بما يؤثمها، ولا تزيد على أن تقول: يا فاطر السموات والأرض، يا عالم الغيب والشهادة، الحاكم بين عباده: احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.
وكانت زينب ترقص الحسين وهو صغير وأخاه وهو الحسن وتقول:
تعلْمُ يا ابن زينبٍ وهند ... كم لك بالبطحاء من معدِ
من خالِ صدق ماجدٍ وجَدِّ
تولى الخلافة الخليفة موسى الهادي في أوائل سنة 169 وهو في الرابعة والعشرين من العمر، وكان والده المهدي قد عين في سنة 167 والياً على المدينة المنورة من أجلة العباسيين هو إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس، فلما تولى الهادي الخلافة استعفاه إسحاق بن عيسى، واستأذنه في الشخوص إلى بغداد، فأعفاه وولى مكانه عمر بن عبد العزيز بن عبد الله ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ويلقب بالعُمَري، وقبض الوالي على الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن ومعه شخصان من أهل العراق وهم يشربون النبيذ غير المسكر، فعاقبهم عقاباً شديدا، ذلك أنه أمر بهم فضُربوا  ثم جعل في أعناقهم حبالاً وطيف بهم في المدينة، فكلمه فيهم الحسين بن علي، وقال: ليس هذا عليهم، وقد ضربتهم ولم يكن لك أن تضربهم؛ لأن أهل العراق لا يرون بالنبيذ غير المسكر بأساً، ثم لمّ تطوف بهم؟! فردهم، وأمر بهم إلى الحبس، فحبسوا يوماً وليلة، ثم كُلِمَ فيهم فأطلقهم جميعاً على أن يعرضوا أنفسهم كل يوم على ديوان الوالي، وكفلهم على ذلك الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن.
وصدف أن غاب الحسن بن عبد الله بن الحسن عن العرض يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وعرضهم خليفةُ العمري عشية الجمعة، فأخذ الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله؛ فسألهما عن الحسن بن محمد؛ فغلَّظ عليهم بعض التغليظ، ثم انصرف إلى العمري فأخبره خبرهم وأن الحسن بن محمد غائب مذ ثلاث، فقال: ائتني بالحسين ويحيى؛ فذهب فدعاهما، فلما دخلا عليه، قال لهما: أين الحسن بن محمد؟ قالا: والله ما ندري؛ إنما غاب عنا يوم الأربعاء، ثم كان يوم الخميس؛ فبلغنا أنه اعتل، فكنا نظن أن هذا اليوم لا يكون فيه عرض؛ فكلمهما بكلام أغلظ لهما فيه، فحلف يحيى بن عبد الله ألا ينام حتى يأتيه به أو يضرب عليه باب داره؛ حتى يعلم أنه قد جاءه به. فلما خرجا قال له الحسين: سبحان الله! ما دعاك إلى هذا؟ ومن أين تجد حسناً! حلفت له بشيء لا تقدر عليه. قال: ما حلفت على حسن، قال: سبحان الله! فعلى أي شيء حلفت! قال: والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف! فقال حسين: تكسر بهذا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الاتفاق، قال: قد كان الذي كان فلا بد منه.
وكان الشيعة قد كاتبوا الحسين بن علي لما اتصف به من مذهب جميل وكمال ومجد، وقالوا له: أنت رجلُ أهل بيتك، وقد ترى ما أنت وأهلك وشيعتك فيه من الخوف والمكروه؟! فقال: إني وأهل بيتي لا نجد ناصرين فننتصر، فبايعه خلق كثير ممن حضر موسم الحج السابق، وجاءه في هذا الموسم قوم من أهل الكوفة بايعوه، وكان عددهم دون ما أمّل، واتفقوا معه أن يبدأوا الثورة بمنى أو بمكة في موسم  الحج، وكان هؤلاء متخفين في المدينة المنورة.
وهكذا تمَّ تغيير موعد الثورة إلى فجر اليوم التالي: السبت الثالث عشر من ذي القعدة، فحضَّروا لذلك حتى إذا كان في آخر الليل خرجوا، وجاء يحيى بن عبد الله حتى ضرب باب مقر الوالي العُمري فلم يجده فيه، فجاء إلى منزله في دار عبد الله بن عمر فلم يجده أيضاً فيها، وتوارى منهم، فجاء الثوار واقتحموا المسجد مع أذان الصبح؛ فجلس الحسين على المنبر وعليه عمامة بيضاء، وجعل الناس يأتون المسجد، فإذا رأوهم رجعوا ولا يصلون، ثم جعل الناس يأتونه بعد أن صلى الصبح ويبايعونه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم للمرتضى من آل محمد.
وخطب الحسين في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال في آخر كلامه: يا أيها الناس، أنا ابن رسول الله في حرم رسول الله، وفي مسجد رسول الله، وعلى منبر نبي الله، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ فإن لم أف لكم بذلك فلا بيعة لي في أعناقكم.
وكانت حامية المدينة تتألف من 200 جندي عليهم قائد اسمه خالد البربري؛ فجاء إلى الساحة أمام الحرم، وأقبل فيمن أقبل معه العُمري وكثيرٌ من أهل المدينة فيهم راكباً على حماره الحسين بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم، وصد الثوار الهجوم وقتلوا خالد البربري، وحملوا على أصحابه فانهزموا، وكادوا أن يقتلوا الحسين بن جعفر لولا أن صاح بهم قائدهم الحسين: ارفقوا بالشيخ.
 ونهب الثوار بيت المال، فوجدوا فيه بضعة عشر ألف دينار، وكانت دون ما أملوا، فقد كانت سياسة الدولة العباسية منذ أبي جعفر المنصور أن لا يبقى في المدينة كثير مال أو سلاح، وتفرق الناس، وأغلق أهل المدينة عليهم أبوابهم.
وكان أغلب أهل المدينة من أنصار العباسيين، فلما كان من الغد اجتمعوا  وهاجموا الثوار، واستمر القتال بينهم سجالاً قرابة يومين، وفشت الجراحات بين الفريقين جميعاً، وجاء المدينة قائد عباسي اسمه مبارك التركي، فنشط العباسيون ولكنه قاتل معهم قتالاً خفيفاً ثم رحل، فانكسرت شوكة العباسييون ثم تفرقوا، وأقام حسين وأصحابه أياماً يتجهزون، ثم خرجوا إلى مكة المكرمة في 24 من ذي القعدة، قال نصير بن عبد الله بن إبراهيم الجمحي: لما انتهى الحسين إلى السوق متوجهاً إلى مكة التفت إلى أهل المدينة، وقال: لا خلف الله عليكم بخير! فقال الناس وأهل السوق: لا بل أنت؛ لا خلف الله عليك بخير، ولا ردك!
وكان الحسين وجماعته قد جعلوا المسجد النبوي مأواهم، ومنعوا الناس من الصلاة فيه، ففاقم ذلك من نفور الناس منه، ولما خرج الحسين وجماعته من المدينة عاد المؤذنون فأذنوا؛ وعاد الناس إلى المسجد، فوجدوا فيه العظام التي كانوا يأكلون، وكان أصحابه يُحدِثون في المسجد، فملؤوه قذراً وبولاً؛ فلما خرجوا غسل الناس المسجد، وجعلوا يدعون الله عليهم، وزاد النقمة عليهم أن أخذ أصحاب الحسين ستور المسجد، فجعلوها خفافاً لهم.
ولما وصل الحسين إلى أطراف مكة نادى أصحابُه بمكة: أيما عبد أتانا فهو حرّ، فأتاه العبيد، وأتاه عبد فانضم إليه، فأتاه صاحبه فكلمه، وقال له: عمدت إلى مماليك لم تملكهم فأعتقتهم، بم تستحل ذلك؟! فقال حسين لأصحابه: اذهبوا به، فأي عبد عرفه فادفعوه إليه؛ فذهبوا معه، فأخذ غلامه وغلامين لجيرانه.
وجاء خبر ثورة الحسين إلى الهادي، وقد كان توجه إلى الحج في تلك السنة رجال من كبار أهل بيته؛ منهم محمد بن سليمان بن علي والعباس بن محمد بن سليمان وموسى بن عيسى، وكان على الموسم سليمان بن أبي جعفر، فأمر الهادي بالكتاب بتولية محمد بن سليمان على الحرب، فقيل له: تركت عمك العباس بن محمد! قال: دعوني لا والله لا أُخدع عن ملكي. خشية من أن تصير لعمه قوة يتغلب عليه بها!
وكان محمد بن سليمان قد خرج إلى الحج في عدة من السلاح والرجال؛ وذلك لأن الطريق كان مخوفاً من الأعراب؛ وانضم إليه الأمراء الآخرون بما معهم من قوات، وانضم إليهم كذلك من وافى في تلك السنة من شيعة ولد العباس ومواليهم وقوادهم، وكان ركب الحاج كثيراً جداً في تلك السنة، فعسكروا بذي طوى، وجرت مراسلات بين الطرفين عرض فيها محمد الأمان للثوار، وضمن لهم الإحسان إليهم والصلة لأرحامهم، فلم يقبلوا.
وقال محمد بن سليمان لجنوده: من جاء برأس فله خمسمئة درهم، وأرسل خمسين فارساً فهاجمهم الحسين قبيل الفجر في فخ فصدوه ثم هزموه، ونادى محمد بن سليمان في الناس بالأمان حيث توقف القتال، ولم يُتبع هارب كما هو الحكم الشرعي في العصاة، وجاء الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن - الذي تسبب غيابه في تقديم موعد الثورة - وقد أصيبت إحدى عينيه، فاستدار به موسى بن عيسى، فأمر به فقتل، فغضب محمد بن سليمان من ذلك غضباً شديداً.
وانصرف جيش العباسيين نحو مكة لا يدرون ما حال الحسين؛ ثم جاءهم الخبر أنه قتل وأتى برجل من أهل خراسان برأسه، وكان عدد قتلى جند الحسين مئة ونيفاً؛ وأُخذِت أخت الحسين، وكانت معه فصيرت عند زينب بنت سليمان، واختلط المنهزمون بالحجاج، فذهبوا.
ورجع قادة  الجيش فيما بعد إلى الخليفة الهادي في بغداد وهم يأملون في المكافآت السخية، ولكن الهادي كان له رأي آخر: جاءه يقطين بن موسى برأس الحسين بن علي فوضعه بين يديه مستبشراً، فبكى الهادي وزَجَرَه، وقال: أتيتموني مستبشرين كأنكم والله جئتم برأس طاغوت من طواغيت الترك أو الديلم؟! إنه رجل من عِتْرَةِ رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم، ألا إن أقل جزائكم عندي أن أحرمكم جوائزكم. فحرمهم ولم يعطهم شيئاً.
وكان الحسين شجاعاً كريماً، قدم على المهدي فأعطاه أربعين ألف دينار، ففرقها في الناس ببغداد والكوفة، وخرج من الكوفة لا يملك ما يلبسه، إلا وبراً ليس تحته قميص، وهذا غاية في الجود ونهاية في الكرم والإيثار، رحمه الله تعالى وغفر له.
وغضب الهادي على موسى بن عيسى لقتله الحسن بن محمد وتركه أن يقدم به أسيراً، فيكون هو المحكم في أمره، وأمر بقبض أموال موسى، وبقيت مصادرة إلى وفاة الهادي، قال موسى بن عيسى: قال لي الهادي: هيه! تقتل أسيري! فقلت يا أمير المؤمنين، إني فكرت فيه فقلت: تجيء عائشة وزينب إلى أم أمير المؤمنين، فتبكيان عندها وتكلمانها، فتكلم له أمير المؤمنين فيطلقه.
وغضب الهادي كذلك على مبارك التركي لتخاذله في المدينة، وأمر بقبض أمواله وتصييره في ساسة الدواب.
وكان لمقتل الحسين وصحبه وقع أليم على شيعة أهل البيت، حتى قالوا لم تكن مصيبة بعد كربلاءَ أشد وأفجعَ من فخ، ورثاه شعراؤهم فقال عيسى بن عبد الله  بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرثي أصحاب فخ:
فلأبكيَن على الحُسين بعَوْلة وعلى الحَسَنْ
وعلى ابن عاتكة الذي ... وَاروه ليس بذي كَفَن
تُرِكوا بفخ غدوةً ... في غير منزلة الوَطَنْ
كانوا كراماً هيجوا ... لا طائشين ولا جُبُن
غسلوا المذلة عنهم ... غسلَ الثياب من الدرَن
هُدِيَ العباد بجدهم ... فلهم على الناس المِنَنْ
وأنشد داود بن سَلْم في أصحاب فخ:
يا عين بكِّي بدمع منك منحدر ... فقد رأيتِ الذي لاقى بنو حَسَنِ
صرعى بفخ تجرُ الريح فوقّهم ... أذيالها وغوادي دلح الُمزُن
حتى عفَتْ أَعظُمٌ لو كان شاهدها ... محمّدٌ ذبَّ عنها ثم لم تَهُن
ماذا يقولون والماضون قبلهم ... على العداوة والشحناء والأحن
ماذا نقول إذا قال الرسول لنا ... ماذا صنعتم بنا في سالف الزمن
لا الناس من مضر حاموا ولا غضبوا ... ولا ربيعة والأحياءُ من يمن
يا ويحهم كيف لم يرعوا لهم حرماً ... وقد رعى الفيل حق البيت ذي الركن
ولا يكتمل الحديث عن هذه المعركة إلا بأمرين:
1.    الحديث عن كيف كرر الثوار على الدولتين الأموية والعباسية ذات الخطأ بالخروج في المدينة أو مكة، والحجاز قليل الموارد مقارنة بمقر الدولة في دمشق أو العراق.
2.    والحديث عما جرى لكبار من شارك في هذه المعركة مع الحسين.
ويكفي للحديث عن الحجاز أن نورد القصة التالية: ثار محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم على الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور سنة 145 بالمدينة، وكان محمد رحمه الله يُدْعَى بالنفس الزكية لزهده ونسكه، فلما ظهر دعا المنصورُ إسحاقَ بن مسلم العقيلي، وكان شيخاً ذا رأي وتجربة، فقال له: أشِرْ عليَّ في خارجيٍّ خرج عليّ، قال: صِفْ لي الرجل، قال: رجلٌ من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو علم وزهد وورع، قال: فمن تَبِعَه؟ قال: ولدُ علي، وولدُ جعفر وعَقِيل، وولدُ عمر بن الخطاب، وولدُ الزبير بن العوام، وسائرُ قريش وأولاد الأنصار، قال له: صف لي البلد الذي قام به، قال: بلدٌ ليس به زَرْع ولا ضَرْع ولا تجارة واسعة.
ففكر ساعة ثم قال: يا أمير المؤمنين، اشحن البصرة بالرجال، فقال المنصور في نفسه: قد خَرِف الرجل، أسأله عن خارجيٍ خرج بالمدينة، يقول لي اشحن البصرة بالرجال! فقال له: انصرف يا شيخ. ثم لم يكن إلا يسير حتى ورد الخبر أن أخا محمد إبراهيمَ بن عبد الله بن الحسن قد ظهر بالبصرة، فقال المنصور: عليَّ بالعقيلي، فلما دخل عليه أدناه ثم قال له: إني كنت قد شاورتك في أمرِ خارجيٍّ خرج بالمدينة فأشرتَ عليّ أن أشحن البصرة بالرجال، أوَ كان عندك من البصرة علم؟ قال: لا، ولكن ذكرت لي خروج رجلٍ إذا خرج مثلُه لم يتخلف عنه أحد، ثم ذكرت لي البلد الذي هو فيه، فاذا هو ضيّق لا يحتمل الجيوش، فقلتُ: إنه رجل سيطلب غيرَ موضعه، ففكرتُ في مصر فوجدتها مضبوطة، والشام والكوفة كذلك، وفكرت في البصرة فخفت عليها منه لخلوها، فأشرت بشحنها.
فقال له المنصور، أحسنت، وقد خرج بها أخوه، فما الرأي في صاحب المدينة؟ قال: ترميه بمثله، إذا قال: أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هذا: وأنا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال المنصور لولي عهده عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس: إما أن تخرج إليه وأقيمُ أنا أمدُّكَ بالجيوش، وإما أن تكفيني ما أخاف ورائي وأخرج أنا إليه، فقال عيسى: بل أقيك بنفسي يا أمير المؤمنين، وأكونُ الذي يخرج إليه، فأخْرَجَه إليه من الكوفة في أربعة آلاف فارس وألفي راجل، وتبعه محمد بن قَحْطَبة في جيش كثيف، فقاتلوا محمداً بالمدينة حتى قُتل رحمه الله وهو ابن 45 سنة.
أما مصير من شارك في المعركة من كبار آل علي فأولهم ابن عم الحسين: إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أُفلِتَ  من القتل والأسر وهرب إلى مصر، وكان صاحب بريد مصر من شيعة علي فسهل إرساله على دواب البريد إلى أرض المغرب، فوقع بأرض طنجة بمدينة يقال لها وليلة - وهي اليوم مليلة - ، فاستجاب له من بها وبأعراضها من البربر، وأسس دولة الأدراسة في المغرب، وكان جزاء صاحب البريد أن ضربت عنقه.
وكان مع الحسين كذلك ابنُ عمه يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي رباه جعفر الصادق في المدينة، فروى الحديث وتفقه، ونجا في المعركة من القتل، ثم دعا إلى نفسه، فبايعه كثير من أهل الحرمين واليمن ومصر، وذهب إلى اليمن فأقام مدة، ودخل مصر والمغرب، وعاد إلى المشرق فدخل العراق متنكرا، وقصد بلاد الري وخراسان فوصل إلى ما وراء النهر، وخرج إلى طبرستان، فبلاد الديلم وأعلن بها دعوته سنة 175 وكثر جمعه، فندب الرشيد لحربه الفضل بن يحيى البرمكي في خمسين ألفا، وضعف أمر يحيى وخاف أن يغدر به ملك الديلم، فطلب أمان الرشيد، فأجابه بخطه، واستقدمه إلى بغداد، فدخلها.
وأغدق عليه الرشيد عطاياه، إلى أن بلغه أنه يدعو لنفسه سرا، وأنه ما زال عنده من يقوم بدعوته، فحبسه  في سرداب، ووكل به مسرورا السياف، وكان كثيرا ما يدعو به إليه فيناظره، واستمر إلى أن مات في حبسه نحو سنة 180.
وممن خرج مع الحسين وقاتل معه زيادٌ الأقطع: زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، وهو والد الإمام النحوي الكبير الفرَّاء، إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الادب، وكان زياد يعرف بالأقطع، لأن يده قطعت في معركة فخ.
وفَخٌّ: هو اليوم حي الزاهر في شرقي مكة المكرمة، قال ياقوت في معجم البلدان: فَخٌّ واد بمكة، وقال السيد علي الفخ: وادي الزاهر، وفي هذا الموضع دُفن عبد الله بن عمر ونفرٌ من الصحابة الكرام، وقال الأستاذ الزركلي في الأعلام في تعليقة على ترجمة الحسين: كتب الاستاذ الشيخ محمد حسين نصيف تعليقا على كلمة فخ في نسخته من تاريخ ابن خلدون 3: 215 قوله: فخ، هو المسمى اليوم بالشهداء أو الزاهر، وسمي بالشهداء لدفن الحسين بن علي به، هو وأنصاره من أهل البيت

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين