حال المؤمن مع الله بين القرب والبعد

 

= كان لي حال مع الله ، ووصلت لدرجة أنني كنت أستطيع قراءة عقل من أمامى وأعرف فيم يفكر ..!!

 

== وتلك نعمة لو حافظت عليها ..!!

 

= لا ، لم أحافظ عليها ..

 

== كيف ؟

 

= بَعُدْتُ عن الله ، وتركت قيام الليل ، والأذكار الراتبة ، وزيار القبور ، وسائر النوافل ، ولم اعد أذكر الله إلا قليلا ..!!

 

== !!!

 

= ضاقت نفسي فصرت أغضب لأقل سبب ، وأرى أن أى كلام من أى شخص ، هو كلام سيء يقصد به توجيه إهانة خفية لي ، انشغلت بالدنيا ، وصرت أُحَمِّل الأمور أكثر مما ينبغي ..!!

 

== هذا من شؤم البعد عن الله ..!!

 

= نعم ، أعلم هذا .. لكن المشكلة ليست هنا .. !!

 

== فأين المشكلة إذا ؟!

 

= المشكلة أن تقدريري للأمور ، وشفافيتي انعكست ..!!

 

== كيف ؟

 

= لما كنت صاحب حال .. كان قلبي يحدثني عن أحوال الناس وطباعهم ، وغالبا ما يصدق حدسي وتوقعاتي ، لكننى لما بعدت وأهملت صرت أرى بعض الناس ممن لا علاقة لي بهم فأجد في قلبي بغضا ونفورا لا أعرف لهما سببا .. كنت في الابتداء أُصَدِّق نفسي سيرا على قانوني المعهود .. لكنني مع الوقت اكتشفت أن مَن أُبغضهم من خيرة الناس ، خاصة حين أقترب منهم فى معاملة أو مجالسة .. ومن هنا بدأت اتهام نفسي.. !!

 

== وكيف اكتشفت انقلاب موازينك ..؟!

 

= لم اكتشف ذلك دفعة واحدة .. لكنك قد تعجب إن قلت لك عن موقف واحد منها مما أثر في نفسي وكان من الأسباب التي جعلتني أعيد التفكير في موازيني وعلاقتي بالله ..!!

 

== وما هو ؟

 

= كنت قد واعدت بعض الأخيار للقاء في صلاة العشاء بأحد المساجد ، وأنا على يقين أنه من خيار الناس وأفاضلهم .. ذهبت إلى المسجد واصطففنا صفوفا .. دخل بجوارى رجل لم أعرفه لكنني كنت اجد ضيقا فى الصلاة من هذا الرجل دون سبب واضح .. لدرجة أنني بعد انتهاء الصلاة مباشرة قمت من الصف لا ألوى على شيء حتى لا أطيل الجلوس بجواره .. كل هذا والرجل لم يتسبب لى بأي أذى مادي ولا معنوي ولا علاقة لي به أصلا ..!!

 

== ثم ..!!

 

= ثم جلست في آخر المسجد منتظرا صاحبي ، فإذا بي أفاجأ أنه هو الذي كان بجواري في الصلاة ..!! من يومها وأنا علمت آسفا أن الله قد سلب مني ما قد أعطى ، بل زاد عليه بغضا في قلبي للأخيار ..!!

 

== السبب واضح يا صديقي ، فأنت الذى تغيرت ، ومنك حدث الإعراض ..!! وفي كتاب ( الداء والدواء ) لابن القيم سرد لآثار الذنوب والمعاصي ، و ما ذكرته معدود منها ؛ فالمعاصي تزيل النعم ، وتُمرض القلب ، وتُعمي البصيرة .. !!

 

= أترى شيخنا أنني إن عدت عادت المنح ، أو ظلت منقطعة مسلوبة ..!!

 

== تعود المنح وربما زادت ، وربما لا تعود بصورتها الأولى بل قد تأتيك في صور أخرى تكون أكثر نفعا لك .. لكنني حزين عليك ..!!

 

= وأنا حزين على نفسي ، فبم تنصحني ..!!

 

== أنصحك ألا تثق في تقديراتك ولا في تقييمك للأشخاص في حالتك الراهنة ؛ حتى لا تعادي أولياء الله ، وربما كان بغضك لشخص علامة لك أنه على خير ، اتهم نفسك ، واعلم أن كل الناس خير منك ، والزم الضعف والمسكنة وأدمن قرع باب الكريم ، مع كثرة الذكر .. استمر على هذا حتى يفتح الله لك ..

 

= وهل يفتح الله لي مرة أخرى ..؟!

 

== عِلْمُك بالسلب بعد العطاء ، وحزنك على نفسك يقظةٌ مَنَّ الله بها عليك .. واليقظة أول مدارج السالكين .. فارجع إلى عهدك الأول تجد ربا رؤوفا رحيما ، يقول لك ( من أتاني يمشي أتيته هرولة ) ، وكرر في سجودك ، ولا تمل من الإلحاح على ربك : اللهم إني أعوذ بك من السلب بعد العطاء..!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين