تعليق وتوضيح على فيديو لطفل تركي حول حكم الانتخابات

بسم الله، والصلاة والسلام، على من تركنا على المحجَّة البيضاء، وبعد:

فقد انتشر في الأيام الأخيرة، فيديو لفتى تركي، على أنه يجيب عن مشروعية الانتخابات، يصل الفتى فيه، إلى أن من يحكم بلداً، تستباح فيه بعض المحرمات، فهو طاغوت، بمعنى كتحصيل حاصل، لا يجوز انتخابه. أقول معقباً، وبالله المستعان:

ابتداء رجعت للتعرف على القناة صاحبة المقابلة، فوجدتها تتبع للمعارضة العلمانية في تركيا، وهي قناة mor التلفزيونية، فقلت في نفسي: متى كان أصحاب هذا التوجه، يحرصون على بيان حكم الشريعة، فيمن يحكم بغير ما أنزل الله؟! مما يرجُحُ عندي، أن الفتى قد تمَّ تحفيظه النصَّ بشكل متقن، وإلا لو كان يتميز بالوعي، الذي بدا كذلك، لكثير من المتدينين، وأثنوا على فصاحته، وحفظه للنصوص، لما وافق على الظهور مع قناة علمانية!.

تزييف الوعي، وتضليل الإنسان، وتوجيه خياراته، والتأثير على قدرته في الحكم على الأشياء والأفكار، يدفع نحو استساغة الأفكار الأيديولوجيَّة، ذات الطبيعة المحدَّدة والمغلقة، التي تقفز فوق الواقع، وفوق حقائقه الموضوعيَّة.

وعندما تكون الأهواء هي الحاضرة في حياة بعض المسلمين، يحدث ما نصطلح عليه بخلط الأوراق، وتميُّع المفاهيم؛ قال المولى تبارك في علاه: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ} المؤمنون: ٧١.

لا بدَّ أن يقرن المسلم قناعته، بضوابط الحكم الشرعيِّ، مع النظر إلى المقاصد الكلية، وإلى المآلات، وهنا يتدخل لزوماً فقه الموازنات، وبالطبع لا يقوم على العمل به، وتقليب وجوهه شباب متحمِّس! بل هو من تخصُّص الراسخين في العلم، من أهل الاستنباط، الذين أومأتْ إليهم آية سورة النساء. وما على هؤلاء الشباب سوى الالتزام بقاعدة: "وعلى ألا ننازع الأمر أهله". كما أن الحكم الشرعيَّ، قد لا يؤخذ من دليلٍ واحدٍ فحسب، ومثاله: عدم ردِّ الصحابيِّ لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم، في الصلاة، مع أن آية الأنفال، تنصُّ صراحة على وجوب الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم، بالمطلق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}. الأنفال: ٢٤. وذلك لما رواه عبد الله ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: "كنا نسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الصلاة، فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشيِّ، سلمَّنا عليه فلم يردَّ عَلينا، فقلنا: يا رسول الله. كنَّا نسلِّم عليك في الصلاة فتردَّ علينا؟، فقال: إن في الصلاة لَشُغْلاً".

ثم إن الموازنة بين المصالح والمفاسد، في مسائل مفصلية أو مصيرية، في أوقات السلم أو الحرب، تحتاج لقراءةٍ صحيحةٍ للواقع، وفهم الآثار المترتبة على الأطروحات والفتاوى، وهل ثمَّة أبعاد محليةٌ أو إقليميةٌ أو دوليةٌ لها؟.

"أردوغان" يريد أن يحرِّر شعبه من التبعية للغرب، ويبدأ بالتغيير تدريجياً، نحو بناء جيل مسلم في تركيا. وبما أنَّ مرحلة الشباب، قوةٌ متدفِّقةٌ تجيء بين ضعفين، وفق بيان آية سورة الروم، فلربما طلبتِ الاستعجالَ، وأبطأت في قرارات الحكمة، ومناشدتها.

تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الصحابة رضي الله عنهم، لم يهدموا الأصنام في الفترة المكيَّة، لأنَّ شجرة الشرك، لم تُقتلع بعد من نفوس أصحابها، فتأخرت هذه الخطوة إلى عام الفتح. وعندما أراد عبد الملك، نجل الخليفة الراشدي الخامس، عمر بن عبد العزيز رحمه الله، أن يحمل أباه على متن رياح التغيير، على عجلٍ، قال: "ما لك لا تنفِّذ الأمور؟! فوالله ما أبالي لو أنَّ القدور غلت بي وبك في الحق"؟!.

جاء الجواب بلسان الحكمة: "لا تعجل يا بنيَّ، فإنَّ الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين، وحرَّمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الناس، على الحقِّ جملةً، فيَدعُوهُ جملةً، فيكون من ذا فتنةٌ".

هذا وقد وجدت أن طرح الفتى، يتوافق مع فكر الدواعش، وأطروحات الغلاة، من أمثال "أبو محمد المقدسي"، الذي وصف "أردوغان"، في وقت سابق، بالطاغوت! وأنه رجل علماني يهين التوحيد، ولا يسعى لتطبيق الشريعة! وأيضاً مع فكر جماعة المداخلة، الذين يسبِّحون بحمد سلاطينهم، ويحرِّمون الخروج عليهم. وفي الوقت ذاته، ينعتون أمثال "أردوغان"، و"مرسي" بالطغيان! سدَّد الله تصوراتنا نحو الحقِّ والصواب، وعصمنا من الزلل.


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين