حتى لا نظلم الناس

انني اقدر حجم الضغوط النفسية التي يشعر بها الغيورون على الثورة ومستقبل بلادنا الحبيبة بعد ان اجتمعت على شعبنا الاعزل قوى الاجرام العالمي بما تملكه من ترسانة عسكرية متطورة وجيوش جرارة ، وتواطؤ عالمي على وأد تطلعاته بالمطالبة بالحرية والكرامة كباقي شعوب الارض ، ولم يأل هذا الشعب الأبيّ في تقديم كل ما يملك في سبيل تحقيق ذلك : مليون شهيد ومآت الالاف من المعتقلين ،ومثلهم من الايتام والارامل والمصابين ، واكثر من نصف الشعب السوري مشردون في الداخل ودول الجوار .

وانني اقدر ايضا حجم الم الانكسار والانسحاب ، ووقع ذلك على القلوب الحية، ولكن لا يعني ذلك أن يظلم هؤلاء الأبطال الذين بقوا سنين تحت الحصار الخانق ، والحمم التي تتساقط على رؤوسهم ليلا ونهارا، وقد تكالبت عليهم قوى الشر العالمية القريب والبعيد ، وهم صابرون محتسبون ،يرجون الله واليوم الاخر، والدفاع عن ارضهم وعرضهم .

ولست هنا في موقف التبرير للانسحاب والانكسار الذي يتعرض له المدافعون عن كرامة العباد والأعراض احيانا، فتلك سنة الله الكونية في خلقه، ولا سيما عند وقوع المخالفات ، او عدم تحقق شروط النصر المطلوبة ، او عدم تقارب القوى بين الطرفين .

ففي غزوة أحد انكسر المسلمون امام المشركين وقتل في هذه الغزوة سبعون من خيرة الصحابة رضي الله عنهم ، وهذا مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بين اظهرهم ، وفي غزوة مؤتة وقد استشهد القادة الثلاثة الذين اختارهم رسول الله وهم زيد بن حارثة وجعفر بن ابي طالب وعبدالله بن رواحة رضي الله عنهم ، فقد كان عدد جيش المسلمين 3000 مقاتل مقابل 200000 من جيش الروم والقبائل العربية المتحالفة معه، فلما آلت القيادة الى سيف الله المسلول خالد بن الوليد ورأى انه لا تكافأ بين الفريقين قرر الانسحاب فين بقي من المسلمين ورجع بهم الى المدينة ، واستقبل صبيان المدينة المنسحبين بحصبهم بالحجارة وهم ينادون: يا فرارون ، اتفرون في سبيل الله ؟ والرسول الاعظم بحلمه وحكمته ينادي :بل كرارون ان شاء الله .

هكذا ينبغي ان ننظر الى طبيعة المواجهة بين الحق والباطل ، فالحرب بينهما سجال (والله تعالى يعامل المسلمين وفق السنن الكونية وليس بالخوارق والمعجزات ) ،وعندما سأل هرقل ملك الروم ابا سفيان في الشام (وكان مشركا) عن الحروب بينكم وبينه؟ فقال: سجال اي كر وفر ، قال هرقل: وهكذا الانبياء.

وقد كثرت في هذه الظروف الصعبة والقاسية مقالات اللوم والتنديد والتهوين، بل التخوين من الطيبين والغيورين مع الأسف للمنسحبين من أرض المعركة هنا او هناك ، وهذا الاسلوب مناف للحق والعدل والحكمة، مع اعتقانا اننا على حق ، وان الله ناصر المؤمنين ، (والعاقبة للتقوى) ،(لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) .

والله المستعان وإليه يرجع الامر كله .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين