ثورتنا ثورة أبناء بدر

 
 
الدكتور : منير الغضبان
17/ رمضان / 1433 هـ
غزوة بدر سفر عظيم من أسفار البشرية لا يغني عنها كتاب ولا يفيها حقها مجلدات
نكتفي بعرض قطرات من بحرها العظيم
ونحن اليوم لا نعيش ذكراها فقط كما اعتدنا في كل عام بل نعيشها ونحياها ونجدد أمجادها بدمائنا الزاكيات الطاهرة
أولا : هي اقتلاع الظلم واجتثاثه من الأرض
قال الله عنا قبلها :( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون )
ووصف الصورة قبل بدر مثل صورتنا اليوم
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
هذه المرحلة الأولى قليل , مستضعفون , تخافون أن يتخطفكم الناس
ونحن ننتظر إن شاء الله المرحلة الثانية (فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
ثلاث بثلاث نحن الآن قبل بدر بثلاثته الأولى وننتظر بعد بدر بثلاثته الثانية
ثانيا : هي ثورة المستضعفين في الأرض ضد الطغاة
وإذا كان قائد الطغاة بشار اليوم فقد كان فرعون هذه الأمة هو قائد المشركين في بدر أبو جهل الذي حدد أهدافه بقوله :
(والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، فننحر الجَزُور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القِيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يـزالون يهابوننا أبدًا‏.‏ ويسمع العرب بمسيرنا هذا فلا يزالون يهابوننا أبدا أما قائد المجاهدين بتوجيه رب العالمين . فجبريل رسول الله ومحمد رسول الله كما قال شاعرنا العظيم
وبيوم بدر إذا ترد وجوههم    جبريل تحت لوائنا ومحمد
ثالثا : وجيل بدر هو خير أجيال البشرية . وهم خيرة هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم
فقد جاء جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : ( ما تعدون أهل بدر فيكم ؟. فقال : خيارنا
وقال جبريل : وكذلك من حضرها من الملائكة )
وثوارنا اليوم هم خيرة أهل الأرض إن شاء الله فهم أبناء بدر الذين قاموا لاقتلاع الظلم واجتثاثه من الأرض لا يصدّهم عن دين الله شيء ( لن نركع إلا لله , لبيك يا الله , مالنا غيرك يا الله ) فهو إعلان كلمة التوحيد ضد الطغاة الظالمين المستكبرين في الأرض
رابعا : مدد طواغيت بدر إبليس وجنده الذين معه
(وإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
وهذا هو مدد بشار المجرم الأفّاك من الشياطين الإنس روسيا والصين وإيران الذين يمدهم شياطين القول غرورا أما مدد المؤمنين في بدر فهو الملائكة وعلى رأسهم سيدهم جبريل عليه الصلاة والسلام ((إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا -سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ))
ونحن ننتظر مدد الله لنا بجنده وملائكته .
خامساً : واستحق جيل بدر النصر بعد أن أبدى استعداده للموت والتضحية في سبيل الله فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال سعد: «لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدواً غداً إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله».
وهذا شعبنا العظيم قد أدى ما عليه ولم يبد استعداده للموت فقط إنما قدم الثمن غالياً من دماء شبابه وشيوخه ونسائه وأطفاله . فلم يبخل بعشرين ألف شهيد بل أكثر وهو يتحدى كبير المجرمين الطاغية بشار وأعوانه وما لا يقل عن مائة ألف معتقل وقد تجاوز عدد المشردين في الأرض داخل سوريا وخارجها أكثر من مليوني مشرد .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل بدر : والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم . ونحن بانتظار مصارع القوم ان شاء الله .
سادساً : وعلى ضعف العدة وقلة العدد . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا بعدها ربه بالنصر حتى سقط الرداء عن كتفه وهو يقول : يــا رب أنجز لي ما وعدتني , اللهم نصرك الذي وعدتني .اللهم إنهم جياع فأشبعهم عراة فاكسهم , اللهم إن تهلك هذه العصابة فإن شئت أن لا تعبد في الأرض .
وها نحن الآن نجأر إلى الله بالدعاء بنصره الذي وعد به جنده , من بيت الله الحرام إلى أقصى الأرض وقلوب الأمة كلها تتضرع إلى الله أن يعز جنده ويهزم الأحزاب وحده لا شيء قبله ولا شيء بعده
سابعاً : وكما كان مقتل الطواغيت في بدر , اثنين وعشرين صنديدا من صناديد قريش . فقد كان مصرع الطغاة اليوم خمسة من رؤوس الكفر والطغيان وزراء وضباط ومخابرات , ووراءهم العشرات ,آصف والشعار وراجحة وبختيار ولم يبق إلا اثنين من رؤوس العتاة والمجرمين بشار وأخوه ماهر المشكوك في حياته . ويهلك فرعون وقارون وهامان ويكونون عبرة للعالمين في كل مكان .
ثامناً : وكما كان ذبح المجرمين على يد الفتيان المستضعفين من الشباب فكذلك كان الأمر اليوم .
من قتل فرعون الأمة أكبر مجرمي الأرض آنذاك .
قتله كما يحدثنا :عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ : ( بينما أنا واقف في الصف يوم بدر، نظرت عن يميني وشمالي، فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما، تمنيت لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟، قال: قلت: نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟، قال:أُخبِرْت أنه يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده، حتى يموت الأعجل منا . قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال مثلها. قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، قال:فابتدراه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟، فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح . والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء ) ( البخاري ) .
فانطلق ابن مسعود رضي الله عنه فوجدهما قد ضرباه فأخذ بلحيته , فقال أنت أبو جهل – فقلت يا عدو الله قد أخزاك الله ) وصعد على صدره فقال أبو جهل : لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم
وذلك أمية بن خلف وفد رآه بلال حيث كان أمية يعذبه في رمضاء مكة , فصرخ بلال : عدو الله أمية بن خلف لا نجوت إن نجا , وسقط صريعاً بين أرجل بلال
وطغاة الشام يسقطون صرعى واحداً تلو الآخر على يد الشباب الثائرين المستضعفين وثقتنا بنصر الله , وثقة شعبنا أن نصر بدر آت بإذن الله .
( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم )

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين