حُجِّيَّة أَفعالِ النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم من وِجهَة نظرٍ حَديثِيَّة

قال شيخنا العلامة المحقق الشيخ محمد عوامة ـ حفظه الله ورعاه ـ في رسالته القيمة المحررة النافعة ‏«‏حجية أفعال رسول صلى الله عليه وآله وسلم أصوليًا وحديثيًا وفيه عصمته صلى الله عليه وآله وسلم من الخطأ والخطيئة‏»:

أ ـ وردتْ في الكتاب الكريم عدةُ آياتٍ تأمرُ باتباعهِ صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة عامة شاملة لأقواله وأفعاله، وبصيغة التحذير والتوعُّدِ لمن خالفه، وبصيغةِ الإرشاد الظاهر، وفيها الأمر بالباطن.

1 ـ قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31ـ32].

2 ـ وقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 157ـ158].

3 ـ وقال سبحانه: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

4 ـ وقال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

5 ـ وقال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1].

ب ـ وهذا بيان للشاهد من هذه الآيات الكريمة.

1 ـ ففي آية عمران أمرٌ للأمة باتباعه صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته، وتحذير شديد وتوعُّد مخيف لمن تولى عن ذلك، والاتباعُ والطاعةُ يكونان في الأقوال والأفعال، وفسَّر الراغب في «مفرداته» ص: 162، الاتباع بقوله: «تَبِعه واتّبعه: قَفَا أثره، وذلك تارة بالجسم، وتارة بالارتسام والائتمار»، فأفاد أن الاتباع يكون بالفعل وعبَّر عنه بقوله: «تارة بالجسم»، ويكون الاتباع بامتثال القول. ثم قال رحمه الله، ص: 529، عن كلمة الطاعة: «أكثرُ ما تقال في الائتمار لما أُمر، والارتسام فيما رُسم»، فأفاد أن الطاعة انقياد وامتثال للأقوال، وقد يكون انقيادًا واتباعًا للأفعال، والآيات في الأمر بالطاعة والاتباع كثيرة.

2 ـ وفي آية سورة الأعراف الأولى مديح وثناء من الله عز وجل على {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} ووصفَ {َالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} بأنهم {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وقد قال الزَّبيدي في «تاج العروس» 7: 26، عن الفلاح: «ليس في كلام العرب كلِّه أجمعُ من لفظة الفلاح، لخيري الدنيا والآخرة، كما قاله أئمة اللسان».

ومن أوصاف هؤلاء المفلحين: أنهم متبعون للنور الذي أنزل مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو القرآن العظيم ـ ولا اتباعَ كاملٌ للقرآن إلا بالأقوال والأفعال.

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أوتي الكتابَ، وهو النور الذي أنزل معه، وأوتي مثلَه معه، وهو السنة المطهرة، بكمالها: أقوالها وأفعالها، فنحن مأمورون باتباع جميع ما فيهما.

وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عنه المِقدام بن مَعْدي كَرِبَ: «إني أُوتيت الكتابَ ومثلَه معه، ألا إني أوتيت القرآنَ ومثلَه معه، ألا يُوشِك رجلٌ شبعانُ ينثني على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحِلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه»، وهو حديث صحيح، رواه أحمد، ٤: ١٣١، وهذا لفظه، وأبو داود (٤٥٩٤)، والترمذي (٢٦٦٤)، وقال: «حسن غريب»، وصححه الحاكم، ١: ١٠٩.

وقال تعالى في آية الأعراف الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} ثم قال: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} وهذا واضح فيه أن الاتباعَ الذي ينبني عليه الاهتداء اتباعٌ كامل شامل للأقوال والأفعال.

وإزالةً لشبة قد تخطر بالبال من هذا الترجِّي في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أقول: يدفعها، ويؤكد الهدايةَ ويثبِّتها باتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولُ الله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، فجعل ثمرة الطاعة الهداية، وجعل ركيزة الهداية الطاعة له.

3 ـ وقوله جل جلاله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، والأمر هنا معناه: الهَدي العام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته كلها، فيشمل أقواله وأفعاله، وتوعّد الله عز وجل من ينحرف عن هذا الهدي المحمدي العام بهذا الوعيد الشديد، وفسَّروا (الفتنة) بالكفر، أو بالقتل، و(العذاب الأليم) بما دونه، وذلك يكون بحسب درجات المخالفة.

وسياق هذا التحذير والوعيد في حقّ الذين يتسللون خُفية ولِواذًا عن الحضور مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن دعاهم إليه، سواء أكانت الدعوة لجهاد، أو صلاة، أو أي شأن كان، وخصوصُ السبب لا يمنع عموم اللفظ.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ‏«‏تفسيره» عند هذه الكلمة الكريمة {عَنْ أَمْرِهِ}: «أي: عن أمر رسول الله، وهو سبيله ومنهاجه، وطريقته وشريعته، فتُوزَن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبل، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائنًا ما كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ».

وسبق ابنَ كثير إلى هذا المعنى الإمامُ القدوة سفيان بن عيينة، الذي قال فيه الإمام الشافعي: «لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز»، روى الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (8)، عن سفيان بن عيينة أنه كان يقول: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه تُعرض الأشياء: على خُلُقه، وسيرته، وهَدْيه، فما وافقها فهو الحقّ، وما خالفها فهو الباطل».

وقد حضَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأمةَ على اتباع هديه والتزامه، كان ذلك منه على الملأ، وفي موقف عام، وأن ذلك كان يتكرر منه والله أعلم، ففي «صحيح مسلم» ٢: ٥٩٢، (٤٣) من حديث جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «أما بعد، فإن خير الحديث كتابُ الله، وخير الهَدْي هَدْيُ محمد، وشرّ الأمور محدَثاتُها، وكل بدعة ضلالة».

4 ـ وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

فقوله {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}: قيدها بأنها حسنة لأن «الأسوة» في أصل معناها ـ كما قال الراغب، ص: ٧٦ ـ: «الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، إنْ حَسَنًا وإنْ قبيحًا، وإن سارًّا وإن ضارًّا» فالمؤتسي: المتبع لغيره، على أيّ حال كان المتَّبَعُ، وفي هذا التقييد تزكية من الله عز وجل لرسوله، وبالتالي هو تزكية من الله تعالى للمقتدي برسوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه على حال حسنة وخير وصواب.

والآية جاءت في سياق قصة غزوة الخندق، وما حصل فيها للصحابة رضي الله عنهم من جَزَع وهَلَع وزلزلة قلوب، جاء معها هذا التوجيه الإلهي للاقتداء برسول الله بما كان عليه من ثبات وصبر، وبما قدَّم في ذلك اليوم وفيما قبله من المواقف، يشير هذا التوجيه الكريم إليها، ويلفت نظر الصحابة ويعتب عليهم فيها بلطف، كأنه يقول لهم: انظروا إلى حالكم وحاله صلى الله عليه وآله وسلم فاقتدوا به، وإذا كان هذا الأمر قد جاء في حال الضراء، فهو متعيِّن كذلك وأشدّ في حال السراء.

٥ ـ أما الشاهد في الآية الأولى من سورة الحجرات، وهي الآية الأخيرة مما قدمته، فهي قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}: فذلك في قوله: {لَا تُقَدِّمُوا}، ولم يذكر الشيءَ المنهيَّ عنه، وفي مثل هذا يقول البلاغيون والمعرِبون: حَذَف المعمول ليذهب الذهنُ كلَّ مذهب، يريدون: لم يُذكر في الآية الشيءُ المنهيُّ عن تقديمه، ليدخل تحته كلُّ منهيٍّ من الأقوال والأفعال والنيات: لا تقدموا قولاً ولا فعلاً ولا رأيًا ولا عادة ولا عرفًا ولا أي شيء كان، أمام شرع الله وأمام هدي رسوله عليه الصلاة والسلام.

جـ ـ ومن المعلوم أن هذه الآية وآياتٍ بعدها نزلت عام الوفود، في السنة التاسعة للهجرة، فهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم، وقد تأدّب الصحابة رضي الله عنهم بهذا الأدب على أكمل وجوهه، وظهر ذلك منهم في عدة مواقف، منها:

1 ـ موقف عليّ رضي الله عنه فيما رواه البخاري (١٥٥٨)، ومسلم ٢: ٩١٤، (٢١٣)، عن أنس قال: قدم عليّ رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن فقال له عليه الصلاة والسلام: «بما أهللت يا عليّ؟» قال: بما أهلَّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَهْدِ وامكُثْ حرامًا كما أنت».

2 ـ ومنها موقف آخر مماثل له، موقف أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، رواه البخاري (١٥٥٩)، ومسلم ٢: ٨٩٤، (١٥٤)، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مُنيخ بالبطحاء، فقال لي: «أَحَجَجتَ؟» فقلت: نعم، فقال: «بم أهللتَ؟» فقلت: لبَّيكَ بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «فقد أحسنتَ، طُفْ بالبيت وبالصفا والمروة وأَحِلّ».

فلسان حال عليّ وأبي موسى رضي الله عنهما يقول: نحن لا رأي لنا، إنما نأوي إلى ركن شديد سديد، هو التلبُّس بحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذان موقفان خاصان فرديان، وقبل أن أذكر الموقف الأعظم الذي كان بعدهما بأيام قلائل، أقول: هذان الموقفان يذكِّران بموقف آخر كان قبلُ، من سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، والجميع ينهلون من مَعين واحد، مَعين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

روى ابو داود (٥٠٧)، وأحمد في «مسنده» ٥: ٢٤٦، (٢٢١٢٤)، من حديث طويل: أن الصحابة «كانوا يأتون الصلاة وقد سبقهم ببعضها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، فكان الرجل يشير إلى الرجل إذا جاء: كم صلى؟ فيقول: واحدة أو اثنتين، فيصليهما، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم، فجاء معاذ فقال: لا أجدُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم على حالٍ أبدًا إلا كنت عليها، ثم قضيتُ ما سبقني، فجاء معاذ وقد سبقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببعضها، فثبت معه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قام فمضى، أي: قام ليأتي بالركعات التي سُبق بها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه قد سنّ لكم معاذ فهكذا فاصنعوا». وروى الترمذي (٥٩١)، معناه وضعّف إسناده لكنه قواه بقوله: «والعمل على هذا عند أهل العلم».

ومحلُّ الشاهد واضح جدًا: لا أجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حال أبدًا إلا كنت عليها.

وأعود إلى متابعة فَهْم الصحابة وتطبيقهم لقول الله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} فأقول:

إن أكبر تجمُّع كان للصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو يوم النحر يوم حجة الوداع، حين وقف عليه الصلاة والسلام قائلاً لهم: «أتدرون أيُّ يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: «أليس يومَ النحر؟» قلنا: بلى، قال: «أيُّ شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: «أليس ذا الحِجة؟» قلنا: بلى، قال: «أيُّ بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليست بالبلدة الحرام؟» قلنا: بلى، قال: «فإن دماءكم وأموالكم ـ وفي رواية: وأعراضكم ـ عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يومِ تلقونَ ربَّكم».

وهذا الحديث رواه أئمة كُثُر في كتب السنة، منهم الإمام البخاري في تسعة مواطن من «صحيحه»، قال الحافظ ابن حجر في شرح الموطن الأول منها ١: ١٥٩، (٦٧)، في شرح قولهم «الله ورسوله أعلم» في جواب كل سؤال: «ذلك من حسن أدبهم، لأنهم علموا أنه لا يخفى عليه ما يعرفونه من الجواب، وأنه ليس مرادُه مطلَقَ الإخبار بما يعرفونه، ولهذا قال في رواية الباب: حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، ففيه إشارة إلى تفويض الأمور القلبية إلى الشارع». انتهى كلامه رحمه الله.

ومن الممكن أن يزاد في البيان فيقال: إن هذا الموقف كان أجمع موقف للصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ظهر امتثالهم لهذا الأمر الإلهي الذي جاء بصورة النهي: {لَا تُقَدِّمُوا} أيَّ معلومةٍ عندكم على كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان منهم أنْ تَخَلَّوْا عن معلوماتهم الضرورية، إذ لا يَجهل كبيرهم ولا صغيرهم أن هذا يوم عرفة، من أيام ذي الحجة، بمكة المكرمة، ومع ذلك توقفوا واحتملوا أنه قد يسميها عليه الصلاة والسلام بغير أسمائها، ولو فعل صلى الله عليه وآله وسلم لاستجابوا دون تردّد، فكيف يكون موقفهم واقتداؤهم في أفعالهم حِيال أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

وهذا الموقف منهم كان خاتمة المطافِ والمواقفِ العامة الكبرى لهم.

وموقفان آخران كانا للصحابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم يودِّعونه فيهما.

أولهما: حين تكفينهم النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، قدَّم إليهم عبد الله ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حُلَّة كانت له، ليكفَّن فيها عليه الصلاة والسلام، فلم يُقَدَّر ذلك، وكفنوه في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سَحولية ـ أي: القطن الناصع ـ فأخذ عبد الله حلَّته وقال: أحبِسها حتى أكفِّن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها الله عز وجل لنبيِّه لكفَّنه فيها! فباعها وتصدق بثمنها.

روى ذلك مسلم ٢: ٦٤٩، (٤٥). والشاهد فيه: أن نظرة هذا الصحابيِّ ابنِ الصحابي رضي الله عنهما إلى معاملة الله تعالى لِما يتصل بنبيه عليه الصلاة والسلام، اختيارُ الأكمل والأفضل له، ولو بعد وفاته.

وموقف ثانٍ: هو أنهم رضي الله عنهم اختلفوا: كيف يكون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، شَقًّا كقبور أهل مكة، أو لحدًا كقبور أهل المدينة؟ فروى الإمام أحمد ١: ٨، ٢٦٠، ٢٩٢، وغيره: أن عمّه العباس رضي الله عنه أرسل رجلين أحدهما إلى أبي عبيدة ابن الجراح، وكان يشق القبور شقًا لأهل مكة، ورجلاً آخر إلى أبي طلحة الأنصاري، وكان يَلْحدها لأهل المدينة، وقال العباس: اللهم خِرْ لرسولك، فسبق أبو طلحة فلحد قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحدًا. وهذا يدل على المعنى الذي ذكرته من موقف عبد الله بن أبي بكر: أنهم يرون أن الله تعالى يختار لرسوله الأكمل والأفضل والأحب إليه.

فإن قيل، إن هذا الحديث ضعيف الإسناد، أقول: نعم، لكن محل الشاهد منه، هو فهم الصحابة عن الله تعالى اختيارَه الأكملَ لرسوله، وشاهدُه القويُّ في حديث عبد الله بن أبي بكر السابق.

ومن منطلق هذا الفهم الرفيع قال الإمام الشافعي رحمه الله في «الأم» 5: 58= 6: 151ـ152: «وأستحبُّ أن لا يزاد في المهر على ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه وبناته، وذلك خمس مئة درهم، طلبًا للبركة في موافقة كل أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

د ـ وخلاصة ما تقدم:

١ ـ من الآيات الكريمة: الأمر باتباعه صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته، وهذا يعم اتباعه في أقواله وأفعاله. والآية الخامسة في الذكر وهي آية سورة الحجرات نهتْ نهيًا عامًا، وضمنُ ذلك أمرٌ عام أن يكون كلُّ تصرُّف، من كل مسلم، وراءَ هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم القولي والفعلي.

٢ ـ جاء التطبيق العملي لذلك من الصحابة رضي الله عنهم يوم حجة الوداع، فتخلَّوْا عن معلوماتهم البَدَهية الأولية وجعلوها وراء قول النبي وتعليماته صلى الله عليه وآله وسلم.

٣ ـ آخر موقف كان لهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم دلّ على أنهم ينظرون إلى أحواله عليه الصلاة والسلام أنها اختيار له من الله تعالى لِمَا هو الأكمل والأفضل، فلا ريب أن نظرتهم إلى أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم أنها قدوة لهم وكمال.

ومن هذه المعاني كانت نظرة الأئمة المحدثين إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عامة أحواله أنهم يحرِصون على تتبعها واتباعها، وحجتُهم في ذلك ما نُقِل إليهم ـ ونَقَلوه إلينا ـ من أخبار الصحابة في ترسُّم خُطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل أحواله القولية والفعلية، وكتبُ السنة النبوية والشمائل المحمدية طافحةٌ بذلك.

وكنت أردتُ أن أشير إلى أبواب محدَّدة من «صحيح البخاري» على سبيل المثال، ككتاب العلم، وكتاب اللباس والطب( )، ثم رأيت أن الأمر أوسع من ذلك، فما من كتاب إلا وفيه هذا المعنى، يَقِلُّ ويكثُر، أما كتب الشمائل النبوية: فمن بابِ أولى.

ولقد كان السلف ومَن بعدهم يقتدون بالصحابة رضي الله عنهم في اقتفاء آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهديه في كل حال، مع المواظبة على ذلك، وأذكِّر بما تقدم نقله عن الإمام تقي الدين السبكي في ردّه على الزمخشري، قال السبكي: «من المعلوم قطعًا إجماع الصحابة على اتباعه صلى الله عليه وآله وسلم والتأسي به في كل ما يفعله من قليل أو كثير دون توقف منهم أو بحث، حتى أعماله في السرّ والخلوة...»( ).

ويؤكِّد هذا المعنى ـ مع بعض الأمثلة ـ القاضي عياض رحمه الله «الشفا» 2: 790 فيقول: «وقد عُلم من دين الصحابة ـ أي: عادتهم ـ قطعًا: الاقتداءُ بأفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف توجهتْ، ومن كل فنّ، كالاقتداء بأقواله، فقد نبذوا خواتيمهم حين نبذ خاتمه( )، وخلعوا نعالهم حين خلع( )، واحتجّ غير واحد منهم في غير شيء مما بابُه العبادة أو العادة بقوله: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الذي أُخبِر بمثل هذا عنه فقال: يُحِلّ الله لرسوله ما يشاء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده»( ). والآثار في هذا أكثر من أن نحيط بها، لكنه يُعلم من مجموعها على القطع اتباعُهم أفعالَه واقتداؤهم بها».

وأخذ كلامه هذا وزاده بيانًا وأمثلةً الإمام أبو عبد الله السنوسي (832ـ٨٩٥) رحمه الله في عقيدته المشهورة باسم «أم البراهين» فقال: «إن الله أمرنا بالاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم»، وأتى بالدليل على ذلك في شرحها المعروف بـ «الصغرى»، ثم قال ص: ٢٨٥، من حاشية الدُّسوقي عليه: «وقد عُلم من دين الصحابة اتباعه عليه السلام من غير توقف على نظرٍ أصلاً في جميع أقواله وأفعاله إلا ما قام به دليل على اختصاصه به، فقد خلعوا نعالهم لما خلع عليه الصلاة والسلام( )، ونزعوا خواتيمهم لما نزع عليه الصلاة والسلام خاتمه، وحسر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما عن ركبتيهما في قصة جلوسهم على البئر كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم( )، وكاد يقتل بعضهم بعضًا من شدة الازدحام على الحلاق عندما رأوه صلى الله عليه وآله وسلم يحلق رأسه وحلّ من عمرته في قصة الحديبية( )، وكانوا يبحثون البحث العظيم عن هيئة جلوسه ونومه وكيفية أكله، وغير ذلك، ليقتدوا به، وقال لهم عليه الصلاة والسلام لما أرادوا التبتُّل والانقطاع للعبادة ليلاً ونهارًا: «لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنتي فليس مني»( ).

«فانظر كيف ردّهم بفعله الذي لا معدِل عن الاقتداء به، عما قصدوه، أنه يظهر قبل التأمل أن ما قصدوه هو من أكبر الطاعات، وجهاد النفس، وقد ثبت أن ابن عمر لما سأله السائل عن صبغه بالصفرة، ولبسه النعال السِّبتية، وكونه لا يحرم إذا أهلّ هلال الحجة، وإنما يحرم في يوم التروية، وكونه إنما يلمس الركنين اليمانيين، فأجابه بأنه استند في ذلك كله لفعله صلى الله عليه وآله وسلم»( ).

«وقد أدار رضي الله تعالى عنه راحلته في موضع، واعتلّ بأنه كذلك رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعله( )، وانظر قول عمر رضي الله عنه للحجر الأسود: لقد علمتُ أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبّلك ما قبَّلتك( )، وقد ثبت عن بعض السلف ـ وأظنه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ـ: أنه كان لا يأكل البِطّيخ، فقيل له في ذلك؟ فقال: منعني من أكله أنه لم يثبت عندي كيف أكله النبي صلى الله عليه وآله وسلم( ).

وبالجملة: فالاتباعُ له صلى الله عليه وآله وسلم في جميع أفعاله وأقواله ـ إلا ما اختُصّ به ـ ورؤيةُ الكمال فيها جملة وتفصيلاً بلا تردُّد ولا توقُّف أصلاً: مما عُلم من دين السلف ضرورةً، ولا شك أن هذا دليل قطعيّ إجماعيّ على عصمته صلى الله عليه وآله وسلم وفي معناه: عصمةُ سائر الرسل عليهم الصلاة والسلام من جميع المعاصي والمكروهات» إلى آخر كلامه القويّ رحمه الله.

وتبقى حاجة المسلم إلى تنبيه مهم، وهو: ضرورة التفرقة بين الجانب العلمي والجانب العملي في حياته، وإليك بيانَها.

روى البخاري أول كتاب الزكاة (١٣٩٧)، ومسلم أوائل كتاب الإيمان (١٤) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: دُلني على عمل إذا عملتُه دخلتُ الجنة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «تعبد الله لا تُشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان»، فقال الأعرابي: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا، فلما ولّى قال صلى الله عليه وآله وسلم: «من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا».

قال القرطبي في «المفهم» ١: ١٦٦ في شرح هذا الحديث، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في «الفتح» ٣: ٢٦٥ مع الموافقة: «لقد كان صدر الصحابة ومَن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتَهم على الفرائض، ولم يكونوا يفرِّقون بينهما في اغتنام ثوابهما، وإنما احتاج أئمة الفقهاء إلى ذكر الفرق بينهما لِما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها، وخوف العقاب على الترك ونفيه إنْ حصل تَركٌ ما بوجهٍ ما» إلى آخر ما قالاه رحمهما الله تعالى.

ومن لم يلحظ هذه التفرقة، ووقف عند ما يرسمه الفقهاء من أحكام ظاهرية يمكن للمكلَّف أن (يتزغلل) فيها: فإنه يسيء الظنّ بالفقه والفقهاء، وحاشاهم من ذلك، رضي الله عنهم، وَلْيقرأْ سِيَرَهم المشرِقةَ المشرِّفة في كتب الطبقات والتراجم، ليرى ما يخشع له القلب، وتخضع له الرقاب.

وهم حينما يقولون في الأفعال النبوية ما تقدم نقله عنهم، لا يريدون ـ ومعاذ الله ـ التهوينَ في شأن العمل بها، بل يريدون جانبًا علميًا بحتًا، وهو: التوفيق والتنسيق بين الأدلة الشرعية عامة، وما يترتب على العمل بها والترك لها.

أما الأئمة المحدثون: فهم باتباعهم للهدي العام الذي كان عليه سلف الأمة من الصحابة وأتباعهم: يأخذون كل هَدْي وموقف على حدِةَ وانفراد، وكأنهم يشاهدون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على هذا الهدي، فيحرصون على تطبيقه والعمل به، يدل على توجههم هذا قول ابن عمر: «نحن لا نعلم شيئًا، إنما نفعل كما رأيناه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يفعل»( ).

وصلى الله وسلم على سيد الأولين والآخرين، وحبيب رب العالمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وجميع العلماء العاملين، والسالكين على نهجهم إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين( ).

( ) روى البخاري قصة ذلك عن ابن عمر (٥٨٦٧) على أن الخاتم كان من ذهب، ورواه مسلم كذلك ٣: ١٦٥٥، (٥٣)، ثم أعقبه البخاري ومسلم برواية القصة من حديث أنس على أن الخاتم كان من فضة، وينظر الجمع بينهما في «الفتح» 10: 320، فإنه نقل عمن سبقه ثلاثة أقوال، ثم ذكر وجهًا رابعًا من عنده.

(1) رواه من حديث أبي سعيد الخدري: ابن أبي شيبة (٧٩٧٤)، وأحمد (١١١٥٣)، وأبو داود (٦٥٠)، وابن خزيمة (١٠١٧)، وابن حبان (٢١٨٥)، والحاكم (٩٥٥)، وصححه على شرط مسلم.

(2) رواه مالك 1: 291، (13) عن زيد بن أسلم مرسلاً، ورواه عبد الرزاق (٧٤١٢) ـ وعنه أحمد، 5: 343، (٢٣٦٨٢) ـ عن ابن جريج، عن زيد، عن يسار، عن رجل من الأنصار، ورواه مسلم، 2: 844، (٢٥)، من وجه آخر قريب منه، عطاء بن من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

(3) تقدم تخريج هذا الحديث والذي بعده في كلام القاضي عياض.

(4) رواه البخاري (٣٦٩٥)، من حديث أبي موسى الأشعري، لكن رواية مسلم، ٤: ١٨٦٨، (٢٩)، من حديثه أيضًا: كشف عن ساقيه.

(5) هذا طرف من حديث طويل في قصة يوم الحديبية، رواه بطوله وفيه محل الشاهد: عبد الرزاق (٩٧٢٠)، وعنه أحمد ٤: ٣٢٨، ومن طريقه البخاري (2731)، وابن حبان (٤٨٧٢)، ورواه غيرهم مختصرًا ومطولاً دون محل الشاهد.

(6) رواه البخاري، (٥٠٦٣)، ومسلم، (٥).

(7) رواه البخاري، (١٦٦)، ومسلم، (٢٥).

(8) يشير إلى ما رواه ابن عبد البر في «التمهيد» ٥: ١١٩، والبيهقي، ٥: ٢٤٩، عن نافع قال: رأيت ابن عمر إذا ذهب إلى قبور الشهداء على ناقته ردّها هكذا وهكذا، فقيل له في ذلك؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الطريق على ناقته، فقلت: لعل خفِّي يقع على خُفِّه! وعلَّق عليه ابن عبد البر بقوله: «هذا غاية في الاقتداء والتأسِّي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».

(9) رواه البخاري، (١٥٩٧)، ومسلم، (٢٥٠).

(10) قال العلامة الدُّسوقي في «حاشيته» ص: 288: «ذكر ابن النجار الحنبلي في «منتهى الإرادات» ـ ٣: ٤٠٤ بشرح البُهُوتي ـ أن من امتنع من أكل الطيبات بلا سبب فهو مبتدع، وما نُقل عن الإمام أحمد أنه امتنع من أكل البِطيخ لعدم علمه بكيفية أكل صلى الله عليه وآله وسلم له: فكذب، نعم في «المواهب» ـ ٤: ٣٣٧ بشرح الزرقاني ـ كان محمد بن أسلم لا يأكل البطيخ، لعدم علمه بكيفية أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له».

ومحمد بن أسلم: هو الطوسي المتوفَّى سنة ٢٤٢، وقد قال فيه عصريُّه أحمد بن نصر الخزاعي: «إنه رُكنْ من أركان الإسلام». فرحمه الله ورضي عنه.

(11) ذكره الإمام ابن عبد البر في كتابه «التمهيد» 5: 116.

(12) انتهى كلام شيخنا حفظه الله ورعاه، وبارك الله لنا في عمره مع تمام الصحة والعافية، بتلخيص وتصرُّف يسير، ص: 77ـ103، وبذلك نكون انتهينا من هذا الكتاب المبارك، نفع الله تعالى به وبشيخنا.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين