جيش الله المختار

يزعم بنو إسرائيل أنهم شعب الله المختار، وذلك لأن الله فضلهم على العالمين، كما ذكر القرآن: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47]، وذلك في فترة من فترات التاريخ، لكن هذا التفضيل ليس لما يظنونه، لعلاقة بينهم وبين الله {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]، ولا بأصلهم وأنهم ساميون، ولا بلون بشرتهم، ولا بغناهم، وإنما هو يتعلق بكونهم الأمة التي كانت تحمل رسالة الله في ذلك الزمان، وهم مفضلون مختارون بمقدار استمساكهم برسالة الله، فإن فرطوا فيها، أو تركوها، فهم وغيرهم عند الله سواء. 

{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف:137].

 

وورثت الأمة المسلمة رسالة السماء، وووصفهم الله بأنهم خير أمة أخرجت للناس: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، ولكن هذه الخيرية ليست وساما يمنح لصاحبه مدى الحياة، وإنما هي صفة مرهونة بأعمال يقوم بها من يريد أن يستحقها، وهي: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110].

 

وحتى لا يقع المسلمون فيما وقع فيه بنو إسرائيل، من أن يظنوا أنهم شعب الله المختار، وأن لهم أن يفعلوا ما شاؤوا، فقد قص الله عليهم قصص بني إسرائيل، وكيف تحولوا من أمة مفضلة مختارة، إلى أمة ملعونة مغضوب عليها من الله سبحانه، {وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والمَسْكَنَةُ وبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرونَ بِآياتِ اللهِ ويَقْتُلونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة:61].

 

وقد نبه جل علماء الإسلام – إن لم يكن كلهم – إلى هذا المعنى، تحذيرا للأمة الإسلامية أن تحذو حذو بني إسرائيل، فتركن إلى الصفة من غير تحصيل متطلباتها، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله سبحاته وتعالى، التي لم تتصف الأمة بالخيرية إلا بها.

 

انتهى الكلام عن الدين، ونفصل بفاصل من أجل الذين يتخبطهم الشيطان من المس، إذا تكلم الدين في السياسية، خاصة إذا كان الكلام على غير هواهم.

 

* * *

 

سؤال: لماذا يعد أي جيش من الجيوش عظيما؟

الإجابة: بمقدار قيامه بواجبه، من حماية الوطن والمواطنين، وذلك بالحفاظ على كل شبر من أرضه، وكل نقطة دم من دماء أبنائه، فنقطة الدم ليست أرخص من حبة الرمل، ولا من شبر الأرض، وقتل نفس واحدة بغير حق كقتل الناس جميعا، وحرمة دم المسلم أشد من حرمة الكعبة بيت الله الحرام.

 

وتقدم الشعوب ما يحتاجه الجيش أفرادا ومعدات على حاجاتها الأخرى، من أجل اللحظة التي تحتاجه فيها للدفاع عن الأرض والعرض والسيادة.

 

ويظل الجيش عظيما ما دام يقوم بمهمته العظيمة، رادًّا للعدوان لا أن يقوم هو بالعدوان، مقاوما الظلم، لا أن يستخدم أداة لظالم، باذلا الدم فداء للوطن، لا أن يشارك في إراقة دماء شركاء الوطن، حارسا للثغور من الأعداء، لا غافلا ولا متواطئا ولا خائنا.

 

على أن وصف جيش بالعظمة أو نزعها منه، لا ينسحب بالضرورة على جميع أفراده، فقد يكون الفرد عظيما بين حقراء، وقد يكون حقيرا بين عظماء، والذي يحدد هذا أو ذاك هو ما تقوم به أنت كفرد، وحين تكون أغلبية الأفراد عظيمة، فهذا ينسحب بالضرورة على المجموع.

 

وحين تنهزم الجيوش تفقد وصف العظمة، بل تحمل أوصاف الانكسار والهزيمة والخيبة، والشعوب تتنكر لها، وتحثو في وجوه جنودها التراب، كما فعل الأطفال في المدينة مع العائدين من غزوة مؤتة، ووصفوهم بالفارين، وكما كان حال الجيوش العربية وفي مقدمتها الجيش المصري بعد هزيمة 1967م، حتى استطاع أن يرفع رأسه مع رفع العلم المصري على أرض سيناء في أكتوبر 1973م.

 

وكذلك يفقد الجيش عظمته إذا قصر أو أهمل فضلا عن أن يعمل ضد أهدافه، من الحفاظ على أرض الوطن وسيادته ودم المواطن وكرامته - من حيث يدري أو لا يدري – فحينئذ لا يدعى عظيما لا في الأرض ولا في ملكوت السماء، وكما بطل وصف التفضيل والاختيار لبني إسرائيل، وكما ينقص وصف الخيرية للأمة بمقدار نقصها، يبطل وصف العظمة في حق الجيش إن فرط أو تجاوز، مهما كانت الأسباب.

 

وليس الأمر كما زعم  أحدهم أن الجندي بمجرد أن انتعل البيادة، وارتدى ثياب العسكرية، واعتمر القبعة، وضرب تعظيم السلام، فهو يعمل عند الله!! بل هو يعمل عند الله بمقدار التزامه بأوامر الله في جنديته، فالبدلة العسكرية ليست محلا لنظر الله، إنما محل نظر الله هو قلب صاحبها وعمله، فالله لا ينظر إلى الصور والأجساد وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال.

 

وليس عنده شعب مختار، ولا جيش الله المختار.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين