جراثيم سورية

الدكتور عثمان قدري مكانسي

ادّعى بشار أسد في خطابه الثاني قبل فترة أن في سورية أربعاً وستين ألف جرثومة. ويقصد بالجراثيم - كما تعلمون - الشباب الذي يقودون المعارضة في المدن والبلدات والقرى والأرياف . وأنه سوف يقضي على هذه الجراثيم . ولم تمض أيام حين جاءت جمعة إسقاط الشرعية حتى توالدت الجراثيم فكانت ثلاثة ملايين جرثومة تنادي بسقوط نظام الطاغية .
والحقيقة أن الجراثيم هي التي تقف عائقاً أمام تطلعات الشعب وتقمعه ، وتفرض نفسها عليه بقوة الجيش والأمن والبلطجية و( الشبيحة ) . ولا ترى هذه الجراثيم من يستحق الحياة سوى ذاتها وأنانيتها . فتستسهل القتل وزرع الموت في كل ركن وزاوية من الوطن الحبيب ، وتستحل سفك الدماء ، وتلقي على شباب الأمة ورجالاتها الأحرار صفاتها هي لأنها لا تستسيغ أن يضيع منها (الجمل بما حمل) ، وليس مستغرباً أن ينطبق على جزار سورية القولُ المعروف ( رمتني بدائها وانسلّت) .
وللتخلص من الجراثيم الأبية ينعتها النظام الأسدي بـ(المندسين ) ، والمندس : صاحب دسيسة ومكر ، يدخل نفسه في الأخيار ، وليس منهم , والدسيسة : النميمة وما ضمر من العداوة . . والدسّاس : حية قصيرة حمراء.
فمَن صاحبُ المكر ؟ ومن الذي يدخل نفسه في الأخيار ؟ ومن الحية التي أرسلت ثعابينها تقرص بسمها وتلدغ في البوكمال وتل كلخ وإدلب وحماة وجسر الشغور وحمص واللاذقية وبانياس ودوما ودرعا و... ودفعت بالجيش ودباباته والأمن وشبّيحته والقتَلة واللئام تجوس في بلاد الشام الطاهرة تقتل العشرات يوميا ، بل المئات ، وتعتقل عشرات الآلاف وتعذب بأساليب شيطانية ؟ بل إنهم فاقوا الشياطين في الخسة والنذالة ،وتزرع الرعب في كل مكان ،وتحرق الأخضر واليابس وتجوس في الأرض تنشر الخراب والدمار وتلجئ المواطنين إلى التشرد في بلاد غريبة خوفاً من القهر والقتل أو الاعتقال والتعذيب ، ولم يفرقوا بين كبير وصغير ولا رجل وامرأة ، حتى إنهم قتلوا البهائم ونكّلوا بها ! كل ذلك لأن الأمة قالت للظالم بملء فمها : لا ، وألف لا .
كيف يكون إنساناً من يأبى أن ينصاع لمطالب الشعب ؟!
وكيف يكون بشراً من يغصبهم بالقوة على ما يكرهون ، ويفرض عليهم ما يأبَون؟!
هل يستحق أن يكون رئيساً لشعب حضاري من يراهم عبيداً لأهوائه ورغائبه؟ فإذا أنكروا عليه خيانته ولصوصيته سامهم الخسف وتلذذ بقتلهم وسحقهم ، فأرسل عليهم كلابه المدججين بالسلاح ،وتناسى العدو الغاصب لفلسطين والجولان منذ نصف قرن ونيّف ، فإذا الحدود السورية الإسرائيلية على مشارف جسر الشغور وشرق نهر الفرات وجوب دمشق – في درعا الأبية الصامدة- !
مَن جرثومة ُ سورية يا ترى ؟ آلذي سرق بترولها وقسم اقتصادها بين أهله وحواشيه أم الذين قالوا للظالم المتجبر : يا ظالم ارحل عنا فلست منا ؟..
ومَنِ الجراثيمُ التي تفتك بالحرية والأمن والأمان ؟، آلذين بذلوا أرواحهم في سبيل عزة الوطن واستقبلوا رصاص الغدر بصدورهم العارية وإيمانهم الراسخ بحقهم أم الذين صوبوا نحوهم هذه النيران الغدارة وكتموا كلمة الحق واستعانوا بالعدو التاريخي على أمتهم؟
         إن الجـراثـيــم بشــارٌ وزمـْرتـُـه          وكـل من سـام أهلي الـذلّ والألـمـا
         إن الجراثيم من فـاحت مساوئهـُم                  شؤماً وعهدُهُمُ جَورٌ ومحض عمى
         هـمُ الجراثيـم حقـاً في البـلاد وقد               سـقط القنـاع وثـار الشـعب منتقمـا
         والنصر يمشي بركب الحق في ألَق                 والظلـم يهـوي بعـون الله منهـدمـاً 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين