جهاديات

 

    لا يَخفى على العُقلاءِ أولي الفِطنَةِ أنَّ الصراعَ بين أولياءِ الرحمن وأولياءِ الشيطانِ له ميادينُ عديدةٌ، ليس ميدانُ المُنازَلَةِ والقتال بأعظَمها.

فهناك ميدانُ الإعلام، وجهادُهُ اللسانُ والقلم.

وهناك ميدانُ السياسة، وجهادُهُ التنظيرُ والتخطيط.

وهناك ميدانُ المَحاضِنِ التربوية، وجهادُهُ التعليمُ والتثقيفُ ونشرُ الوعي.

وهناك ميدانُ الشارع بكلّ أطيافِه، وجهادُهُ الدعوةُ والإرشادُ والصبرُ على الأذى.

ولكن..أخطَرُ ميدانٍ للصراعِ على الإطلاقِ هو:"ميدانُ النفس"!!

وجهادُهُ فِطامُها عن هواها وإلزامُها بمُرادِ ربّها.

فما لا يلحظُهُ الغافلونَ أنَّ النصرَ أو الهزيمةَ في هذا الميدانِ هو مُقَدِّمَةُ النصرِ أو الهزيمةِ في سائرِ الميادين!!

(والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم "سُبُلَنا" وإنَّ الله لمعَ المحسنين).

 

جهاديات"7

 

عرَّف بعضُهُم الحكمةَ بأنَّها:

"فعلُ ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي"

فيخرُجُ بقيودِ هذا التعريفِ أصنافٌ من الناس، فيهم طلبةُ علمٍ ودُعاةٌ وعبادٌ ومجاهدون؛

ماسة برتقالية صغيرةالأول: من يفعلُ ما لا ينبغي:

 مثالُه: أن يزجُرَ ذميًا على حَلقِ لحيته!!

ماسة برتقالية صغيرةالثاني:من يفعلُ ما ينبغي ولا يراعي الوجهَ الذي ينبغي:

ومثالُه:أن يكونَ المزجورُ من عُصاةِ المسلمين فيُقيمَ عليه الحدَّ بالجَلد، ولا حَدَّ!!

ماسة برتقالية صغيرةالثالث: من يفعلُ ما ينبغي كما ينبغي لكنَّه لا يُراعي الوقتَ الذي ينبغي:

ومثالُه: أن تكون المعصيةُ مما يُحدُّ فاعلُه ولكنَّه فعلَ ذلك وقتَ الحرب، حيثُ تؤجَّلُ الحدود!!

هذه الشروطُ الثلاثةُ من حقَّقها فهو الحكيم، وله البُشرى من الله بالخير الوافر..(ومن يؤْتَ الحكمةَ فقد أوتيَ خيرًا كثيرًا)

وفي المقابل، وبمفهوم المخالفة: من فقَدَ الحكمةَ فقدْ فَقَدَ خيرًا كثيرًا !!

فكم نسبةُ الواجِدِ إلى الفاقِد؟!

وكم ضيَّعت الأمَّةُ من خيرٍ بتضييعِها؟!

اللهمَّ لُطفَك.

 

جهاديات" 8

 

    لا يقدِرُ على تحقيق الاقتداءِ بالنبيّ صلَّى الله عليه وسلم مَن لم يتعرَّفْ على الأحوال والمراحل المختلفةِ التي مرَّ بها ويدركْ خصائصَ كلّ مرحلةٍ وسِماتها، وكيف تعاملَ معها، لقد عدَّ الإمامُ ابنُ القيّم رحمهُ الله  تعالى سبعًا وعشرين مرحلةً، تقلَّبَ فيها نبيُّنا الكريمُ بين الضعفِ والقوّة، بين السلمِ والحرب، بين الاستضعافِ والتمكين،...إلخ.

إنَّ الدراسَ لسيرته الشريفةِ يجدُ أنَّ منهجَه عليه الصلاةُ والسلام في التعاطي مع الظروف المختلفةِ لم يكن بنمطيةٍ واحدةٍ بل تعاملَ مع كلّ مرحلةٍ أو حالٍ بما يناسبُه لتحقيق مصلحة الدين العُليا.

فعندما ترجحُ المصلحةُ في الحرب يُحارب، وعندما ترجح ُفي السلم يُسالم، وكان يستشيرُ أصحابه في الشؤون العامَّة وهو سيدُ العلماء وإمامُ المجاهدين.

فالتشبُّثُ بنمطيَّةٍ واحدة ٍوالجمودُ عليها في التعاطي مع المتغيّرات وعدمُ مُراعاةِ تباينِ الظروفِ والأحوالِ هو جهلٌ بهدي النبيّ عليه الصلاة والسلام ومقاصد دينه، وهو ليس من الاقتداء به في شيء، بل هو عينُ المخالفةِ عن أمره والمُجافاة ِلسُنَّته.

 

جهاديات"9

 

  لم يكُن العدوُّ في يومٍ من الأيام عَدوًا واحدًا،  ولم يكُن الصراعُ في يومٍ ما في دائرةٍ واحدَة، بل العدوُّ متعدّد، ودوائرُ الصراع متعدّدةٌ ومتداخلةٌ في أكثر الأحيان.

غالبًا ما يجتمعُ في مواجهتك عدوٌّ داخليٌّ وعدوٌّ خارجيٌّ، وكلٌّ منهما ينقسمُ إلى درجاتٍ في شدَّةِ العَداوة، والبُعدِ والقُرب!

قاعدةُ الصراعِ الكُبرى هنا:

1. تجزئةُ العدوّ قدرَ الإمكانِ، وضربُ بعضِهم ببعض، فيقومُ جزءٌ منهم ببعضِ عمَلك.

2. تحييدُ من يُمكنُ تحييدُهُ ألا يكونَ في صفِّ الأعداء، وهو العدوُّ الأبعَد.

3. إرجاءُ بعضِ المواجهاتِ الحَتميَّةِ إلى مراحلَ لاحقَة، كمواجَهةِ المنافقين.

 

ودون ذلك الفشلُ لا مَحالة !!!

 ومَن لم يفعل، لم يدرُس السيرةَ، ولم يقرأ التاريخَ، ولم يفقه سننَ الله في خلقِه.

 

جهاديات"10

 

    من أخطر المناهج وأضرّها بأهلها عدمُ الإيمانِ بالتدرُّج والمرحلية، والتعجُّلُ في قَطفِ الثمار قبلَ نُضجها، والنهَمُ في الحصول على كلّ المكاسب في وقتٍ واحد!

هم لم يُدركوا بعد أنَّ من أراد تحصيلَ كلِّ شيءٍ أضاعَ كلَّ شيء !!

وأنَّ من تعجَّلَ الشيءَ قبلَ أوانهِ عوقِبَ بحرمانه!!

قد تتحقَّقُ مكاسبُ آنيةٌ، ولكن سُرعانَ ما تتبدَّدُ وتذهبُ أدراجَ الرياح لِفَقدِ الحكمةِ والنَّهجِ الرشيد في إدارتها.

جميلٌ أن تكسبَ !!

لكنَّ الأجملَ أن تُحافظَ على مُكتسباتك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين