تهجير قزحل تقصي حقائق

 

مقدمة:

في ظل الأحداث الراهنة التي تجري في سوريا وحالة الحرب التي تشهدها البلاد منذ مايزيد عن خمس سنوات ونصف, استقدم نظام الأسد الميليشيات المقاتلة والمرتزقة من عدة دول على أساس طائفي في سبيل قتل شعب سورية الثائر في سبيل حريته وكرامته.

وقد عمد النظام إلى:

أولاً: مواجهة السورين الثائرين بمختلف أنواع السلاح بما فيها سلاح الطيران.

ثانياً: التحريض الطائفي لفرض نفسه كحامي للأقليات ومحارب للإرهاب, وذلك بتسخير جيش النظام السوري بالتعاون مع بعض الدول الداعمة له والميليشيات الشيعية والإيرانية.

ثالثاً: اتباع سياسة التهجير والتغيير الديموغرافي للبنية السكانية في معظم المناطق السورية، حيث يسعى النظام جاهداً إلى إخلاء المناطق السنّية معارضة وذلك باتباع سياسة الحصار الذي انتهجها في أكثر من منطقة في سورية.

تعتمد هذه السياسة إلى قطع السبل المعيشية عن المنطقة المعارضة وذلك بتطويق المنطقة عسكرياً ثم منع دخول أيّ مواد غذائية أو معيشية أو أية مستلزمات حياتية وتلجأ هذه السياسة إلى قطع الوسائل الخدمية كقطع الكهرباء والماء والاتصالات عن المنطقة بالإضافة إلى القصف المستمر لها.

تختلف سياسة الحصار من منطقة إلى أخرى حسب وضع المنطقة الاستراتيجي من الصراع ومن أمثلة سياسة الحصار والتهجير، تهجير كامل سكان حمص القديمة في عام 2012 حيث طبق نظام الأسد سياسة الحصار على هذه المنطقة في شهري نيسان وأيار في عام 2012 والتي أدت هذه السياسة إلى التهجير القسري لسكان المدينة الأصليين وإفراغ الحي من قاطنيه، وتبع خروج السكان من حمص القديمة خروج المعارضة المسلحة والذي بلغ عددهم 900 مقاتل في تاريخ 752014.

وفي منطقة الزبداني في القلمون الغربي اتبع النظام السياسة ذاتها وذلك بتهجير مئات العوائل السنية في تاريخ 28122015

وفي الآونة الأخيرة تم تطبيق سياسة التهجير على قرية قزحل وأم القصب في الريف الشمالي الغربي من مدينة حمص وسنتناول الأحداث والوقائع التي جرت في هذا التقرير.

هذا التقرير مُعنى لكافة المنظمات الحقوقية في العالم ومنظمة حقوق الإنسان (OHCHR) في الأمم المتحدة للنظر في خطورة الاجراءات التي ينفذها نظام الأسد في حق سكان المناطق المعارضة ووضع حد لسياسة التهجير القسري الذي يتبعها لاستكمال مشروعية تثبيت النظام والحكم في سورية وإلا ستزداد الكوارث الإنسانية الناجمة عن التهجير وتفاقم سوء الوضع الإنساني للاجئين وتردي أحوالهم وازدياد العبء على دول الجوار التي لا تتحمل المزيد من قدوم اللاجئين إليها وعدم القدرة على تلبية حاجاتهم وتأمين الخدمات المعيشية لهم.

أولاً: حول قريتي قزحل وأم القصب:

تقع قرية قزحل وأم القصب في الريف الغربي لمدينة حمص وهما قريبتان من الريف الشمالي والوعر، وبلغ التعداد السكاني للقريتين 8000 نسمة متوزعة 5000 نسمة في قزحل و3000 نسمة في أم القصب، كانت قرية قزحل تحت سيطرة المعارضة ولكن سرعان ما أراد النظام تحيّدها عن المعارك والاقتتال نظراً لموقعها الاستراتيجي المهم في ربط الوعر مع الريف الشمالي، فأجريت اتفاقيات بين سكان المنطقة والنظام قضى بموجبها وضع لجان شعبية في القرية وعزلها عن الريف الشمالي وزاد الخناق على حي الوعر المحاصر إلى أن جرت هذه الأحداث.

ثانياً: أحداث قزحل وأم القصب:

بعد التضييق والتهديد الذي طال قريتي قزحل وأم القصب, اطضر وجهاء القرية للتوقيع على اتفاق "مصالحة" حضره كل من محافظ النظام في حمص ورئيس فرع أمن الدولة, على أن لا يدخل الجيش إلى القرية ويتم السماح للسكان بحرية التنقل, وبعد يومين فقط من توقيع الاتفاق وبتاريخ الرابع عشر من (14 )حزيران دخلت مجموعة من قوات الأمن التابعة لنظام الأسد إلى قرية قزحل وقرية أم القصب لتنفذ حملة اعتقالات بحق بعض شباب القرية حيث اعتقلت ثلاث شباب من القريتين، الأمر الذي أثار في نفس الوقت شباب قرية قزحل من أجل وضع حد لتصرفات النظام ولمنعه من تكرار الفعل والمطالبة بالشبان الثلاثة.

ذلك كله أدى لحصول اشتباكات بين شباب قزحل وقوات النظام بالأسلحة الخفيفة، فُقتل شابان من القرية واعتُقِل عدة عناصر من قوات النظام المقتحمة.

بدأ النظام حملة عسكرية على القريتين بفرض حصار وطوق عسكري حول القريتين, ومنع الناس من الدخول والخروج, و استمر التصعيد العسكري وسقط العديد من القتلى في القريتين, حتى تم تشكيل لجنة تفاوض من طرف النظام تألفت من محافظ حمص طلال البرازي ورجل الدين عصام المصري, حيث دخلت اللجنة إلى منطقة الحدث وجلست مع وجهاء من القرية وتم التوصول إلى بنود اتفاق تحت قصف الطائرات والمدافع, تقضي:

1. إخراج المطلوبين من قرية قزحل بسلاحهم الفردي مقابل عدم دخول الجيش وعناصر الأمن للقرية, التي تبقى بيد أهالي القرية.

2. تتمركز قوات النظام وميليشياته في نقاطها السابقة حول القريتين عند جسر قزحل دون دخول القرية ومن أجل حماية الطريق العام الرئيسي.

3. يلغي أهالي القرية طلبهم لثوار الريف الشمالي بمؤازرتهم وتتوقف عملية تقدمهم التي تمت قبل يوم باتجاه فك الحصار على القرية.

4. تعاد كافة الخدمات المقطوعة عن القرية لها وتدخل المواد الغذائية للقرية.

ثالثاً: خروج المطلوبين للنظام من قرية قزحل

القصف الشديد والمركز على القرية أدى إلى أن لجأ أهل القريتين إلى الاستغاثة بأهلهم في ريف حمص الشمالي حيث أمهل الأخير النظام الأسدي 24 ساعة لفك الحصار وإيقاف القصف، لكن كعادة النظام لم يستجب واستمر القصف حتى يوم السبت ما أدى لسقوط القتلى من المدنيين وارتفاع عدد الجرحى.

استطاعت القوات المؤازِرة من ريف حمص الشمالي التقدم مسيطرة على حاجز للنظام وأجزاء من قرية خربة السودة الموالية للنظام وقطع طريق مصياف الحيوي، الأمر الذي دفع بالنظام لتشكيل لجنة مفاوضات جديدة تمثلت بعصام المصري مدير الأوقاف ورئيس فرع أمن الدولة حيث تم التوصل إلى اتفاق تعهد فيه النظام بوقف القصف وإخراج المقاتلين من قزحل وأم القصب من طريق آمن مع عائلاتهم بحافلات تحملهم وسلاحهم إلى بلدة الدار الكبيرة الواقعة قرب قزحل والتي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة السورية، فانسحبت القوات المؤازِرة من المناطق التي سيطرت عليها وتوقفت عملية الزحف نحو القريتين، كما أن النظام تعهد بعدم الدخول إلى القريتين وعدم المساس بأي شخص يختار البقاء في بيته.

في اليوم التالي أتت الحافلات وخرج ما يقارب ال 4000 شخص من القرية نحو الريف الشمالي، وما إن خرج المقاتلون وأهاليهم من القريتين دخلت مجموعات للنظام من القرى المحيطة الموالية له، وقامت بعمليات قتل وذبح وسرقة بحق من تبقى في القريتين حيث قدر عدد العوائل المتبقية ب 30 عائلة.

حيث أفاد من تبقى ونجا بذبح ثلاثة مسنين بالسكاكين وقتل آخرين بالرصاص حتى بلغ عدد القتلى ثمانية عشر شخصاً (18)، ولم يعد في القريتين أغنام أو أبقار أو دواجن وكلها نهبت إضافة لبيوت الأهالي التي بدأت تنتقل محتوياتها إلى قرى مجاورة محسوبة على النظام.

رابعاً: قوات النظام تكرر مجزرة قزحل وأم القصب في أعمال مسلسل التهجير:

لا يخفى على أي متابع للشأن السوري أن ما قامت به قوات النظام في القريتين وقزحل وأم القصب ما هو إلا إكمال لمسلسل التهجير الطائفي الذي تقوم به بحق كل من شارك في الثورة ضد حكومة الأسد، وذلك بإحكام السيطرة على محافظة حمص وجعلها بؤرة موالية له بصبغة يغلب عليها طائفة على حساب طائفة أخرى، كما أن قوات النظام بما قامت به ضيقت الخناق على حي الوعر المحاصر الوحيد المتبقي بيد المعارضة، والذي يبعد عن قزحل ما يقارب 2 كم، والذي يحوي 90 ألف نسمة، حيث إذا تمكن النظام من السيطرة عليها فسوف تكون حمص له.

إن مسلسل التغيير الديموغرافي في حمص لا يخفى على أحد وعلى المنظمات الدولية والحقوقية اتخاذ الإجراءات المناسبة، لردع وإيقاف النظام، وعلى الدول المجاورة أن تتخذ أيضاً إجراءات ملائمة حتى لا يتدفق إليها نازحون جدد متحملة بذلك أعباءاً فوق طاقتها.

إن مسلسل التغيير الديموغرافي في حمص وعملية تهجير سكانها لن يتوقف في ظل بقاء النظام السوري في الحكم، والحلقة القادمة تتركز حول حي الوعر، كما نتوقع, ثم من تبقى من أهالي حمص الذين يعيشون تحت سيطرة النظام، ثم الريف الشمالي.

على الجهات الدولية والمنظمات الأممية أن تقوم باتخاذ كافة السبل لمنع عملية التهجير الممنهج المعتمد على القتل والذبح والاعتقال في سبيل تحقيقه.

حمص, 28-8-2016

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين