ثابت بن قيس خطيب الرسول وشهيد اليمامة

رجال ومواقف

ثابت بن قيس خطيب الرسول وشهيد اليمامة

حيدر الغدير

 

(1)

عامر – أسامة

عامر: لقد استفحل أمر هذا الكذاب الغادر يا أسامة.

أسامة: تعني مسيلمة يا عامر؟

عامر: هو ذاك مسيلمة الكذاب، عليه لعنة الله.

أسامة: لقد رأى أمر محمد صلى الله عليه وسلم "عامر يردد معه الصلاة على النبي" يعلو ويعظُم، فخالَ أن الأمرَ أمرُ دعوى، فإذا به يدَّعي النبوة.

عامر: قاتله الله من كذابٍ أشِر!..

أسامة: لا عليك يا عامر، كأني بجيشنا هذا وعلى رأسه خالد بن الوليد يقتحم على الكذاب أرضه، ويبطش به وبجيشه حتى يجعله خبراً من الأخبار، يُروى للعظة والعبرة.

عامر: وللسخرية والتندُّر كذلك. "صمت"

أسامة: خيمة مَن هذه التي تُقابِلنا؟

عامر: خيمة ثابت بن قيس.

أسامة: أكرِم به من رجل!.. إنه يطيب لي القتال إلى جنب هذا الصحابي العظيم.

عامر: ويطيب لي كذلك. "صمت"

أسامة: أكثِر النظر إلى ثابت، فربما لا يرجع من جهاده هذا.

عامر: وربما لا ترجع أنت، ولا أرجع أنا.

أسامة: صدقت يا عامر، لكنَّ لثابت شأناً آخر.

عامر: وكيف؟

أسامة: حين نزل قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18) أغلق ثابت عليه باب داره في المدينة المنورة وجلس يبكي، وطال مُكثه على هذه الحال حتى بلغ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. "عامر يردد الصلاة على النبي" فدعاه وسأله.

ثابت: يا رسول الله إني أحب الثوب الجميل، والنعل الجميل، وقد خشيتُ أن أكون بهذا من المختالين. فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: "عامر يردد الصلاة على النبي" إنك لستَ منهم.. بل تعيش بخير، وتموت بخير، وتدخل الجنة.

عامر: هنيئاً لثابت هذه البشارة العظيمة.

أسامة: هنيئاً له "صمت" إنه صاحبُ نفسٍ أوّابة، وقلبٍ خاشعٍ مُنيب، إنه شديد الخوف من الله عز وجل.

عامر: كأن لديك عنه شيئاً آخر يُروى.

أسامة: صدق ظنك يا عامر، لمّا نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (الحجرات:2)، أغلق ثابت داره وأخذ يبكي، فافتقده الرسول صلى الله عليه وسلم "عامر يردد الصلاة مع أسامة"، فأرسل في طلبه وسأله عن سبب غيابه. فقال ثابت: إني امرؤ جهير الصوت، وقد كنتُ أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله، وإذن فقد حبط عملي وأنا من أهل النار. وأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: "عامر يكرر الصلاة" (إنك لست منهم، بل تعيش حميداً وتُقتَلُ شهيداً، ويُدخِلُكَ الله الجنة). "صمت"

عامر: إذن فما أحسنَ أن نكون في جوار هذا المؤمن المنيب.

أسامة: وإنه لشهيد، ما في ذلك شكٌّ قط، ما ندري أيستشهد في معركتنا القادمة مع مسيلمة أم في واحدة أخرى؟

عامر: لذا طلبتَ مني أن أملأ عيني منه يا أسامة.

أسامة: هو ذاك يا عامر، فنحن نكاد نصل ديار مسيلمة، هذا النبي الكذاب.

 

(2)

أسامة – عامر – منادٍ من جيش مسيلمة الكذاب – منادٍ من جيش المسلمين

"صوت المعركة يعلو ويشتد"

أسامة: إنها لمعركة ضارية يا عامر.

عامر: إي والله يا أسامة!.. لقد أبلى المسلمون فيها أعظم البلاء.

أسامة: لكن جيش مسيلمة يستميت في القتال.

عامر: إنه جيش قوي، كثير العدة والعدد، وإنه لَأقوى جيوش الردة وأخطرها جميعاً. "صوت المعركة يعلو"

أسامة: إن المعركة تشتد، ها هو جيش الكذاب يكاد يزلزل جيشنا من موقعه.

المنادي المرتد: "بصوت مرتفع" يا جنود مسيلمة، لقد اقتحم خالد بن الوليد عليكم موقعكم، لكن ثباتكم لم يجعل له من ذلك جدوى.

عامر: أرأيت يا أسامة!؟ لقد ركب الغرور رأس مسيلمة وجيشه.

المنادي المرتد: يا جنود مسيلمة!.. شددوا هجومكم على جيش خالد، لنهزمه هزيمة منكرة لا يعود بعدها منه إلى يثرب إلا عدد قليل يحمل نبأ ما جرى إلى ابن أبي قحافة.

           "يضحك بصوت منكر عالٍ" ها.. ها.. ها.. ها

أسامة: لقد بطر هؤلاء المرتدون، اللهم نصرك المؤزر.

المنادي المسلم: يا معشر المسلمين!.. لا يغرنكم من هؤلاء ما ترون، فوالله الذي لا إله إلا هو ليكونن لنا النصر، يا معشر المسلمين!.. إن أميركم خالد يناشدكم الصبر والثبات. "صوت المعركة يعلو ويشتد"

أسامة: "في صوتٍ مفاجئ عالٍ" عامر.. يا عامر، أترى ثابت بن قيس؟

عامر: إنه في قلب المعركة.

أسامة: أعندك منه نبأ؟

عامر: لقد مرَّ بي واحد من المسلمين فحدَّثني أنه حين رأى هجوم جيش الكذاب على المسلمين، صاح بصوته الجهير: والله ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسامة: ثم ماذا؟

عامر: لقد ذهب غير بعيد، وعاد وقد تحنَّط ولبس أكفانه، وصاح مرة أخرى: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأشار إلى جيش مسيلمة، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء وأشار إلى بعض من تراخى من المسلمين.

أسامة: "ملهوفاً" ثم ماذا؟

عامر: حفر لنفسه حفرة عميقة، ثم نزل فيها قائماً وأهال الرمال عليه حتى غطت رأسه.

أسامة: "ملهوفاً" وبعد.. ما الذي حدث له؟

عامر: ظل في مكانه.. نصفه في الرمال مغروس، ونصفه الأعلى يستقبل به جيش الردة مجاهداً في صبر وشدة.

أسامة: "ملهوفاً" وماذا!؟.. وماذا بعد!؟

عامر: ظل مكانه حتى استشهد.

 

(3)

صوت الراوي ذو صدى

الراوي: رحمك الله أيها المؤمن العظيم، كنتَ صاحب قلبٍ مخبتٍ منيب، ونفسٍ شفافةٍ رهيفة، لكن ذلك لم يدفعكَ إلى القعودِ وَالانزواء، بل جعل منك مجاهداً مستبسلاً، ضرب بما فعل أصدق صور الفداءِ والتضحيةِ والإيمان.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين