تقنين الأحكام الشرعية بين الرفض والقبول “القانون العربي الموحد نموذجاً” (1)

 

تعود فكرة تقنين الأحكام الشرعية في التاريخ الإسلامي عندما أعلنت الخلافة العثمانية مجلةَ الأحكام العدلية كأول تقنين عَملي عِلمي لأحكام الشريعة الإسلامية استنادا إلى كتاب الله وسنة رسوله، واستنادا إلى الراجح من آراء علماء المذهب الحنفي.

 

والتقنين لغةً هو الوضع والسَنٌ، أما اصطلاحا فهو “جمع الأحكام والتشريعات المتعلقة بمجال العلاقات الاجتماعية وتبويبها وترتيبها وصياغتها بعبارات تكون ملزمة وموجزة على شكل قانون أو نظام “

 

أي عندما نقول تقنين الأحكام الشرعية فالمقصود بها هو ” صياغة أحكام المعاملات وغيرها من العقود والنظريات الممهدة لها في صورة مواد قانونية يسهل الرجوع إليها”.

 

وقد تبنت حركة أحرار الشام مؤخراً قانوناً سُنت مواده على منوال مجلة الأحكام العدلية، لكنه لم يلتزم بمذهب محدد، وإنَّما كانت مصادره كتاب الله وسنة رسوله، والرأي الراجح لدى المذاهب الأربعة، وهو ما يطلق عليه القانون العربي الموحد المعتمد من قبل جامعة الدول العربية في العام 1996/م

 

ومنذ تلك اللحظة أُعيد من جديد خلافٌ فقهي قديم بين فريق يرفض تقنين الأحكام وآخر يؤكد مشروعيته، وقد تسبب اعتماد الحركة للقانون باستقالة عدد من القضاة والشرعيين في صفوفها، وقدموا حججاً تاريخية من تراث الفقه الإسلامي تعارض هذه الخطوة أهمها أنَّ التقنين هو باب من أبواب تغير الشريعة بزيادة أو نقصان وتحوير وتعديل، كما أنَّ الأمر برمته هو خروج عن الحكم بما أنزل الله،  واتهموا فكرة التقنين بالجمود وتعارضها مع قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان والظروف وما في ذلك من تضيق على أمور المسلمين بحملهم على قول واحد بصفة دائمة والشرع لم يأمرهم بذلك.

 

وقد قدَّم الفريق المؤيد لفكرة التقنين حججاً لكبار العلماء، وأضافوا إليها مسببات تدور على أراضي المناطق المحررة، تدفع بالجميع لتبني هذه الخطوة، وتقوم مشروعية التقنين على أسباب أهمها إطاعة أمر ولي الأمر بما ليس فيه معصية ولا تعارض مع المبادئ العامة، وعليه فإنَّ الإلزام بالتقنين ليس فيه معصية لا ظاهراً ولا ضمناً، كما أنَّ فيه مصلحة كبيرة للناس، وذلك لسهولة التعرف على هذه الأحكام والحدِّ من الفساد و الشبهة وتوحيد القضاء، واستدل هذا الفريق أيضاً بفعل عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما جمع الناس على مصحف واحد وأحرق ما عداه من المصاحف سداً لباب الخلاف.

 

ودعم هذا الفريق حججه بأنَّ الإجماع ينعقد بقول الأكثر من أهل العصر في قول الجمهور، وهو ما عليه تشريع معظم الدول العربية والإسلامية، حيث تم استخدام التقنين كوسيلة لتطبيق وتنظيم الأحكام الشرعية وإن كان بنسب متفاوتة بين هذه الدول.

 

إنَّ التقنين أداة علمية نفيسة نتمكن من خلالها ضبط الأحكام الشرعية بصورة عامة وعادلة ومحددة الاستثناءات، كما أنَّها بعكس ما اتهمت به، فهي تدفع بحركة البحث الشرعي والدراسات الفقهية نحو الأمام لمواكبة تطور وتنوع احتياجات المجتمع، وتتسم هذه الأداة باليسر والسهولة في فهم قواعد هذه الأحكام بالنسبة إلى كل أطراف الحلقة القضائية..

 

كما أنَّ لها انعكاسات مفيدة ومهمة على شكل وبنية ومؤسسات الدولة، وتعطي مؤشرات جيدة للمحيط العالمي سيتم مناقشتها بشكل مفصل في المقال القادم من خلال مناقشة فكرة تبني القانون العربي الموحد في المناطق المحررة باعتباره قانوناً يستمد مصادر تشريعه من الأحكام الشرعية الإسلامية، وقد صُدِّر بصورة قانون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين