ثقب جدار الفكر

الحَوْمُ حولَ فكرةٍ معينةٍ وإعمالُ مطارق الفكر في مساحةٍ محصورة منها بتركيز عال، مع المحاولة الدؤوبة مرَّةً بعد مرَّةٍ لا بد وأن يُحدِث خَرقًا في جدار الفكر يأخذُك إلى حقائق تنفتقُ لك عن معالمَ مدهشةٍ وتنفذ بك إلى عوالِمَ مذهلة، فقد اقتضت حكمة الله تعالى وسنته القدرية أنَّ الأمور العظيمة لا يَطالها طلابها إلا بشِقِّ الأنفس ثم يهنئون بها الدهر.

والجميل في الأمر أنك ستكتشفُ بعد اختراق الجدار الأول أنَّ ما بعدَه أرقُّ منه، وستجد شُعَبًا جديدةً تقودُك إلى فتوحاتٍ جديدة.

والأفكار العميقة كالأحجار النفيسة تحتاج إلى الغوص عند التقاطها، وما التدبُّر المأمور به إلا هذا.

ولتعلم أنَّك لن تنال ذلك إلا بخلوةٍ هادئة، بعيدًا عن صخَب المخالطة وضجيج المادة، متحليًا بصفاء النفس وحسن التأمل، مع صدق العزيمة على الغَوص في الأعماق، متوكلاً على من بيده مفاتِحُ الغيب.

سل المبدعين والمخترعين كم مرَّةٍ فشلوا في اختراق الحواجز حتى أدركوا النجاح، كذلك فتوحُ الغيب لن تتأتَّى لضَجِرٍ ملول، ولا لعاجزٍ كسول.

جرِّب كل ما لديك من مفتاح متاح، وابذل للفكرة عُصاراتِ ذهنك من مخزون معرفتك فلعل فيها ما يفتح لك بعض مغاليق الماوراء، وحذارِ من الملل والكسل في مطاردة الفكرة أن تغيب فلا تعود، واعلم أنَّ كسل الأذهان أقبحُ من كسل الأبدان.

والعلم لا يعطيك بعضَه إلا إذا أعطيته كُلَّك.

أقربُ تجربةٍ إليك واختبارٍ لديك مقالي الذي بين يديك، فإن لم تتمكن من هضمه فماذا ستصنع؟

سيدفعك الجِدُّ للمعاودة، والعجزُ للمباعدة.

وإن سألتني أن أهديك إحدى نوافذ الجُدر الفكرية فخذ تلك الجملة الشريفة من دعاء سِّيد المرسلين وإمام العارفين، وانظر بعدَ "التدبُّر" إلى أين ستقودك:

"اللهمَّ أنت الأوَّلُ فليس قبلك شيء......"

غُصْ.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين