حالهم مع القرآن

في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم وقومه "فمن تبعني فإنه، مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" وقرأ قوله تعالى في عيسى وقومه " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فتأملوا يا عباد الله كيف تأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوة هاتين الآيتين لقد رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد، فسله ما يبكيك؟ وربك أعلم فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله بما تلاه من القرآن وبما دعا، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك

أما أصحابه فقد كان حالهم مع القرآن كما نعتهم الله في كتابه

ففي شعب الإيمان للبيهقي قال عبدالله بن عروة بن الزبير: قلت لجدتي أسماء بنت أي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله

بل إن آيات القرآن أيها الإخوة كانت ترافقهم فيتأثرون بها في كل حركاتهم وسكناتهم فقد ذكر ابن كثير في تفسيره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بدير راهب فناداه، يا راهب فأشرف فإذا وجهه شاحب من كثرة التنسك والعبادة وهو على الشرك، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: ذكرت وأنا أنظر إلى وجهه قول الله عز وجل "وجوه يومئذ خاشعة، عاملة ناصبة، تصلى نارا حامية" فذاك الذي أبكاني

هل تخيلت أخي في الله أن آيات القرآن تصاحبك وتؤثر فيك حتى عند شربك للماء البارد هؤلاء هم أصحاب رسول الله وفهمهم للقرآن ففي صفة الصفوة عن سمير الرياحي عن أبيه قال: شرب عبدالله بن عمر ماء مبردا فبكى فاشتد بكاؤه فقيل له ما يبكيك؟ فقال: ذكرت آية في كتاب الله عز وجل "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئا كما يشتهون هذا الماء البارد وقد قال الله تعالى "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء.."

والأعجب من ذلك أن يصاحب القرآن الكريم الصحابة الكرام في جلسات أنسهم مع زوجاتهم فقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما روي عن الإمام أحمد عن قيس بن حازم قال: كان عبدالله بن رواحة واضعا رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله عن نار جهنم "وإن منكم إلا واردها كان.." فلا أدري إن وردت على نار جهنم هل أنجو منها أم لا؟

أيها الإخوة قد يحتج البعض فيقول ومن مثل جيل الصحابة فقد لهم على الخير أعوانا لذلك سأروي لكم قصة شاب من واقعنا المعاصر فتأملوا يا عباد الله كيف كان تناوله للقرآن

والقصة من كتاب هكذا عاشوا مع القرآن

يقول الشاب حينما بدأت في حفظ كتاب الله تعالى، كنت أقف أمام بعض

الآيات التي تؤثر في قلبي جدا، وأكررها عشرات المرات، ثم أكتبها على ورقة بخط يدي وأضعها أمامي متأملا كلماتها ومعانيها في كل حين فكنت أشعر أن هذه الآيات تحدث تأثيرا كبيرا في قناعاتي وعقيدتي ومبادئي.

ومن تلك الآيات العظيمة التي كتبتها وعلقتها عل جدار غرفتي قوله تعالى:

"وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم"

يقول الشاب: لفد عالجت هذه الآية عندي أكثر من ٠ ٩ من الحزن والكأبة والقلق والخوف

وهذه قصة أب مشفق على أولاده فتأملوا كيف أسعد القرآن حياته وأمن به مستقبل أبنائه حتى بعد موته يقول الأب دائما كنت أفكر في أولادي ومستقبلهم، وتراودني فكرة أنني قد أموت وأتركهم. وهم أطفال صغار، وأفكر كيف سيكون حالهم من بعدي؟

ولكن ذات مرة وأنا أقرأ سورة الكهف، وعندما وصلت إلى قوله تعالى:

"وكان أبوهما صالحا، فأراد ربك أن يبلغا أشدهما.."

وقفت عندها كثيرا وتأملتها، وأصبحت أرددها كثيرا في نفسي وما الذي يعنيه أن يكون الأب صالحا؟ وما أهمية هذا الصلاح في حفظ الأبناء؟

وقررت بعدها أن أبحث عن تفسيرها، والذي ما إن قرأته حتى أنار في نفسي أمرا بالغا، وجعلني أقرر أن أصلح أولا من أحوالي؛ سواء على صعيد علاقتي بربي، أو علاقتي بالناس من حولي حتى أنتفع بهذا الصلاح وينتفع به أولادي من بعدي.

وللأطفال مع كتاب الله قصص أخرى

فهذا طفل ككل الأطفال، عمره ست سنوات في الصف الأول الابتدائي

قامت أمه الصالحة بتربيته على كتاب الله عز وجل منذ نعومة أظفاره، فأحب

كتاب الله وبدأ في حفظه، وفي يوم من الأيام ذهبت أمه إلى المدرسة لأخذه، فوجدته منشغلا يكتب شيئا في ورقة معه، فنادته فأقبل إليها ومعه الورقة، وظنت أنه كان يرسم في تلك الورقة شيئا يسليه في وقت الانتظار فأخذت الورقة منه عل عجل، وقامت بطيها، فخاف ابنها أن ترميها، فقال لها: أمي؛ أمي! لا ترمي هذه الورقة.

- قالت له: لم؟

- قال لأن بها قرآنا.

- فأخذت الأم تقرأ الورقة! ثم قالت: أنت كتبت هذه؟

- قال لها: نعم.

- قالت له في اندهاش: ولم كتبتها؟

- قال لها: يا أمي؛ إن صديقي الذي يجلس أمامي في الفصل ظلم صديقنا

الآخر ظلما كبيرا، وقام بأذيته دون سبب، فقمت بكتابة هذه الآية لصديقي

الظالم لأذكره بالله وأخوفه منه.

فأخذت الأم تقرأ الآية وتدمع عيناها وتحمد الله الذي رزقها بهذا الولد الصالح فكانت الآية من سورة الأحزاب التي كان قد بدأ الطفل في حفظها قريبا وهي قوله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين