ثلاثة عِطاش وشربة ماء

 

(1)

سفيان – أحمد

سفيان: حمداً لله على ما أنعم، لقد نصرنا الله تعالى على الروم في اليرموك نصراً عزيزاً مؤزَّراً.

أحمد: صدقت يا سفيان، "صمت" أتدري ما الذي جالَ في خاطري قبيل المعركة؟

سفيان: ماذا يا أحمد!؟ ما الذي جال؟

أحمد: لقد نظرت إلى الروم فإذا بهم كالبحر يموج ويضطرب، ثم نظرت إلى حيث نُعسكِر، فوجدتُ أننا قلة إزاءهم.

سفيان: هيه!.. ثم ماذا؟

أحمد: لقد قلتُ لنفسي: لو لم نكن على حق، لَما كان لنا قِبلٌ بمواجهة هؤلاء الروم فضلاً عن اقتحامهم والغَلَبة عليهم.

سفيان: صدقت يا أحمد "يترنم"

          وما تنفع الخيل الكرام لدى الوغى    إذا لم يكن فوق الكرامِ كرامُ([1])

أحمد: "يترنم مُكرِّراً البيت السابق"..

          أتدري يا سفيان أن أميرنا خالد بن الوليد لم يخالجه شك في النصر قط رغم ما رأى من قلتنا وكثرة الرومان.

سفيان: وكيف علمتَ بذلك يا أحمد!؟

أحمد: اسمع يا سفيان!.. قبيل المعركة سمع خالد واحداً من عسكرنا يقول: ما أكثر الرومان!.. وما أقل المسلمين!.. فقال له خالد: بل ما أكثر المسلمين!.. وما أقل الرومان!.. إنما تعظم الجيوش بالنصر، وتقل بالخذلان.

سفيان: لله هو مِن رجل!.. أمَا إنه لعملاق، ما أصدق من قال فيه: إنه لا ينِمُّ ولا ينام.

أحمد: لقد ساق الله تعالى هذا النصر على يديه، كأني بخليفة المسلمين في المدينة المنورة يعمر قلبه السرور، إذ تصل إليه أنباء نصرنا العظيم في اليرموك حمداً لله على ما أنعم.

سفيان: ويحك يا أحمد، لقد أنسانا هذا الحديث ما خرجنا إليه من تَفقُّدِ أحوال جرحى وقتلى المسلمين، هيّا بنا.

 

(2)

سفيان – أحمد

أحمد: إن لي ابن عمٍّ يا سفيان، كان معنا في اليرموك لم يعد فيمن عاد، فهو جريحٌ أو شهيد.

سفيان: عسى أن نظفر به يا أحمد.

أحمد: ولكن مضى على تجوالنا هذا في أرض المعركة ساعات دون أن ألقى له أثراً.

سفيان: أفاتَكَ يا أحمد ما كانت عليه المعركة من شدة وضراوة وسعة وانتشار؟ "يسمع صوت أنين خافت"

أحمد: أتسمع شيئاً يا سفيان!؟ أليس هذا أنين رجلٍ جريح!؟ دعنا نقترب "صوت أقدامهما، يتضح صوت الأنين شيئاً فشيئاً"

أحمد: إنه هو يا سفيان، إنه ابن عمي!.. "في صوت متعجل ملهوف" كيف أنت يا ابن العم!؟ أنا ابن عمك أحمد.

الجريح: "في صوت متقطع ضعيف" أحمد.. مرحباً.. بك.. يا أحمد.. لمن كان النصر؟

أحمد: لله ورسوله.

الجريح: الحمد لله على هذا النصر.. الحمد لله.. الذي.. رزقني الشهادة في سبيله.. هل لي بشربة ماء؟

أحمد: "في صوت سريع" سفيان يا سفيان.. ليس معي الآن ماء، هل معك شيء من ماء؟

سفيان: شيء قليل يكفي لرجل واحد.

أحمد: عجِّل به.

سفيان: إليك هو "يناوله شيئاً"

أحمد: اشرب يا ابن العم، اشرب.

الجريح الأول: "في صوته المتقطع الضعيف" بسم الله.. الرحمن.. الرحيم.

          "صوت أنين ثم الجريح الثاني يتحدث بصوت ضعيف"

الجريح الثاني: أثَمَّة أحد هنا؟ إنَّ.. الظمأ.. شديدٌ عليَّ.. هل لي.. بشيء من الماء؟

الجريح الأول: يا ابن العم بورك فيك.. خذ هذا الماء.. إلى طالبه.. هذا.

أحمد: وأنت؟

الجريح الأول: ربما.. كانت.. حاجته إليه أعظم.

أحمد: هيا بنا يا سفيان لسقاية أخينا ذاك. "حركة أقدامهما"

أحمد: السلام عليك أيها الأخ الجريح.

الجريح الثاني: "بصوت متقطع ضعيف" وعليك السلام.. يا أخا.. الإسلام.. أين الماء؟

أحمد: ها هو يا أخي.. اشرب.

الجريح الثاني: "بصوت متقطع ضعيف" بسم.. الله.. الرحمن.. الرحيم.

          "صوت أنين، جريح ثالث يتحدث"

الجريح الثالث: "بصوت ضعيف" الظمأ يكاد.. يقتلني. هل لي.. بشربة.. ماء!؟

الجريح الثاني: بارك الله فيك، خذ.. هذا.. الماء.. إلى طالبه.. هذا.

أحمد: وأنت؟

الجريح الثالث: "بصوته المتقطع" ربما كان أحوج إليه مني.

أحمد: هيا يا سفيان.. لسقاية أخينا هذا.. "حركة أقدامهما"

أحمد: إليك الماء الذي طلبت. "صمت".. لقد مات يا سفيان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

فلنعد إلى جريحنا الآخر "حركة الأقدام" إليك الماء الذي طلبت. "صمت" وَيْ!.. لقد مات يا سفيان. لا حول ولا قوة إلا بالله.. فلنعد إذن إلى ابن عمي. "حركة الأقدام"

أحمد: السلام عليك يا ابن العم.. إليك هذا الماء.. "صمت"

سفيان: إنه لا يجيب يا أحمد.. لقد لحق بصاحبيه.

أحمد: "في صوت حزين" إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمك الله يا ابن العم، ورحم أخويك هذين.

سفيان: لقد أفضوا إلى خالقهم وهم ظماء.

أحمد: هو ظمأ الجسد يا سفيان، لكنَّ نفوسهم بالإيمان أشد ما تكون ريّاً وإيثاراً وتضحية.

*****

 



([1])  البيت للمتنبي، ويروى الشطر الأول: وَما تَنْفَعُ الخَيلُ الكِرامُ وَلا القَنَا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين