(حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)

هذا مقطع أخير من سورة يوسف التي حدثتنا عن الأهوال التي لاقاها هذا النبي الكريم صلوات الله عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين في حياته، حتى أدركته عناية الله تعالى فكان له الأمر في نهاية المطاف، لتأتي هذه الآية من التعقيب الأخير في هذه السورة لتحدثنا عن الدعوة إلى الله وأعبائها وأنها ليست رخيصة كما يقول سيد قطب رحمه الله.

نختار هذه الآية اليوم ونحن نرى أمم الكفر تتزاحم على المجاهدين في سبيل الله المدافعين عن عقيدة الإسلام وأرض الإسلام وأهل الإسلام، وقد حدث من أهل الإسلام اليوم من الخذلان للمجاهدين ما الله به عليم، وصارت قلوب المؤمنين تتراقص من الخوف على المجاهدين أن يخذلهم الله !! والله تعالى ما كان يوما خاذلا للمجاهدين الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله، ويأتي القرآن الكريم ليثبت المؤمنين المرابطين مع المجاهدين، فيحدثنا عن بعض ما كان يحدث مع بعض الأنبياء والمرسلين من مثل:" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" فهذا مشهد من المشاهد التي تحدث مع أعظم أولياء الله، وهو يعطي المسلمين المجاهدين في غزة اليوم صورة من الصبر والثبات التي تربط قلوبهم بالله تعالى، وهم يرون خذلان العالم الإسلامي كله لهم.

 

وللأسف العالم الإسلامي ينتظر كل يوم مجيء نسناس من أمريكا يوحي في أذن الصهاينة ما يريد، ثم يأتي للعرب فيوحي لهم وحيا آخر يمنيهم فيه الأماني، والمسلمون يظنون أن النصر يأتينا من أمريكا أو من دول الغرب المجرمة، ونسوا أن هؤلاء المجرمون لا ينسون تاريخهم المظلم في تعاملهم مع المسلمين، ولذلك الذين ينتظرون إنسانية هؤلاء المجرمين هم حقيقة بلا عقول أو استولت عليهم شهواتهم فأنستهم إنسانيتهم وقضاياهم، وأشبعتهم أوهام أمريكا بالسراب إن كان السراب يشبع أحدا.

 

وإزاء هذا الأمر وهذا التقاصر عن نصرة المجاهدين وإعانتهم لا بد للشعوب التي أسلمت أمرها لمن لن ينصرها ويحقق لها شيئا من أمانيها، فالمطلوب اليوم الاتكاء على الشعوب لإلهاب قضاياها في النفوس  وأول وسائل الإلهاب هو شد الأحزمة على البطون، ولا أقول عليهم أن يمتنعوا عن الأكل والشرب الذي حرمه أهل غزة، ولكن ليبدأوا في شرق الأرض وغربها وفي كل زواياها بمقاطعة كل ما يأتينا من أمريكا والدول الفاجرة الظالمة فإن هؤلاء لا يفهمون الإنسانية إلا من خلال مصالحهم وجيوبهم، وعلى المسلمين في جميع الدول أن يقاطعوا منتجاتهم ولا أقول أن يطالبوا الدول بمقاطعة المنتجات، بل يقوموا هم بمقاطعتها فإن الدول لا تستطيع إلزام الناس بشراء تلك البضائع، ولتنصرف همم الناس في كل البلدان الإسلامية بإعلان انهم لن يشتروا إلا ما تنتجه بلادهم، وسيرون بأنفسهم أنهم كانوا يعيشون الوهم والخديعة من عدم استطاعتهم العيش بدون تلك البضائع، وسيرون تراكض المجرمين على استرضائهم، هذا أولا.

 

وأما ثانيا فعلى المسلمين في سائر أقطار الأرض مقاطعة كل من يتعامل مع اليهود بأي معاملة، ليكون هذا الصنف من الناس من المنبوذين اجتماعيا وحتى يعلموا أن نفاقهم للكفرة واليهود وباله على رؤوسهم..

 

وأما ثالثا في المقال وأولا في العمل على المسلمين أن يثقوا بربهم فإن من وثق بالله لن يخذله، وليعلم المسلمون أن لله سننا منها سنة التمحيص التي أخبر عنها في كتابه يوم قال:" وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" ولا شك عندي أن محق الله لليهود ومن والاهم هو قاب قوسين أو أدنى، وقوله تعالى:" وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور" وأما الأمر الأخير فعلى المسلمين أن يطردوا كل وسواس لهم باليأس فإن المسلم أبدا لا ييأس من ربه لذلك، قال الله تعالى:" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"

 

وأما ما يتعلق بالحياة التي يعيشها المسلمون في كل الدنيا فهي للأسف مبنية على الرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان اليها، والواجب اليوم أن نصلح أمر هذه الحياة بالخطط الجادة والعمل الأكيد بالعودة الراشدة إلى ديننا وقيمنا فإن ذلك هو السبيل لا غير، لنشم رائحة العزة والأنفة، بعدما مللنا رائحة الذلة والمهانة.

اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد

تلك نفثة مصدور على صفحة تملؤها السطور


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين