جواب للشيخ الغيور على السنة النبوية

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ومن اقتدى بهداه.

كنتُ قد كتبت بحثا حول الحديث النبوي الذي يقول فيه راويه "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة"، وعن كلمة "إلا أن تروا كفرا بواحا"، التي جاءت في ذيل أحد طرق الحديث، والتي قد تبين لي بالأدلة الحديثية أنها مُدرجة، أي هي مقحمة في النص وليست منه.

كما كتبت بحثا حول الحديث النبوي الذي يقول فيه راويه "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني"، وعن كلمة "وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع"، التي جاءت في أحد الطريقين اللذين روي بهما الحديث، والتي قد تبين لي بالأدلة الحديثية أنها مقحمة في النص وليست منه، لأن الثابت في الحديث هو النص الذي جاء في الطريق الآخر.

وقفَ على هذين البحثين أحد طلبة العلم، فاستغرب غاية الاستغراب، وكتب جوابا طويلا يتعقب فيه كلامي، وافتتح التعقبات بقوله "مَن هذا الزنديق الذي يقول هذا الكلام"؟!. هكذا بهذا اللفظ!!!.

كتبت له هذه الرسالة التالية جوابا على ما قاله، أود أن أنشرها لعل فيها شيئا من الفائدة في أمرين اثنين: أحدهما التعقبات العلمية، وهذا خاص لطلبة العلم والذين قد يوافقون على ما جاء فيها وقد لا يوافقون، وثانيهما ـ وهو الأهم عندي الآن ـ إبراز ما أراه الصواب في طريقة الردود، وهذا عام لكل المتحاورين، فقد كثر في الأمة اليوم الابتعاد عن طريقة السلف الصالحين في الحوارات والردود العلمية.

وهذا نص الرسالة الجوابية:

حضرة الأخ الكريم سليلَ الأماجد الكرام، حفظه الله بخير وعافية وأمتع الأمة بعلمه وفضله وغيرته الإسلامية الصادقة:

قرأت مقالتك بتمامها فجزاك الله خيرا، وأرجو أن تسمح لي بأن أقتطع منها بعض الفقرات التي أود التعليق عليها.

أقول أولا: لا ينبغي الخلط بين من يتكلم بقصد الهدم ومن يتكلم بقصد البناء، فسامحك الله على ما كتبته بدافع الغيرة وإن كان في غير محله.

قلتم بعد البسملة والحمدلة: النقاش والحوار شيء جيد ومفيد ولكن إن كان الغرض من ذلك النقاش والحوار هو الوصول إلى الحق والاستفادة والرجوع عن الخطأ.

أقول:

جزاك الله خيرا، والأصل في الحوار بين المسلم والمسلم إحسان الظن.

قلتم: صحيح الإمام البخاري ـ رضي الله عنه ورحمه وأسكنه الجنة وغفر له ولوالديه ـ : من يطعن في صحيحه العظيم المبارك هو أحد رجلين : إما جاهل غبي ، أو زنديق ردي ...

أقول:

هذا هو ما درج عليه كثير من أهل العلم، ولكن {وفوق كل ذي علم عليم}، فهل ما وصل إليه البخاري ووضعه في الجامع الصحيح هو صحيح فعلا حسب منهج الإمام البخاري نفسه وغيره من الأئمة النقاد؟!. لا بد من البحث، فلنشمر عن ساعد الجد.

قلتم: وقد أجمعت الأمة من لدن الإمام البخاري إلى عصرنا بقبول جميع أحاديثه وصحتها ، والأمة لا تجتمع على ضلالة.

أقول:

الأحاديث التي في الصحيحين انتقد بعضَها بعضُ كبار الأئمة النقاد، وهو ما رجحه الحافظ ابن حجر رحمه الله، فهل يجب علي شرعا الأخذ بترجيح البخاري دون غيره من الأئمة؟!. فالمسألة ليس فيها إجماع.

كيف يغيب عمن يتكلم في صحة أحاديث الصحيحين أقوال عدد من الأئمة في القرن الرابع الهجري الذين انتقدوا بعض أحاديث الصحيحين كالدارقطني وغيره؟!.

هل قرأتم كتاب التتبع للدارقطني وكتاب الحافظ أبي الفضل بن عمار الشهيد وغيرهما في هذا الباب؟.

قال ابن حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري: [واختلف كلام الشيخ محيي الدين النووي في هذه المواضع، فقال في مقدمة شرح مسلم ما نصه: "قد استدرك جماعة على البخاري ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما، ونزلت عن درجة ما التزماه، وقد ألف الدارقطني في ذلك، ولأبي مسعود الدمشقي أيضا عليهما استدراك، ولأبي علي الغساني في جزء العلل من التقييد استدراك عليهما، وقد أجيب عن ذلك أو أكثره". وقال في مقدمة شرح البخاري: "قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها، وذلك الطعن مبني على قواعدَ لبعض المحدثين ضعيفةٍ جدا مخالفةٍ لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم، فلا تغترَّ بذلك"]. وعقـَّب ابن حجر على قولي النووي فقال: [وسيظهر من سياقها والبحث فيها على التفصيل أنها ليست كلها كذلك، وقوله في شرح مسلم "وقد أجيب عن ذلك أو أكثره" هو الصواب، فإن منها ما الجواب عنه غير منتهض، كما سيأتي].

ثم قال ابن حجر: [فهذه جملة أقسام ما انتقده الأئمة على الصحيح، وقد حررتها وحققتها وقسمتها وفصلتها، لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر].

هل وقفتم على هذه النبذة الأخرى من كلام ابن حجر إذ يقول: "حديث ابن المبارك عن ... رواه البخاري ...، فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي صلى الله عليه وسلم، ... بل هذا من قول أبي هريرة رضي الله عنه أُدرج في المتن، ..."؟.

ثم أقول: متى حصل الإجماع؟!.

ولا تنس أن الإجماع المتفق عليه هو إجماع الأمة، أي إجماع الصحابة رضي الله عنهم فمَن بعدهم، وإذا كنت تحتج بإجماع المجتهدين في أي عصر من الأعصار فهل إجماع العلماء الذين قالوا بصحة أحاديث الصحيحين في عصور إقفال باب الاجتهاد حجة؟!.

ثم أليس المثال المذكور في كثير من كتب علوم الحديث للحديث المقلوب وللحديث المعلول هما من صحيح مسلم؟!، وأليس الذين ذكروا ذينك المثالين هم القائلون بصحة أحاديث الصحيحين؟!. فتدبر.

قلتم: ثم من هو هذا الجهبذ الذي عنده القدرة للنظر والبحث في أسانيد صحيح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ، وإنما هو اعتماده في التوثيق والتضعيف لرجال الأسانيد على الإمام البخاري نفسه ...

أقول:

إن من يتعرف على منهج الإعلال عند الإمام البخاري وغيره من الأئمة فمن حقه أن يحاكم المرويات التي في صحيح البخاري لذلك المنهج.

قلتم: وانظر إلى الإمام مسلم ـ رضي الله عنه ورحمه وأسكنه الجنة ـ كيف كان يقول لشيخه الإمام البخاري ـ رحمه الله وأسكنه الجنة ـ : "دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله".

أقول:

لو تدبرنا منهج البخاري في إعلال الرواية التي كانت السبب في هذه الحكاية مع موافقة مسلم على الإعلال لفهمنا المنهج، وهو الذي مشى عليه أئمة المحدثين. فهل تقبلون الرجوع لهذه القصة وتدبر منهج الإعلال؟!. وكنتُ قد كتبت نبذة في ذلك فلو سمحتم لي لأرسلتها إليكم، ولكن أفضِّل أن تبدؤوا البحث بنفسكم قبل أن تقرؤوا ما كتبه العبد الخطاء المقصر صلاح الدين.

هل تقبلون بالسير على منهجهم أو إن المراد هو قبول النتائج التي في كتابيهما بغض النظر عن المنهج؟!.

قلتم: وقال أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي : لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلى بن المديني ، وغيرهم فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث ، قال العقيلي : والقول فيها قول البخاري ، وهي صحيحة .

أقول:

هذا قاله ابن حجر في مقدمة فتح الباري فأين السند إلى العقيلي؟.

قلتم: ثم أقول أخيرًا : بقول من نأخذ ، بقول من أجمعت الأمة على إمامته وعظم مكانته وديانته وإيمانه ، أم بقول مجهول لا يعرف ما غرضه ومراده من الطعن في صحيح الإمام البخاري ؟؟!! .

أقول:

لكم اختياركم في الترجيح إذا كنتم من أهل الترجيح، ولكم اختياركم فيمن تقلدون إذا كنتم في هذا الباب من أهل  التقليد، ولكن ليس من حق المقلد أن يرجح بين أقوال أهل العلم.

قلتم: وأمَّا بالنسبة للخوض في أمور الدين فأقول  : إنَّ أمور الدين لا يجوز لكل من هب ودب أن يتكلم فيها برأيه ومزاجه دون علم ...

أقول:

هذا هو الحق، فجزاكم الله خيرا، وليتنا نلتزم به.

قلتم: أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في دينه ويغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ... والحمد لله أولًا وآخرًا

أقول: اللهم آمين، وتقبل الله منكم، وأرجو أن تخصني بالدعاء الخالص.   

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين